المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

14- يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم بما يصرفونكم عن طاعة الله لتحقيق رغباتهم ، فكونوا منهم على حذر ، وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم التي تقبل العفو ، وتُعرضوا عنها وتستروها عليهم يغفر الله لكم ، فإن الله واسع المغفرة والرحمة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

{ 14-15 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

هذا تحذير من الله للمؤمنين ، من الاغترار بالأزواج والأولاد ، فإن بعضهم عدو لكم ، والعدو هو الذي يريد لك الشر ، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه{[1128]}  والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد ، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد ، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي{[1129]}  ورغبهم في امتثال أوامره ، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية والمحاب الغالية ، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية ، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد ، فيما هو ضرر على العبد ، والتحذير من ذلك ، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم ، أمر تعالى بالحذر منهم ، والصفح عنهم والعفو ، فإن في ذلك ، من المصالح ما لا يمكن حصره ، فقال : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لأن الجزاء من جنس العمل .

فمن عفا عفا الله عنه ، ومن صفح صفح الله عنه ، ومن غفر غفر الله له ، ومن عامل الله فيما يحب ، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم ، نال محبة الله ومحبة عباده ، واستوثق له أمره .


[1128]:- في ب:هذه صفته.
[1129]:- في ب: التي فيها محذور شرعي.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وفى نهاية السورة الكريمة ، وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين ، حذرهم فيه من فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، وحضهم على مراقبته وتقواه ، وحذرهم من البخل والشح ، ووعدهم بالأجر العظيم متى أطاعوه . . . . فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ . . . } .

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رجلا يسأله عن هذه الآيات فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أولادهم وأزواجهم أن يتركوهم - ليهاجروا .

فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى بالمدينة - رأوا الناس قد تفقهوا فى الدين ، فهموا أن يعاقبوهم - أى : يعاقبوا أولادهم وأزواجهم - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات .

وفى رواية أخرى عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت بالمدينة فى عوف بن مالك الأشجعى ، شكى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - جفاء أهله وولده فنزلت .

وصدرت الآيات الكريمة بالنداء بصفة الإيمان ، لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه هذه الآيات من توجيهات سامية وإرشادات عالية . . . فإن من شأن الإيمان الحق ، أن يحمل صاحبه على طاعة الله - عز وجل - .

و " من " فى قوله { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ . . } للتبعيض .

والمراد بالعداوة ما يشمل العداوة الدينية والدنيوية ، بأن يكون هؤلاء الأولاد والأزواج يضمرون لآبائهم وأزواجهم العداوة والبغضاء وسوء النية ، يسبب الاختلاف فى الطباع أو فى العقيدة والأخلاق .

والعفو : ترك المعاقبة على الذنب بعد العزم على هذه المعاقبة .

والصفح : الإعراض عن الذنب وإخفاؤه ، وعدم إشاعته .

أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، إن بعض أزواجم وأولادكم ، يعادونكم ويخالفونكم فى أمر دينكم . وفى أمور دنياكم ، { فاحذروهم } أى : فاحذروا أن تطيعوهم فى أمر يتعارض مع تعاليم دينكم ، فإنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .

{ وَإِن تَعْفُواْ } - أيها المؤمنون - عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بعد التصميم عليه { وَتَصْفَحُواْ } عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بدون عزم عليه . . . { وَتَغْفِرُواْ } ما فرط منهم من أخطاء ، بأن تخفوها عليهم .

وقوله : { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قائم مقام جواب الشرط . أى : وإن تفعلوا ذلك من العفو والصفح والمغفرة ، يكافئكم الله - تعالى - على ذلك مكافأة حسنة ، فإن الله - تعالى - واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم . . . } إلى آخر السورة قرآن مدني ، اختلف الناس في سببه ، فقال عطاء بن أبي رباح : إنه نزل في عوف بن مالك الأشجعي ، وذلك أنه أراد غزواً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع أهله وأولاده فثبطوه وتشكوا إليه فراقه ، فرق ولم يغز ، ثم إنه ندم وهم بمعاقبتهم ، فنزلت الآية بسببه محذرة من الأزواج والأولاد وفتنتهم ، ثم صرفه تعالى عن معاقبتهم بقوله : { وإن تعفوا وتصفحوا } وقال بعض المفسرين سبب الآية : إن قوماً آمنوا بالله وثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة فلم يهاجروا إلا بعد مدة ، فوجدوا غيرهم قد تفقه في الدين ، فندموا وأسفوا وهموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (14)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله" إن مِنْ أزْوَاجِكُمْ وأوْلادِكُمْ عَدُوّا لكُمْ "يَصدّونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة الله "فاحْذَرُوهُمْ" أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله. وذُكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة، فثّبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم...

وقوله: "وَإنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا" يقول: وإن تعفوا أيها المؤمنون عما سلف منهم من صدّهم إياكم عن الإسلام والهجرة وتصفحوا لهم عن عقوبتكم إياهم على ذلك، وتغفروا لهم غير ذلك من الذنوب "فإنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" لكم لمن تاب من عباده، من ذنوبكم "رحيمٌ" بكم أن يعاقبكم عليها من بعد توبتكم منها...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} يحتمل أن يكون على تحقيق العداوة...

