المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

46- المال والبنون جمال ومتعة لكم في الحياة الدنيا وهما قوتها ، ولكن لا دوام لها ، بل هي فانية غير باقية ، والأعمال الصالحة الباقية خير لكم عند الله ، يجزل ثوابها ، وخير أمل يتعلق به الإنسان .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

ولهذا أخبر تعالى أن المال والبنين ، زينة الحياة الدنيا ، أي : ليس وراء ذلك شيء ، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره ، الباقيات الصالحات ، وهذا يشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة من حقوق الله ، وحقوق عباده ، من صلاة ، وزكاة ، وصدقة ، وحج ، وعمرة ، وتسبيح ، وتحميد ، وتهليل ، وتكبير ، وقراءة ، وطلب علم نافع ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وصلة رحم ، وبر والدين ، وقيام بحق الزوجات ، والمماليك ، والبهائم ، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق ، كل هذا من الباقيات الصالحات ، فهذه خير عند الله ثوابا وخير أملا ، فثوابها يبقى ، ويتضاعف على الآباد ، ويؤمل أجرها وبرها ونفعها عند الحاجة ، فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون ، ويستبق إليها العاملون ، ويجد في تحصيلها المجتهدون ، وتأمل كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان : نوع من زينتها ، يتمتع به قليلا ، ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه ، بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون ونوع يبقى وينفع صاحبه على الدوام ، وهي الباقيات الصالحات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

ثم بين - سبحانه - القيمة الحقيقية للمال وللبنين فقال : { المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا } .

والمال : اسم لكل ما يتموله الإِنسان ويتملكه من النقود والعقار والحرث والأنعام . . إلخ والبنون : جمع ابن .

والزينة : مصدر . والمراد بها هنا ، ما فى الشئ من محاسن ترغب الإنسان فى حبه .

أى : المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان فى هذه الحياة الدنيا ، ويتباهى بها على غيره .

وإنما كانا كذلك ، لأن فى المال - كما يقول القرطبى - جمالا ونفعا ، وفى البنين قوة ودفعا .

قال الآلوسى : " وتقديم المال على البنين - مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك . . ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو فى أضيق حال . . " .

وفى التعبير بقوله - سبحانه - زينة ، بيان بديع . وتعبير دقيق لحقيقتهما ، فهما زينة وليسا قيمة ، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس ، وإنما توزن أقدار الناس بالإِيمان والعمل الصالح ، كما قال - تعالى - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } ولذا جاء التعقيب منه - سبحانه - بقوله : { والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } .

أى : المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس فى هذه الحياة الدنيا ، وإذا كان الأمر كذلك فى عرف كثير منهم . فإن الأقوال الطيبة ، والأعمال الحسنة ، هى الباقيات الصالحات ، التى تبقى ثمارها للإِنسان ، وتكون عند الله - تعالى - { خير } من الأموال والأولاد ، ثوابا وجزاء وأجرا { وخير أملا } حيث ينال بها صاحبها فى الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه فى الدنيا من فوز بنعيم الجنة ، أما المال والبنون فكثيرا ما يكونان فتنة .

وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار فى تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف : والباقيات الصالحات : الصلوات الخمس .

وقال عطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير عن ابن عباس : { والباقيات الصالحات } : سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . . .

ويبدو لنا أن قوله - تعالى - : { والباقيات الصالحات } لفظ عام ، يشمل كل قول ، أو عمل يرضى الله - عز وجل - ويدخل فى ذلك دخولا أوليا : الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال .

وسمى - سبحانه - ما يرضيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

28

وبعد أن يلقي مشهد الحياة الذاهبة ظله في النفس يقرر السياق بميزان العقيدة قيم الحياة التي يتعبدها الناس في الأرض ، والقيم الباقية التي تستحق الاهتمام :

( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ، وخير أملا ) . .

المال والبنون زينة الحياة ؛ والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات . ولكنه يعطيها القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد .

إنهما زينة ولكنهما ليسا قيمة . فما يجوز أن يوزن بهما الناس ولا أن يقدروا على أساسهما في الحياة . إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات .

وإذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالأموال والبنين فإن الباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا . عندما تتعلق بها القلوب ، ويناط بها الرجاء ، ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الجزاء .

وهكذا يتناسق التوجيه الإلهي للرسول [ ص ] في أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم في الغداة والعشي يريدون وجهه . مع إيحاء قصة الجنتين . مع ظل المثل المضروب للحياة الدنيا . مع هذا التقرير الأخير للقيم في الحياة وما بعد الحياة . . وتشترك كلها في تصحيح القيم بميزان العقيدة . وتتساوى كلها في السورة وفق قاعدة التناسق الفني والتناسق الوجداني في القرآن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

