{ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ } أي : هذه الأشياء مرادكن ، وغاية مقصودكن ، وإذا حصل لَكُنَّ اللّه ورسوله والجنة ، لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها ، ويسرها وعسرها ، وقنعتن من رسول اللّه بما تيسر ، ولم تطلبن منه ما يشق عليه ، { فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا } رتب الأجر على وصفهن بالإحسان ، لأنه السبب الموجب لذلك ، لا لكونهن زوجات للرسول فإن مجرد ذلك ، لا يكفي ، بل لا يفيد شيئًا ، مع عدم الإحسان ، فخيَّرهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك ، فاخترن اللّه ورسوله ، والدار الآخرة ، كلهن ، ولم يتخلف منهن واحدة ، رضي اللّه عنهن .
منها : الاعتناء برسوله ، وغيرته عليه ، أن يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية .
ومنها : سلامته صلى اللّه عليه وسلم ، بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجات ، وأنه يبقى في حرية نفسه ، إن شاء أعطى ، وإن شاء منع { مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ }
ومنها : تنزيهه عما لو كان فيهن ، من تؤثر الدنيا على اللّه ورسوله ، والدار الآخرة ، وعن مقارنتها .
ومنها : سلامة زوجاته ، رضي اللّه عنهن ، عن الإثم ، والتعرض لسخط اللّه ورسوله .
فحسم اللّه بهذا التخيير عنهن ، التسخط على الرسول ، الموجب لسخطه ، المسخط لربه ، الموجب لعقابه .
ومنها : إظهار رفعتهن ، وعلو درجتهن ، وبيان علو هممهن ، أن كان اللّه ورسوله والدار الآخرة ، مرادهن ومقصودهن ، دون الدنيا وحطامها .
ومنها : استعدادهن بهذا الاختيار ، للأمر الخيار للوصول إلى خيار درجات الجنة ، وأن يَكُنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة .
ومنها : ظهور المناسبة بينه وبينهن ، فإنه أكمل الخلق ، وأراد اللّه أن تكون نساؤه{[703]} كاملات مكملات ، طيبات مطيبات { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }
ومنها : أن هذا التخيير داع ، وموجب للقناعة ، التي يطمئن لها القلب ، وينشرح لها الصدر ، ويزول عنهن جشع الحرص ، وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه ، وهمه وغمه .
ومنها : أن يكون اختيارهن هذا ، سببًا لزيادة أجرهن ومضاعفته ، وأن يَكُنَّ بمرتبة ، ليس فيها أحد من النساء ، ولهذا قال :
{ وَإِن كُنتُنَّ } لا تردن ذلك ، وإنما { تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الآخرة } .
أى : وإنما تردن ثواب الله - تعالى - والبقاء مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيثار شظف الحياة على زينتها ، وإيثار ثواب الدار الآخرة على متع الحياة الدنيا .
إن كنتن تردن ذلك فاعلمن أن { الله } - تعالى - { أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ } ، بسبب إيمانهن وإحسانهن { أَجْراً عَظِيماً } لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .
وبهذا التأديب الحكيم ، والإِرشاد القويم ، أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يؤدب نساءه ، وأن يرشدهن إلى ما فيه سعادتهن ، وأن يترك لهن حرية الاختيار .
وقوله تعالى : { إن كنتن تردن الحياة الدنيا } أي إن كانت عظم همتكن ومطلبكن الدنيا أي التعمق فيها والنيل من نعيمها . وزينة الدنيا : المال والبنون . { فتعالين } دعاء ، و { أمتعكن } معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله تعالى له في قوله { ومتعوهن }{[9499]} [ البقرة : 236 ] ، وأكثر الناس على أنها من المندوب إليه ، وقالت فرقة هي واجبة ، والسراح الجميل يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وجميل الثناء وإن كان الطلاق باتاً و { أعد } معناه يسر وهيأ و «المحسنات » الطائعات لله والرسول .
قال الفقيه الإمام القاضي : وأزواج النبي صلى اللواتي فيهن تسع ، خمس من قريش ، عائشة بنت أبي بكر الصديق ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان{[9500]} ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أمية{[9501]} ، وأربع من غير قريش ، ميمونة بنت الحارث الهلالية ، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش الأسدية{[9502]} ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية{[9503]} .
قال الفقيه الإمام القاضي : وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من إيلائه الشهر ونزلت عليه هذه الآية بدأ بعائشة وقال : «يا عائشة إني ذاكر لك أمراً ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » ثم تلا عليها الآية ، فقالت له : وفي أي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قالت : وقد علم أن أبوي لا يأمراني بفراقه ثم تتابع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على مثل قول عائشة فاخترن الله ورسوله{[9504]} رضي الله عنهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.