المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

268- الشيطان يخوفكم الفقرَ ويثبطكم عن كل عمل صالح لتنصرفوا عن الإنفاق في وجوه الخير ويغريكم بالمعاصي ، والله واسع المغفرة قادر على إغنائكم ، لا يخفى عليه شيء من أموركم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

وإياكم أن تتبعوا عدوكم الشيطان الذي يأمركم بالإمساك ، ويخوفكم بالفقر والحاجة إذا أنفقتم ، وليس هذا نصحا لكم ، بل هذا غاية الغش { إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } بل أطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم ، ومع هذا فهو { يعدكم مغفرة } لذنوبكم وتطهيرا لعيوبكم { وفضلا } وإحسانا إليكم في الدنيا والآخرة ، من الخلف العاجل ، وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح والقبر ، وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة ، وليس هذا عظيما عليه لأنه { واسع } الفضل عظيم الإحسان { عليم } بما يصدر منكم من النفقات قليلها وكثيرها ، سرها وعلنها ، فيجازيكم عليها من سعته وفضله وإحسانه ، فلينظر العبد نفسه إلى أي الداعيين يميل ، فقد تضمنت هاتان الآيتان أمورا عظيمة منها : الحث على الإنفاق ، ومنها : بيان الأسباب الموجبة لذلك ، ومنها : وجوب الزكاة من النقدين وعروض التجارة كلها ، لأنها داخلة في قوله : { من طيبات ما كسبتم } ومنها : وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار والمعادن ، ومنها : أن الزكاة على من له الزرع والثمر لا على صاحب الأرض ، لقوله { أخرجنا لكم } فمن أخرجت له وجبت عليه ومنها : أن الأموال المعدة للاقتناء من العقارات والأواني ونحوها ليس فيها زكاة ، وكذلك الديون والغصوب ونحوهما إذا كانت مجهولة ، أو عند من لا يقدر ربها على استخراجها منه ، ليس فيها زكاة ، لأن الله أوجب النفقة من الأموال التي يحصل فيها النماء الخارج من الأرض ، وأموال التجارة مواساة من نمائها ، وأما الأموال التي غير معدة لذلك ولا مقدورا عليها فليس فيها هذا المعنى ، ومنها : أن الرديء ينهى عن إخراجه ولا يجزئ في الزكاة

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

ثم حذر الله - تعالى - المؤمنين من وساوس الشيطان وخطواته فقال : { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } .

قوله : { يَعِدُكُمُ } من الوعد ، وهو في أصل وضعه لغة شائع في الخير والشر ، وأما في الاستعمال الشائع فالوعد في الخير والإِيعاد في الشر . وقد استعمل هنا في الشر نظراً إلى أصل الوضع ، لأن الفقر مما يراه الإِنسان شراً ولذلك يخوف الشيطان به المنفقين فيقول لهم : لا تنفقوا الجيد من أموالكم لأن إنفاقكم هذا يؤدي إلى فقركم ونضوب ما بين أيديكم من أموال .

والفقر هو ما يصيب الإِنسان من سوء في الحال ومن ضعف بسبب قلة المال ، وأصل الفقر في اللغة كسر فقار الظهر ، ثم وصف الإِنسان المحتاج الضعيف بأنه فقير تشبيها له بمن كسر فقار ظهره فأصبح عاجزاً عن الحركة لأن الظهر هو مجمع الحركات ، ومنه تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر .

والفحشاء والفحش والفاحشة ما عظم قبه من الأفعال والأقوال ، ويرى كشير من العلماء أن المراد بالفحشاء في الآية البخل الشديد فإن كلمة الفاحش تطلق في لغة العرب على البخيل الشديد البخل ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد .

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى . . . عقيلة مال الفاحش المتشدد

والمعنى : الشيطان يوعدكم أذا أنفقتم بالفقر وضياع الأموال ويحذركم من الصدقة بما يوسوس في نفوسكم من شرور وآثام ، ويغريكم بارتكاب المعاصي التي من أقبحها البخل الشديد ، والشح المهلك ، فعليكم أن تحذروه وأن تنفقوا من أموالكم في سبيل الله ما يوصلكم إلى رضوانه ورحمته .

قال الجمل : وفي هذه الآية لطيفة وهي أن الشيطان يخوف الرجل أولا بالفقر ثم يتوصل بهذا التجويف إلى أن يأمره بالفحشاء وهو البخل ، وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فلا يستطيع الشيطان أن يحسن له البخل إلا بتلك المقدمة وهي التخويف من الفقر فلهذا قال .

{ الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } .

وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة - أي همة وخطرة تقع في القلب - فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ { الشيطان يَعِدُكُمُ الفقر وَيَأْمُرُكُم بالفحشآء } " .

هذا ما يعده الشيطان للإِنسان ، فما الذي يعده الله - تعالى - لعباده ؟ لقد بين - سبحانه - ذلك فقال : { والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .

أي : إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، فالله - تعالى - يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم في سبيله ففي الحديث الشريف " الصدقة تطفئ الخطيئة " ويعدكم - أيضاً - { وَفَضْلاً } أي نماء وزيادة في أموالكم ، فإن الصدقات تزيد البركة في البرزق فيصير القليل منه في يد السخي كثيراً بتوفيق الله وتأييده .

وصدر له سبحانه - الجملة بلفظ الجلالة ، للإِشارة إلى أن الوعد الذي وعد به المنفقين وعد حق لا يمكن أن يخالطه شك أو ريب ، لأنه وعد من الله الذي لا يخلف وعده ، وإذا كان الشيطان يهدد الناس بالفقر عند العطاء ، ويأمرهم بالفحشاء ، فالله - تعالى - يبشر عباده بمغفرته ورضوانه ، بسبب إتفاقهم في السراء والضراء ويعدهم على ذلك بالرزق الوفير ، والفضل الكبير في الدنيا والآخرة .

وقد ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ } تأكيداً لوعده الذي وعد به عباده المتقين المتصدقين بأن يزيدهم من فضله ، أي والله - تعالى - واسع الجود والعطاء والرحمة ، وسيحقق لكم ما وعدكم به من المغفرة وتضعيف ما تنفقونه ، وهو مع ذلك عليم بأحوال عباده صغيرها وكبيرها ، وسيجازي الذين اتبعوا أوامره بجزيل الثواب ، كما سيجازي الذين اتبعوا وسوسة الشيطان بسوء العذاب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

وقوله : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا هَنَّاد بن السِّرِي ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة الهَمْداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للشيطان لَلَمّة{[4473]} بابن آدم ، وللمَلك لَمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق . فمن وجد ذلك فليعلَمْ أنه من الله ، فَلْيحمَد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان " . ثم قرأ : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا } الآية .

وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي{[4474]} التفسير من سُنَنَيْهما جميعًا ، عن هَنَّاد بن السِّرِي{[4475]} .

وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلى الموصلي ، عن هَنَّاد ، به{[4476]} . وقال الترمذي : حسن غريب ، وهو حديث أبي الأحوص - يعني سلام بن سليم - لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديثه . كذا قال . وقد رواه أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسيره ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن رُسْتَه ، عن هارون الفَرْوِي ، عن أبي ضَمْرة{[4477]} عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن مسعود ، مرفوعًا نحوه .

ولكن رواه مِسْعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود . فجعله من قوله ، والله أعلم .

ومعنى قوله تعالى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } أي : يخوفكم الفقر ، لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله ، { وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ } أي : مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق ، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخَلاق ، قال [ الله ]{[4478]} تعالى : { وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ } أي : في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء { وَفَضْلا } أي : في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر { وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .


[4473]:في جـ: "لمة".
[4474]:في جـ: "في كتاب".
[4475]:سنن الترمذي برقم (2988) وسنن النسائي الكبرى برقم (11051).
[4476]:صحيح ابن حبان برقم (40) "موارد".
[4477]:في جـ، أ: "عن أبي حمزة".
[4478]:زيادة من جـ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

{ الشيطان يعدكم الفقر } في الإنفاق ، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر . وقرئ { الفقر } بالضم والسكون وبضمتين وفتحتين . { ويأمركم بالفحشاء } ويغريكم على البخل ، والعرب تسمي البخيل فاحشا . وقيل المعاصي { والله يعدكم مغفرة منه } أي يعدكم في الإنفاق مغفرة لذنوبكم . { وفضلا } خلفا أفضل مما أنفقتم في الدنيا ، أو في الآخرة . { والله واسع } أي واسع الفضل لمن أنفق . { عليم } بإنفاقه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( 268 )

