البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

ثم نفى تعالى كون رسوله { أبا أحد من رجالكم } ، بينه وبين من تبناه من حرمة الصهارة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده .

هذا مقصود هذه الجملة ، وليس المقصود أنه لم يكن له ولد ، فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين .

وإضافة رجالكم إلى ضمير المخاطبين يخرج من كان من بنيه ، لأنهم رجاله ، لا رجال المخاطبين .

وقرأ الجمهور ؛ { ولكن رسول } ، بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان ، لدلالة كان المتقدّمة عليه ؛ قيل : أو على العطف على { أبا أحد } .

وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : بالتشديد والنصب على أنه خبر لكن ، والخبر محذوف تقديره : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } هو ، أي محمد صلى الله عليه وسلم .

وحذف خبر لكن واخواتها جائز إذا دل عليه الدليل .

ومما جاء في ذلك قول الشاعر :

فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي *** ولكنّ زنجياً عظيم المشافر

أي : أنت لا تعرف قرابتي .

وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة : بالتخفيف ، ورفع ورسوله وخاتم ، أي ولكن هو رسول الله ، كما قال الشاعر :

ولست الشاعر السقاف فيهم *** ولكن مدرة الحرب العوال

أي : لكن أنا مدرة .

وقرأ الجمهور : { خاتم } ، بكسر التاء ، بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم .

وروي عنه أنه قال : أنا خاتم نبي ، وعنه : أنا خاتم النبيين في حديث واللبنة .

وروي عنه ، عليه السلام ، ألفاظ تقتضي نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أن لا يتنبأ أحد بعده ، ولا يرد نزول عيسى آخر الزمان ، لأنه ممن نبىء قبله ، وينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته .

قال ابن عطية : وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية ، من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية ، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد ، وتطرق إلى ترك تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة ، فالحذر الحذر منه ، والله الهادي برحمته .

وقرأ الحسن ، والشعبي ، وزيد بن علي ، والأعرج : بخلاف ؛ وعاصم : بفتح التاء بمعنى : أنهم به ختموا ، فهو كالخاتم والطابع لهم .

ومن ذهب إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع ، أو إلى أن الولي أفضل من النبي ، فهو زنديق يجب قتله .

وقد ادعى النبوة ناس ، فقتلهم المسلمون على ذلك .

وكان في عصرنا شخص من الفقراء ادعى النبوة بمدينة مالقة ، فقتله السلطان بن الأحمر ، ملك الأندلس بغرناطة ، وصلب إلى أن تناثر لحمه .

{ وكان الله بكل شيء عليماً } : هذا عام ، والقصد هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح لرسوله ، وبما قدّره في الأمر كله ،