المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

40- ما كان محمد أبا أحد من رجالكم حتى يحرم عليه التزوج من مطلقته ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين ، عليه أن يؤدى رسالته كما أمره ربه من غير خشية أحد ، وكان الله بكل شيء محيطا علمه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

{ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ْ }

أي : لم يكن الرسول { مُحَمَّدٌ ْ } صلى اللّه عليه وسلم { أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ْ } أيها الأمة فقطع انتساب زيد بن حارثة منه ، من هذا الباب .

ولما كان هذا النفي عامًّا في جميع الأحوال ، إن حمل ظاهر اللفظ على ظاهره ، أي : لا أبوة نسب ، ولا أبوة ادعاء ، وقد كان تقرر فيما تقدم أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، أب للمؤمنين كلهم ، وأزواجه أمهاتهم ، فاحترز أن يدخل في هذا النوع ، بعموم النهي المذكور ، فقال : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ْ } أي : هذه مرتبته مرتبة المطاع المتبوع ، المهتدى به ، المؤمن له الذي يجب تقديم محبته ، على محبة كل أحد ، الناصح الذي لهم ، أي : للمؤمنين ، من بره [ ونصحه ]{[1]}  كأنه أب لهم .

{ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ْ } أي : قد أحاط علمه بجميع الأشياء ، ويعلم حيث يجعل رسالاته ، ومن يصلح لفضله ، ومن لا يصلح .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

ثم حدد - سبحانه - وظيفة رسوله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بما هو أهله ، فقال - تعالى - : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } أى : لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم أبا لأحد من رجالكم أبوة حقيقة ، تترتب عليها آثارها وأحكامها من الإِرث ، والنفقة والزواج . . . . وزيد كذلك ليس ابنا له صلى الله عليه وسلم فزواجه صلى الله عليه وسلم بزينب التى طلقها زيد لا حرج فيه ، ولا شبهة فى صحته ، وقوله : { ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين } استدراك لبيان وظيفته وفضله .

أى : لم يكن صلى الله عليه وسلم أبا لأحدكم على سبيل الحقيقة ، ولكنه كان رسولا من عند الله - تعالى - ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان وكان - أيضا - خاتم النبيين ، بمعنى أنهم ختموا به ، فلا نبى بعده ، فهو كالخاتَم والطابَع لهم . ختم الله - تعالى - به الرسول والأنبياء ، فلا رسول ولا نبى بعده إلى قيام الساعة .

قال القرطبى : قرأ الجمهور { وَخَاتَمَ } - بكسر التاء - بمعنى أنه ختمهم ، أى : جاء آخرهم .

وقرأ عاصم { وخاتم } - بفتح التاء - بمعنى أنهم ختموا به ، فهو كالخاتم والطابع لهم .

وقيل : الخاتم والخاتم - بالفتح والكسر - لغتان ، مثل طابع وطابع . .

وقد روى الإِمام مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها ، إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخولنها ويتعدبون منها ويقولون : ما أجمل هذه الدار ، هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء " .

وقد ذكر الإِمام ابن كثير عددا من الأحاديث فى هذا المعنى منها ما رواه الإِمام مسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب ، وأحلت لى الغنائم ، وجعلت لى الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بى النبيون " .

ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر هذا الحديث وغيره : والأحاديث فى هذا كثيرة ، فمن رحمة الله - تعالى - بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، ثم من تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به ، وإكمال الحنيف له ، وقد أخبر - تعالى - فى كتابه ، وأخبر رسوله فى السنة المتواترة عنه ، أنه لا نبى بعده ، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل ، ولو تخرق وشعبذ ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم . .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } .

أى : وكان - عز وجل - وما زال ، هو العليم علما تاما بأحوال خلقه ، وبما ينفعهم ويصلحهم ، ولذا فقد شرع لكم ما أنتم فى حاجة إليه من تشريعات ، واختار رسالة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لتكون خاتمة الرسالات ، فعليكم أن تقابلوا ذلك بالشكر والطاعة ، ليزيدكم - سبحانه - من فضله وإحسانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

36

( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم )فزينب ليست حليلة ابنه ، وزيد ليس ابن محمد . إنما هو ابن حارثة . ولا حرج إذن في الأمر حين ينظر إليه بعين الحقيقة الواقعة .