هذه الآية وما بعدها وإن لم تكن أمراً بالصدقة فهي جالبة النفوس إلى الصدقة( {[2645]} ) ، بين عز وجل فيها نزغات الشيطان ووسوسته وعداوته ، وذكر بثوابه هو لا رب غيره . وذكر بتفضله بالحكمة وأثنى عليها ، ونبه أن أهل العقول هم المتذكرون الذين يقيمون بالحكمة قدر الإنفاق في طاعة الله عز وجل وغير ذلك ، ثم ذكر علمه بكل نفقة ونذر . وفي ذلك وعد ووعيد . ثم بين الحكم في الإعلان والإخفاء وكذلك إلى آخر المعنى . والوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد بالموعد ما هو فقد يقيد بالخير وبالشر كالبشارة . فهذه الآية مما قيد الوعد فيها بمكروه وهو { الفقر } و { الفحشاء } كل ما فحش وفحش ذكره( {[2646]} ) ، ومعاصي الله كلها فحشاء ، وروى حيوة عن رجل من أهل الرباط أنه قرأ «الفُقر » بضم الفاء ، وهي لغة ، وقال ابن عباس : في الآية اثنتان من الشيطان ، واثنتان من الله تعالى ، وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن للشيطان لمة من ابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، فمن وجد ذلك فليتعوذ ، وأما لمة الملك فوعد بالحق وتصديق بالخير فمن وجد ذلك فليحمد الله » ، ثم قرأ عليه السلام { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم } الآية( {[2647]} ) ، والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة ، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه والتنعيم في الآخرة ، وبكل قد وعد الله تعالى ، وذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الآية في أن الفقر أفضل من الغنى . لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير وهو بتخويفه الفقر يبعد منه .

قال القاضي أبو محمد : وليس في الآية حجة قاطعة أما إن المعارضة بها قوية وروي أن في التوراة «عبدي أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي ، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة »( {[2648]} ) وفي القرآن مصداقة : وهو { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، وهو خير الرازقين }( {[2649]} ) [ سبأ : 39 ] و { واسع } لأنه وسع كل شيء رحمة وعلماً .


[2645]:- كأنه يشير إلى اتصال هذه الآية بما قبلها، فبعد أن رغب سبحانه في الإنفاق الطيب حذَّر من وسوسة الشيطان في ذلك، وأخبر بمغفرته وفضله وسعته وعلمه، وإيتائه الحكمة لمن يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
[2646]:- أما ما كان فاحشا كالزنى، والفحش في الفعل وفي القول: فحش فعله وفحش قوله. وقال بعض المفسرين: «ويحتمل أن تكون الفحشاء الكلمة السيئة» كما قال الشاعر: ولا ينطِقُ الفحشاءَ مَنْ كان مِنْهُــمُ إذا جلسوا منَّا ولا من سوائنا وقال بعضهم: الفاحش عند العرب: البخيل – وقال الزمخشري: (ويأمركم بالفحشاء): ويغريكم على البخل ومنع الصدقات. ا هـ. – علق أبو (ح) على ذلك فقال: فتكون الجملة الثانية كالتوكيد للأولى، ثم قال: ونظرنا إلى ما شرحه الشراح في الفاحش في نحو قول الشاعر: حتـى تأوي إلى لا فاحِشٍ بَــرم ولا شحيح إذا أصحابُه غَنِمُــوا وقول الآخر: أرى الموتَ يعْتَام الكِرام ويَصْطَفِي عَقيلةَ مــال الفاحش المُتشــدِّدِ فقد قالوا: الفاحش: السيء الخلق، ولو كان هو البخيل لكان قول الشاعر الأول: "ولا شحيح" من باب التوكيد، وقيل في قول امرئ القيس: وجيـد كجيد الريم ليس بفاحــش ................................. إن معناه: "ليس بقيح..." راجع البحر المحيط 2-319 – وأحسن ما قيل في تفسير الفحشاء هنا هو قول ابن عطية: «الفحشاء: كل ما فحش. وفحش ذكره، ومعاصي الله كلها فحشاء».
[2647]:- خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب، واللَّمَّة: الشدة، أو المسّ من الشيطان، ويقال: للشيطان لَمَّة، أي هَمَّة وخطرة في القلب ودُنُوٌّ.
[2648]:- روي ذلك عن ابن عباس.
[2649]:- من الآية (39) من سورة سبأ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلشَّيۡطَٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَآءِۖ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (268)

استئناف عن قوله : { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } [ البقرة : 267 ] لأنّ الشيطان يصدّ الناس عن إعطاء خيار أموالهم ، ويغريهم بالشحّ أو بإعطاء الرديء والخبيث ، ويخوّفهم من الفقر إن أعطوا بعض مَالهم .