. عداوة ظاهرة، وهي عداوة الكفر والشرك؛ وذلك أنه كان في ذلك الزمان يسلم الرجل، ويبقى ولده وزوجته على الكفر، فعلمهم الله تعالى صحبة الأولاد والزوجات أنهم إذا دعوكم إلى الكفر والشرك فاحذروهم أن تطيعوهم {وإن تعفوا} عن عقوبتهم على ما دعوكم إليه {وتغفروا فإن الله غفور رحيم}. ثم ذكر الله عز وجل في صحبة الأولاد والزوجات، إذا كانوا كفارا، العفو والصفح، ولم يذكر ذلك في الوالدين المشركين، ولكنه أمره أن يصاحبهما {في الدنيا معروفا} [لقمان: 15]. فوجه ذلك عندنا، والله أعلم، أنه يجري سلطانه وغلبته وقهره على زوجته وولده. فأمره ههنا بالعفو والصفح، وأما في الوالدين فليس يجري له عليهما السلطان والقهر والغلبة، فلا معنى للأمر بالعفو عنهما، لكنه أمر أن يصاحبهما {في الدنيا معروفا} وألا يطيعهما في ما أمراه من المنكر، والله أعلم.

والثاني: يحتمل أن تكون هذه العداوة عداوة مستورة، وهي عداوة النفاق، فكأنه قال: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} وأنتم لا تشعرون {وإن تعفوا} عن جنايتهم، ولم تؤذوهم عليها {وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} ألا ترى إلى ما حذر الله المؤمنين من أهل النفاق...

.فكذلك الأزواج والأولاد، وإن كانوا تحت قهره وغلبته، أمره بالحذر منهم، والله أعلم.

ويحتمل أن يكون على فعل العداوة، ليس أنهم أعداء في الحقيقة؛ وذلك أنهم في المتعارف والمعتاد يدعون الآباء إلى البخل والمنع عن الإنفاق على غيرهم، ويشتد عليهم صنع أبيهم من الإحسان والبر في حق الناس، ويكرهون ذلك، وهذا في الظاهر فعل العداوة، فيجوز أن يكون الله تعالى علم صحبة هؤلاء أن {من أزواجكم وأولادكم} من يظهر فعل العداوة {فاحذروهم} أن يمتنعوا عن وجوه الإحسان والتبرع بقولهم {وإن تعفوا} عن صنيعهم بكم {وتغفروا فإن الله غفور رحيم}.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

المسألة الْأُولَى: قَدْ بَيَّنَّا الْعَدَاوَةَ وَمُقَابِلَتَهَا الْوِلَايَةَ فِي كِتَابِ الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَغَيْرِهِ وَحَقَّقْنَا أَنَّ الْوِلَايَةَ هِيَ الْقُرْبُ، وَأَنَّ الْعَدَاوَةَ هِيَ الْبُعْدُ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّ الْقُرْبَ وَالْبُعْدَ يَكُونَانِ حَقِيقَةً بِالْمَسَافَةِ؛ وَذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّ الْإِلَهِ، وَيَكُونَانِ بِالْمَوَدَّةِ وَالْمَنْزِلَةِ؛ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْإِلَهِ، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ يَجُوزُ عَلَى الْخَلْقِ. وَالْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ هَاهُنَا بُعْدُ الْمَوَدَّةِ وَالْمَنْزِلَةِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ قَرِيبٌ، وَالْوَلَدَ قَرِيبٌ، بِحُكْمِ الْمُخَالَطَةِ، وَالصُّحْبَةِ، وَلَكِنَّهُمَا قَدْ يَقْرُبَانِ بِالْأُلْفَةِ الْحَسَنَةِ وَالْعِشْرَةِ الْجَمِيلَةِ، فَيَكُونَانِ وَلِيَّيْنِ، وَقَدْ يَبْعُدَانِ بِالنَّفْرَةِ وَالْفِعْلِ الْقَبِيحِ، فَيَكُونَانِ عَدُوَّيْنِ، وَعَنْ هَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَمِنْهُ حَذَّرَ، وَبِهِ أَنْذَرَ.

المسألة الثَّانِيَةُ: ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ من طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ من أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا من أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدْعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَوْا النَّاسَ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ من أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.

...

...

...

...

...

...

...

.

المسألة الرَّابِعَةُ: كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ وَلَدُهُ وَزَوْجُهُ عَدُوًّا كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا وَلَدُهَا وَزَوْجُهَا عَدُوًّا بِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ. وَعُمُومُ قَوْلِهِ: {مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} يُدْخِلُ فِيهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى كَدُخُولِهِمَا فِي كُلِّ آيَةٍ.