والعلاقة بين محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وبين جميع المسلمين - ومنهم زيد بن حارثة - هي علاقة النبي بقومه ، وليس هو أبا لأحد منهم :

( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) . .

ومن ثم فهو يشرع الشرائع الباقية ، لتسير عليها البشرية ؛ وفق آخر رسالة السماء إلى الأرض ، التي لا تبديل فيها بعد ذلك ولا تغيير .

( وكان الله بكل شيء عليما ) . .

فهو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية ، وما يصلحها ؛ وهو الذي فرض على النبي ما فرض ، واختار له ما اختار . ليحل للناس أزواج أدعيائهم ، إذا ما قضوا منهن وطرا ، وانتهت حاجتهم منهن ، وأطلقوا سراحهن . . قضى الله هذا وفق علمه بكل شيء . ومعرفته بالأصلح والأوفق من النظم والشرائع والقوانين ؛ ووفق رحمته وتخيره للمؤمنين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

وقوله : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } ، نهى{[23545]} [ تعالى ] {[23546]} أن يقال بعد هذا : " زيد بن محمد " أي : لم يكن أباه وإن كان قد تبناه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلامه ، لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم ؛ فإنه ولد له القاسم ، والطيب ، والطاهر ، من خديجة فماتوا صغارا ، وولد له إبراهيم من مارية القبطية ، فمات أيضا رضيعا {[23547]} ، وكان له من خديجة أربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، رضي الله عنهم{[23548]} أجمعين ، فمات في حياته ثلاث وتأخرت فاطمة حتى أصيبت به ، صلوات الله وسلامه عليه ، ثم ماتت بعده لستة أشهر .

وقوله : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } كقوله : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] فهذه الآية نص في{[23549]} أنه لا نبي بعده ، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول [ بعده ] {[23550]} بطريق الأولى والأحرى ؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة ، فإن كل رسول نبي ، ولا ينعكس . وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة .

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر الأزدي ، حدثنا زُهَيْر بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبيّ بن كعب{[23551]} ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارًا فأحسنها وأكملها ، وترك فيها موضع لَبنة لم يَضَعها ، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ، ويقولون : لو تمَّ موضع هذه اللبنة ؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة " .

ورواه الترمذي ، عن بُنْدَار ، عن أبي عامر العقدي ، به{[23552]} ، وقال : حسن صحيح .

حديث آخر : قال{[23553]} الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا المختار بن فُلفُل ، حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي . " قال : فشَقّ ذلك على الناس قال : قال{[23554]} : ولكن المبشرات " . قالوا : يا رسول الله ، وما المبشرات ؟ قال : " رؤيا الرجل المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة " .

وهكذا روى الترمذي عن الحسن بن محمد الزعفراني ، عن عفان بن مسلم ، به{[23555]} وقال : صحيح غريب من حديث المختار بن فُلفُل .

حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا سَليم بن حَيَّان ، عن سعيد بن ميناء ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارًا فأكملها وأحسنها إلا موضع لَبنة ، فكان مَنْ دخلها فنظر إليها قال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة ! فأنا موضع اللبنة ، ختم بي الأنبياء ، عليهم السلام " .

ورواه البخاري ، ومسلم ، والترمذي من طرق ، عن سليم{[23556]} بن حيان ، به . {[23557]} وقال الترمذي : صحيح غريب من هذا الوجه .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثل النبيين [ من قبلي ]{[23558]} كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا لَبنَة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة " . انفرد بإخراجه مسلم من رواية الأعمش ، به{[23559]} .

حديث آخر : قال [ الإمام ]{[23560]} أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عثمان بن عُبَيد الراسبي قال : سمعت أبا الطفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا نبوة بعدي إلا المبشرات " . قال : قيل : وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : " الرؤيا الحسنة - أو قال - الرؤيا الصالحة . " {[23561]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة{[23562]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأكملها وأجملها ، إلا موضع لَبنة من زاوية من زواياها ، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان ويقولون : ألا وَضَعْتَ هاهنا لبنة فيتم بنيانك ؟ ! " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكنت أنا اللبنة " .

أخرجاه من حديث عبد الرزاق . {[23563]}

حديث آخر : عن أبي هريرة أيضا : قال{[23564]} الإمام مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب{[23565]} وقتيبة وعلي بن حجر قالوا : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فُضلت على الأنبياء بست : أعْطِيتُ جوامع الكلم ، ونُصِرْتُ بالرعب ، وأحِلَّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون " .

ورواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، وقال الترمذي : حسن صحيح . {[23566]}

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى دارًا فأتمها إلا موضع لبنة واحدة ، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة " .

ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي كُرَيْب ، كلاهما عن أبي معاوية ، به . {[23567]}

حديث آخر : قال{[23568]} الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سُويد الكلبي ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العِرْباض بن سارية قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنْجَدِل في طينته . " {[23569]}

حديث آخر : قال{[23570]} الزهري : أخبرني محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده{[23571]} نبي . " أخرجاه في الصحيحين{[23572]} .

وقال{[23573]} الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن عبد الله بن هُبَيْرة ، عن عبد الرحمن بن جبير قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودّع ، فقال : " أنا محمد النبي الأمي - ثلاثا - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، وعُوفيتُ وعُوفيتْ{[23574]} أمتي ؛ فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذُهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلّوا حلاله ، وحرّموا حرامه " . تفرد به الإمام أحمد . {[23575]}

ورواه{[23576]} [ الإمام ]{[23577]} أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق ، عن ابن لَهِيعة ، عن عبد الله بن هبيرة ، عن عبد الله بن مريج{[23578]} الخولاني ، عن أبي قيس - مولى عمرو بن العاص - عن عبد الله بن عمرو فذكر مثله سواء{[23579]} {[23580]} .

والأحاديث في هذا كثيرة ، فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، إليهم ، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به ، وإكمال الدين الحنيف له . وقد أخبر تعالى في كتابه ، ورسوله في السنة المتواترة عنه : أنه لا نبي بعده ؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك ، دجال ضال مضل ، ولو تخرق{[23581]} وشعبذ ، وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنَيرجيَّات{[23582]} ، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب ، كما أجرى الله ، سبحانه وتعالى ، على يد الأسود العَنْسي باليمن ، ومسيلمة الكذاب باليمامة ، من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ، ما علم كل ذي لب وفهم وحِجى أنهما كاذبان ضالان ، لعنهما الله . وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال ، [ فكل واحد من هؤلاء الكذابين ]{[23583]} يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب مَنْ{[23584]} جاء بها . وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه ، فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق ، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم ، كما قال تعالى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } الآية [ الشعراء : 221 ، 222 ] . وهذا بخلاف الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم في غاية البر والصدق{[23585]} والرشد والاستقامة [ والعدل ]{[23586]} فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه ، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات ، والأدلة الواضحات ، والبراهين الباهرات ، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسموات .


[23545]:- في أ: "ينهى".
[23546]:- زيادة من أ.
[23547]:- في أ: "أيضا صغيرا رضيعا".
[23548]:- في أ: "عنهن".
[23549]:- في أ: "على".
[23550]:- زيادة من أ.
[23551]:- في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي بن كعب".
[23552]:- المسند (5/136) وسنن الترمذي برقم (3613) ".
[23553]:- في ت: "وروي".
[23554]:- في ت ، ف ، أ: "فقال".
[23555]:- المسند (3/267) وسنن الترمذي برقم (2272).
[23556]:- في ف: "سليمان".
[23557]:- مسند الطيالسي برقم (1785) وصحيح البخاري برقم (3534) وصحيح مسلم برقم (2287) وسنن الترمذي برقم (2862).
[23558]:- زيادة من ت ، أ ، والمسند.
[23559]:- المسند (3/9) وصحيح مسلم برقم (2286).
[23560]:- زيادة من أ.
[23561]:- المسند (5/454) وقال الهيثمي في المجمع (7/173): "ورجاله ثقات".
[23562]:- في ت: "وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة ، رضي الله عنه".
[23563]:- المسند (2/312) وصحيح مسلم برقم (2286) ولم أجده في البخاري ولم يعزه المزي في تحفة الأشراف إلا لمسلم.
[23564]:- في ت: "وروى".
[23565]:- في أ: "يعقوب".
[23566]:- صحيح مسلم برقم (523) وسنن الترمذي برقم (1553) وسنن ابن ماجه برقم (567).
[23567]:- تقدم الحديث من قريب.
[23568]:- في ت: "وروى".
[23569]:- المسند (4/127).
[23570]:- في ت: "وقال".
[23571]:- في أ: "بعدي".
[23572]:- صحيح البخاري برقم (3532) وصحيح مسلم برقم (2354).
[23573]:- في ت: "وروى".
[23574]:- في ت: "وعرفت".
[23575]:- المسند (2/12) وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
[23576]:- في ف: "وحدثني".
[23577]:- زيادة من ف ، أ.
[23578]:- في أ: "سريح".
[23579]:- في أ: "سواه".
[23580]:- المسند (2/172) وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
[23581]:- في أ: "تمخرق".
[23582]:- في أ: "النيرنجيات".
[23583]:- زيادة من أ.
[23584]:- في أ: "ما".
[23585]:- في أ: "الصدقة".
[23586]:- زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ، ولا ينتقض عمومه بكونه أبا للطاهر والقاسم وإبراهيم لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم . { ولكن رسول الله } وكل رسول أبو أمته لا مطلقا بل من حيث أنه شفيق ناصح لهم ، واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة . وقرئ { رسول الله } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ولكن التشديد على حذف الخبر أي { ولكن رسول الله } من عرفتم أنه يعش له ولد ذكر . { وخاتم النبيين } وآخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح ، ولو كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال عليه الصلاة والسلام في إبراهيم حين توفى : لو عاش لكان نبيا ، ولا يقدح في نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دنيه ، مع أن المراد منه أنه آخر من نبئ . { وكان الله بكل شيء عليما } فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

وقوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } إلى قوله تعالى : { كريماً } أذهب الله تعالى في هذه الآية ما وقع في نفوس منافقين وغيرهم من نقد تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب زوجة دعيه زيد بن حارثة لأنهم كانوا استعظموا أن تزوج زوجة ابنه ، فنفى القرآن تلك النبوة وأعلم أن محمداً لم يكن في حقيقة أمره أبا أحد من رجال المعاصرين له ، ولم يقصد بهذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد فيحتاج إلى الاحتجاج بأمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين ومن احتج بذلك فإنه تأول نفي البنوة عنه بهذه الآية على غير ما قصد بها وقرأ ابن أبي عبلة وبعض الناس » ولكن رسولُ الله «بالرفع على معنى هو رسول الله ، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج وعيسى » رسولَ الله «بالنصب على العطف على { أبا } ، وهؤلاء قرؤوا » ولكن «بالتخفيف ، وقرأت فرقة » ولكنّ «بشد النون ونصب » رسولَ «على أنه اسم » لكنّ «والخبر محذوف ، وقرأ عاصم وحده{[9529]} والحسن والشعبي والأعرج بخلاف » وخاتَم «بفتح التاء بمعنى أنهم به ختموا فهو كالخاتم والطابع لهم ، وقرأ الباقون والجمهور » خاتِم «بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم ، وروت عائشة أنه عليه السلام قال : ( أنا خاتَم الأنبياء )

بفتح التاء ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : «أنا خاتم ألف نبي »{[9530]} ، وهذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفاً وسلفاً متلقاة على العموم التام مقتضية نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، وما ذكره القاضي ابن الطيب في كتابه المسمى بالهداية من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد إلحاد عندي وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوءة ، فالحذر الحذر منه والله الهادي برحمته{[9531]} ، وقرأ ابن مسعود «من رجالكم ولكن نبينا ختم النبيين » ، قال الرماني ختم به عليه السلام الاستصلاح فمن لم يصلح به فميئوس من صلاحه ، وقوله تعالى : { وكان الله بكل شيء عليماً } والمقصد به هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح بمحمد وبما قدره في الأمر كله .


[9529]:يعني: من السبعة، وإلا فقد قرأ بها غيره كما ذكر المؤلف.
[9530]:الأحاديث في ذلك كثيرة، وهي مروية في صحيح السنة، ومنها ما أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل ابتنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فكان من دخلها فنظر غليها قال: ما أحسنها إلا موضع اللبنة، فأنا موضع اللبنة، فختم بي الأنبياء).ومنها ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون).ومنها ما أخرجه البخاري، ومسلم، عن جبير بن مطعم رضي اله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد).
[9531]:نقل هذا الكلام عن ابن عطية كل من القرطبي في تفسيره، وأبو حيان في البحر المحيط.