وقدّم اسم الشيطان مسنداً إليه لأنّ تقديمه مؤذن بذمّ الحكم الذي سيق له الكلام وشؤمِه لتحذير المسلمين من هذا الحكم ، كما يقال في مثال علم المعاني « السَّفَّاح في دَار صديقك » ، ولأنّ في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي تَقَوِّيَ الحُكم وتحقيقه .

ومعنى { يعدكم } يسوّل لكم وقوعه في المستقبل إذا أنفقتم خيار أموالكم ، وذلك بما يلقيه في قلوب الذين تخلّقوا بالأخلاق الشيطانية . وسمّي الإخبار بحصول أمر في المستقبل وعداً مجازاً لأنّ الوعد إخبار بحصول شيء في المستقبل من جهة المخبِر ، ولذلك يقال : أنجز فلان وعده أو أخلف وعده ، ولا يقولون أنجز خَبَره ، ويقولون صدق خَبَرِه وصدَق وعده ، فالوعد أخصّ من الخبر ، وبذلك يؤذن كلام أئِمة اللغة . فشُبِّه إلقاء الشيطان في نفوسهم توقّع الفقر بوعد منه بحصوله لا محالة ، ووجه الشبه ما في الوعد من معنى التحقق ، وحسَّن هذا المجاز هنا مشاكلته لقوله : { والله يعدكم مغفرة } فإنّه وعد حقيقي .

ثم إن كان الوعد يطلق على التعهد بالخير والشر كما هو كلام « القاموس » تبعاً لفصيح ثعلب ففي قوله يعدكم الفقر مجاز واحد ، وإن كان خاصاً بالخير كما هو قول الزمخشري في الأساس ، ففي قوله : { يعدكم الفقر } مجازان .

والفقر شدّة الحاجة إلى لوازم الحياة لقلة أو فقد ما يعاوض به ، وهو مشتق من فقار الظهر ، فأصله مصدر فَقَره إذا كسر ظهره ، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة لأنّ الظَّهر هو مجمع الحركات ، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر ، ويقال فَقْر وفُقْر وفَقَر وفُقُر بفتح فسكون ، وبفتحتين ، وبضم فسكون ، وبضمتين ، ويقال رجل فقير ، ويقال رجل فَقْر وصفاً بالمصدر .

والفحشاء اسم لفعل أو قول شديد السوء واستحقاققِ الذم عرفاً أو شرعاً . مشتق من الفحش بضم الفاء وسكون الحاء تجاوز الحد . وخصّه الاستعمال بالتجاوز في القبيح ، أي يأمركم بفعل قبيح . وهذا ارتقاء في التحذير من الخواطر الشيطانية التي تدعو إلى الأفعال الذميمة ، وليس المراد بالفحشاء البخل لأنّ لفظ الفحشاء لا يطلق على البخل وإن كان البخيل يسمّى فاحشاً . وإطلاق الأمر على وسوسة الشيطان وتأثير قوته في النفوس مجاز لأنّ الأمر في الحقيقة من أقسام الكلام . والتعريف في الفحشاء تعريف الجنس .

{ والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً والله واسع عَلِيمٌ } .

عطف على جملة { الشيطان يعدكم الفقر } لإظهار الفرق بين ما تدعو إليه وساوس الشيطان وما تدعو إليه أوامر الله تعالى ، والوعد فيه حقيقة لا محالة . والقول في تقديم اسم الجلالة على الخبر الفعلي في قوله : { والله يعدكم } على طريقة القول في تقديم اسم الشيطان في قوله : { الشيطان يعدكم الفقر } .

ومعنى « واسع » أنّه واسع الفضل ، والوصف بالواسع مشتق من وَسِع المتعدي إذا عمّ بالعطاء ونحوه قال الله تعالى : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما } [ غافر : 7 ] ، وتقول العرب : « لا يسعني أن أفعل كذا » ، أي لا أجدُ فيه سعة ، وفي حديث علي في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد وسع الناسَ بِشْرُه وخُلقُه " . فالمعنى هنا أنّه وَسِعَ الناس والعالمين بعطائِه .