وقوله { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } لفظ الخبر ، لكن معه قرينة الضعة للمال والبنين لأنه في المثل ، قبل حقر أمر الدنيا وبنيه ، فكأنه يقول في هذه : إنما المال والبنون زينة هذه الحياة المحقرة ، فلا تتبعوها نفوسكم ، وقوله { زينة } مصدر ، وقد أخبر به عن أشخاص فإما أن يكون على تقدير محذوف ، وتقديره مقر زينة الحياة الدنيا ، وما أن نضع المال والبنين بمنزلة الغنى والكثرة ، واختلف الناس في { الباقيات الصالحات } فقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل : هي الصلوات الخمس وقال الجمهور هي الكلمات المأثور فضلها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، روي في هذا حديث : «أكثروا من الباقيات الصالحات »{[7816]} ، وقاله أيضاً ابن عباس ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وغيره أن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات{[7817]} ، وقال ابن عباس أيضاً { الباقيات الصالحات } : كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة ورجحه الطبري{[7818]} ، وقال ابن عباس بكل الأقوال دليل على قوله بالعموم ، وقوله { خير ثواباً وخير أملاً } صاحبها ينتظر الثواب وينبسط على خير من حال ذي المال والبنين دون عمل صالح .


[7816]:أخرجه سعيد بن منصور، وأحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (استكثروا من الباقيات الصالحات)، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: (التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله). (الدر المنثور).
[7817]:أخرجه النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني في الصغير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جنتكم)، قيل: يا رسول الله، أمن عدو قد حضر؟ قال: (لا، بل جنتكم من النار: قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات، وهن الباقيات الصالحات). (الدر المنثور).
[7818]:وكذلك اختاره القرطبي، قال: "وهو الصحيح إن شاء الله ؛ لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّـٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا} (46)

اعتراض أريد به الموعظة والعبرة للمؤمنين بأن ما فيه المشركون من النعمة من مال وبنين ما هو إلا زينة الحياة الدنيا التي علمتم أنها إلى زوال ، كقوله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [ آل عمران : 196 ] وأن ما أعد الله للمؤمنين خير عند الله وخير أملاً . والاغتباط بالمال والبنين شنشنة معروفة في العرب ، قال طرفة :

فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم *** ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد

فأصبحت ذا مال كثير وطاف بي *** بنون كـــــــرام سادة لمسوّد

و{ والباقيات الصالحات } صفتان جرتا على موصوف محذوف ، أي الأعمال الصالحات الباقيات ، أي التي لا زوال لها ، أي لا زوال لخيرها ، وهو ثوابها الخالد ، فهي خيرٌ من زينة الحياة الدنيا التي هي غير باقية .

وكان مقتضى الظاهر في ترتيب الوصفين أن يقدم { الصالحات } على { والباقيات } لأنهما وإن كانا وصفين لموصوف محذوف إلا أن أعرفهما في وصفية ذلك المحذوف هو الصالحات ، لأنه قد شاع أن يقال : الأعمال الصالحات ولا يقال الأعمال الباقيات ، ولأن بقاءها مترتب على صلاحها ، فلا جرم أن الصالحات وصف قام مقام الموصوف وأغنى عنه كثيراً في الكلام حتى صار لفظ ( الصالحات ) بمنزلة الاسم الدال على عمل خير ، وذلك كثير في القرآن قال تعالى : { وعملوا الصالحات } [ الكهف : 107 ] ، وفي كلامهم قال جرير :

كيف الهجاء وما تنفك صالحةٌ *** من آل لأم بِظَهر الغيب تأتيني

ولكن خولف مقتضى الظاهر هنا ، فقدم ( الباقيات ) للتنبيه على أن ما ذكر قبله إنما كان مفصولاً لأنه ليس بباقٍ ، وهو المال والبنون ، كقوله تعالى : { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } [ الرعد : 26 ] ، فكان هذا التقديم قاضياً لحق الإيجاز لإغنائه عن كلام محذوف ، تقديره : أن ذلك زائل أو ما هو بباق والباقيات من الصالحات خير منه ، فكان قوله : { فأصبح هشيماً تذروه الرياح } [ الكهف : 45 ] مفيداً للزوال بطريقة التمثيل وهو من دلالة التضمن ، وكان قوله : والباقيات } مفيداً زوال غيرها بطريقة الالتزام ، فحصل دلالتان غير مطابقتين وهما أوقع في صناعة البلاغة ، وحصل بثانيتهما تأكيد لمفاد الأولى فجاء كلاماً مؤكداً موجزاً .

ونظير هذه الآية آية سورة مريم قوله : { والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير مرداً } [ مريم : 76 ] فإنه وقع إثر قوله : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً } [ مريم : 73 74 ] الآية .

وتقديم المال على البنين في الذكر لأنه أسبق خطوراً لأذهان الناس ، لأنه يرغَب فيه الصغير والكبير والشاب والشيخ ومن له من الأولاد ما قد كفاه ولذلك أيضاً قدم في بيت طرفة المذكور آنفاً .

ومعنى { وخير أملاً } أن أمل الآمل في المال والبنين إنما يأمل حصول أمر مشكوك في حصوله ومقصور على مدته . وأما الآمل لثواب الأعمال الصالحة فهو يأمل حصول أمر موعود به من صادق الوعد ، ويأمل شيئاً تحصل منه منفعة الدنيا ومنفعة الآخرة كما قال تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ النحل : 97 ] . فلا جرم كان قوله : { وخير أملاً } بالتحقق والعموم تذييلاً لما قبله .