فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } واضحات لا يلتبس معانيها . وقيل ظاهرات الإعجاز ، وقيل إنها حجج وبراهين والأول أولى ، وهي حال مؤكدة لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة ، والضمير في عليهم راجع إلى الكفار الذي سبق ذكرهم في قوله { أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } ، أي هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعذروا بالدنيا وقالوا : " لو كنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أطيب من حالنا ولم يكن بالعكس : لأن الحكيم لا يليق به أن يهين أولياءه ويعز أعداءه ، وقيل : عليهم أي على المؤمنين والأول أظهر ، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : { قال الذين كفروا } للإشعار بأن كفرهم هو السبب لصدور هذا القول عنهم ، وقيل المراد بهم هنا هم المتمردون المصرون منهم ، والأغنياء المتجملون بالثياب وغيرها .

ومعنى { للذين آمنوا } قالوا لأجلهم ، وقيل هي لام التبليغ كما في قوله : { وقال لهم نبيهم } أي خاطبوهم وشافهوهم بذلك ، وبلغوا القول إليهم ، يعني فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وفي منزلهم ضيق ، وكان المشركون يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويلبسون أفخر ثيابهم .

{ أي الفريقين } المراد بهما المؤمنون والكافرون ، كأنهم قالوا فريقنا { خير مقاما } أم فريقكم ؟ وقرئ بضم الميم ، وهو موضع الإقامة أو مصدر بمعناها ، وبالفتح منزلا ومسكنا فهو غير النادي إذا هو متحدث القوم ، وقيل هو الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة ، والمعنى أي الفريقين أكبر جاها وأكثر أعوانا وأنصارا .

وعن مجاهد في الآية قال : قريش تقوله لها ولأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس : مقاما المنازل { وأحسن نديا } قال ابن عباس : نديا المجالس . والندي والنادي مجلس القوم ومتحدثهم ومجتمعهم . ومنه قوله تعالى : { وتأتون في ناديكم المنكر } وقوله : { فليدع ناديه } أي أهل ناديه . وناده جالسه في النادي ومنه دار الندوة لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم . وقيل هو مشتق من الندى وهو الكرم لأن الكرماء يجتمعون فيه .