تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

الآية 40 وقوله تعالى : { ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم } معناه ، والله أعلم : ما كان محمد أبا أحد أبوة ، تحرم بها حلائل الأبناء ، ولكن( {[16702]} ) كان هو أبا لجميع المؤمنين حين( {[16703]} ) قال : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } [ الأحزاب : 6 ] . إذا كانت أزواجه أمهاتنا فهو أب لنا على ما ذكرنا .

لكن التأويل فيه : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } أبوة تحرم بها حلائل الأبناء ، ولكن أبوة التعظيم له والتبجيل ، وأبوة الشفقة والرحمة ، وهو ما قال : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } الآية [ الحجرات : 2 ] .

وكذلك قوله : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } [ الأحزاب : 6 ] يحتمل وجهين :

[ أحدهما ]( {[16704]} ) : أولى أن يعظم ، ويكرم ، ويشرف ، لقوله( {[16705]} ) : { وتعزروه وتوقروه } [ الفتح : 9 ] .

والثاني : { أولى بالمؤمنين } أي أشفق عليهم ، وأرحم بهم من أنفسهم ، وهو ما وصفه ، جل ، وعلا ، من رحمته حين قال : { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } [ التوبة : 128 ] .

وقوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } [ يخرج ]( {[16706]} ) على وجهين :

أحدهما : في حق الانتساب إليه ، أي ليس هو أبا أحدكم ، ينسب إليه ، ويدعى به ، لأنه ذكر أنهم يقولون( {[16707]} ) : زيد بن محمد . إنه [ لا ]( {[16708]} ) يجوز للنبي ، ولا يجوز النسبة إليه ولا التسمية به لقوله( {[16709]} ) : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } [ الأحزاب : 5 ] .

والثاني : في حق الكرامة ؛ كأنه قال : ليس هو أبا أحدكم في حرمة حلائل الأبناء عليه أبناء( {[16710]} ) النبي ولا في حق النسبة ، وإن كان هو أبا لكم في الشفقة والرحمة والرأفة على ما ذكرنا بدءا { ولكن رسول الله } في( {[16711]} ) التعظيم له والتبجيل في المعاملة والمصاحبة أو في الدعوة والتسمية .

وقوله تعالى : { ولكن رسول الله } أخبر [ أنه ]( {[16712]} ) ليس بأبي أحد من رجالكم على ما ذكرنا { ولكن رسول الله } لئلا يعاملوا رسوله معاملة آبائهم ، ولا يصاحبوه صحبة غيره ، ولكن ليعاملوه( {[16713]} ) معاملة الرسل في التعظيم له والتبجيل والإكرام ، لأن أبوته وشفقته [ وأبوة الآباء وشفقتهم ]( {[16714]} ) دنياوية ، ولأن الرجل قد ينبسط مع والده في أشياء لا تسع مثلها( {[16715]} ) مع رسوله صلى الله عليه وسلم ولذا قال : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } أي ختم به الرسالة ، لا نبي بعده .

وقوله تعالى : { وخاتم النبيين } جائز أن يكون ذكره ، وأخبره( {[16716]} ) أنه خاتم النبيين لما علم ، جل ، وعلا ، أنه يسمى غيره بعده نبيا على ما قالته الباطنية : إن قائم الزمان هو نبي . فأخبر بهذا أن من ادعى ذلك لا يطالب بالحجة والدلالة ، ولكنه يكذب .

وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا نبي بعدي ) [ مسلم 1842 ] أخبر أن به ختم النبوة .

وقوله تعالى : { وكان الله بكل شيء عليما } أي لم ينزل الله بما كان ويكون وبما به صلاحهم عليما .


[16702]:في الأصل وم: وإلا.
[16703]:في الأصل وم: حيث.
[16704]:ساقطة من الأصل وم.
[16705]:في الأصل وم: من كقوله.
[16706]:من م، ساقطة من الأصل.
[16707]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: يدعونه ويسمونه.
[16708]:من م، ساقطة من الأصل.
[16709]:في الأصل وم: كقوله.
[16710]:في الأصل وم: الأبناء.
[16711]:أدرج قبلها في الأصل وم: ما ذكرنا.
[16712]:ساقطة من الأصل وم.
[16713]:في الأصل وم: يعاملوه.
[16714]:في الأصل وم: وشفقة.
[16715]:في الأصل وم: مثله.
[16716]:في الأصل وم: وأخباره.