{ 4 - 6 } { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }
يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا ، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل ، فهذا من صنيع الكفار ، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل ، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية ، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال : { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي : ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب ، بل الواجب على العبد ، أن يعتبر الناس بالحق ، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس ، ولا يزن الحق بالناس ، كما عليه من لا علم ولا عقل له .
ثم هون - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم من شأن الكافرين ، وأخبره بأنهم أتفه من أن يغتر بهم فقال : { مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد } .
والمراد بالجدال هنا : الجدال بالباطل ، وأما الجدال من أجل الوصول إلى الحق فمحمود .
وقوله : { فَلاَ يَغْرُرْكَ } جواب لشرط محذوف . والتقلب : التنقل من مكان إلى آخر من أجل الحصول على المنافع والمكاسب .
أى : ما يجادل فى آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته ، عن طريق التكذيب بها والطعن فيها . . إلا الذين كفروا بالحق لما جاءهم ، وإذا تقرر ذلك ، فلا يغررك - أيها الرسول الكريم - تقلبهم فى البلاد ، وتصرفهم فيها عن طريق التجارات الرابحة ، وجمع الأموال الكثيرة ، فإن ما بين أيديهم من أموال إنما هو لون من الاستدراج ، وعما قريب ستزول هذه الأموال من بين أيديهم ، وستكون عليهم حسرة . .
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ، فلا يغررك تقلبهم في البلاد . كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ، وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، فأخذتهم ، فكيف كان عقاب ? وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) . .
بعد تقرير تلك الصفات العلوية ، وتقرير الوحدانية ، يقرر أن هذه الحقائق مسلمة من كل من في الوجود ، وكل ما في الوجود ، ففطرة الوجود كله مرتبطة بهذه الحقائق ، متصلة بها الاتصال المباشر ، الذي لا تجادل فيه ولا تماحل . والوجود كله مقتنع بآيات الله الشاهدة بحقيقته ووحدانيته . وما من أحد يجادل فيها إلا الذين كفروا وحدهم ، شذوذاً عن كل ما في الوجود وكل من في الوجود :
( ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ) . .
فهم وحدهم من بين هذا الوجود الهائل يشذون ؛ وهم وحدهم من بين هذا الخلق العظيم ينحرفون . وهم - بالقياس إلى هذا الوجود - أضعف وأقل من النمل بالقياس إلى هذه الأرض . وهم حين يقفون في صف يجادلون في آيات الله ؛ ويقف الوجود الهائل كله في صف معترفاً بخالق الوجود مستنداً إلى قوة العزيز الجبار . . هم في هذا الموقف مقطوع بمصيرهم ، مقضي في أمرهم ؛ مهما تبلغ قوتهم ؛ ومهما يتهيأ لهم من أسباب المال والجاه والسلطان :
( فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) . .
فمهما تقلبوا ، وتحركوا ، وملكوا ، واستمتعوا ، فهم إلى اندحار وهلاك وبوار . ونهاية المعركة معروفة . إن كان ثمت معركة يمكن أن تقوم بين قوة الوجود وخالقه ، وقوة هؤلاء الضعاف المساكين !
يقول تعالى : ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان { إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : الجاحدون لآيات الله وحججه وبراهينه ، { فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } أي : في أموالهم ونعيمها وزهرتها ، كما قال : { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ . مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 ، 197 ] ، وقال تعالى : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] .
وقوله : { ما يجادل في آيات الله } يريد جدالاً باطلاً ، لأن الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها وشرحها .
وقوله : { فلا يغررك } أنزله منزلة : «فلا يحزنك ولا يهمنك » ، لتدل الآية على أنهم ينبغي أن لا يغتروا بإملاء الله تعالى لهم ، فالخطاب له والإشارة إلى من يقع منه الاغترار ، ويحتمل أن يكون { يغررك } بمعنى تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيراً لهم فتقول عسى أن لا يعذبوا وحل الفعل من الإدغام لسكون الحرف الثاني ، وحيث هما متحركان لا يجوز الحل ، لا تقول زيد يغررك{[9963]} . و : { تقلبهم في البلاد } عبارة عن تمتعهم بالمساكين والمزارع والأسفار وغير ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.