المسألة الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {فَاحْذَرُوهُمْ}؛ مَعْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ. وَالْحَذَرُ عَلَى النَّفْسِ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ: إمَّا لِضَرَرٍ فِي الْبَدَنِ، وَإِمَّا لِضَرَرٍ فِي الدِّينِ. وَضَرَرُ الْبَدَنِ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَضَرَرُ الدِّينِ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ. فَحَذَّرَ اللَّهُ الْعَبْدَ من ذَلِكَ وَأَنْذَرَهُ بِهِ.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

الآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يا أيها الذين آمنوا} ولما كان الأزواج أقرب عداوة من الأولاد قدمهن، فقال مؤكداً لمن يستبعد ذلك: {إن من أزواجكم} وإن أظهرن غاية المودة {وأولادكم} وإن أظهروا أيضاً غاية الشفقة و الحنان {عدواً لكم} أي لشغلهم لكم عن الدين أو لغير ذلك من جمع المال وتحصيل الجاه لأجلهم والتهاون بالنهي عن المنكر فإن الولد مجبنة وغير ذلك...

{فاحذروهم} أي بأن تتقوا الله في كل أمرهم فتطلبوا في السعي عليهم الكفاف من حله وتقتصروا عليه، ولا يحملنكم حبهم على غير ذلك، وليشتد حذركم منهم بالعمل بما أمر الله حتى في العدل بينهم لئلا يتمكنوا من أذاكم فيعظم بهم الخطب ويكون فاتناً لكم في الدين إما بالردة -والعياذ بالله تعالى- أو بالشغل عن الطاعة أو بالإقحام في المعصية ومخالفة السنة والجماعة...

{وإن تعفوا} أي توقعوا المجاوزة عن ذنوبهم بعدم العقاب عليها فإنه لا فائدة في ذلك لأن من طبع على شيء لا يرجع...

{وتصفحوا} أي بالإعراض عن المقابلة بالتثريب باللسان {وتغفروا} أي بأن تستروا ذنوبهم ستراً تاماً شاملاً للعين والأثر بالتجاوز بعد ترك العقاب عن العتاب، فلا يكون منكم اشتغال بعداوتهم ولا ما قد يجرها عما ينفع من الطاعة...

{فإن الله} أي الجامع لصفات الكمال {غفور} أي بالغ المحو لأعيان الذنوب وآثرها جزاء لكم على غفرانكم لهم وهو جدير بأن يصلحهم لكم بسبب غفرانكم لهم فإنه {رحيم} يزيدكم بعد ذلك الستر الإكرام بالإنعام إن أكرمتموهم، فتخلقوا بأخلاقه سبحانه يزدكم من فضله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقد يبلغ العداء إلى نهاية طرفه فتندحض أمامه جميع الأواصر فيصبح الأشد قرباً أشد مضرة على قريبه من مضرة البعيد. فأيقظت هذه الآية المؤمنين لئلا يغرّهم أهل قرابتهم فيما توهم من جانب غرورهم فيكون ضرهم أشد عليهم وفي هذا الإيقاظ مصلحة للدين وللمسلمين ولذلك قال تعالى: {فاحذروهم} ولم يأمر بأن يضروهم، وأعقبه بقوله: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}، جمعاً بين الحذر وبين المسالمة وذلك من الحزم. و {مِن} تبعيضية. وتقديم خبر {إنَّ} على اسمها للاهتمام بهذا الخبر ولما فيه من تشويق إلى الاسم ليتمكن مضمون هذا الخبر في الذهن أتم تمكن لما فيه من الغرابة والأهمية...

والعفو: ترك المعاقبة على الذنب بعد الاستعداد لها. ولو مع توبيخ. والصفح: الإِعراض عن المذنب، أي ترك عقابه على ذنبه دون التوبيخ. والغفر: ستر الذنب وعدم إشاعته. والجمع بينها هنا إيماء إلى تراتب آثار هذه العداوة وما تقتضيه آثارها من هذه المعاملات الثلاث. وحذف متعلق الأفعال الثلاثة لظهور أن المراد من أولادكم وأزواجكم فيما يصدر منهم مما يؤذيكم، ويجوز أن يكون حذف المتعلق لإِرادة عموم الترغيب في العفو. وإنما يعفو المرء ويصفح ويغفر عن المذنب إذا كان ذنبه متعلقاً بحق ذلك المرء وبهذه الأفعال المذكورة هنا مطلقة وفي أدلة الشريعة تقييدات لها...

.

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة (عدوا لكم} قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

تكاليف الزوجات والأولاد، ورغباتهم وشهواتهم، قد تعرض الزوج والوالد إلى التفريط في حقوق الله، أو تدفعه إلى الاعتداء على حقوق الناس، وذلك حرصا منه على تلبية رغبات عائلته وخدمة مصالحها، وبذلك تنقلب الزوجة "عدوا " لزوجها، وينقلب الأولاد " أعداء " لوالدهم، إذ يورطونه فيما لا تحمد عقباه، مع الناس ومع الله، ويوقعونه في مآزق لا مخرج له منها إن لم يصحبه لطف الله... وهذا تنبيه من الله للزوجات والأولاد، حتى لا يكثروا من الضغط على الأزواج والوالدين، إذ ربما دفعهم ذلك الضغط إلى ارتكاب ما لا يرضى عنه الخلق والدين...