الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

قوله : { وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ } : العامَّةُ على تخفيف " لكن " ونصبِ رسول . ونصبُه : إمَّا على إضمارِ " كان " لدلالة " كان " السابقة عليها أي : ولكن كان ، وإمَّا بالعطفِ على " أبا أَحَدٍ " .

والأولُ أليقُ لأنَّ " لكن " ليست عاطفةً لأجلِ الواو ، فالأليقُ بها أن تدخلَ على الجملِ كمثل التي لَيَستْ بعاطفةٍ .

وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ بتشديدها ؛ على أنَّ " رسولَ الله " اسمُها ، وخبرُها محذوفٌ للدلالةِ أي : ولكن رسولَ الله هو أي : محمدٌ . وحَذْفُ خبرها شائعٌ . وأُنْشِد :

فلو كنتَ ضَبِّيَّاً عَرَفْتَ قَرابتي *** ولكنَّ زَنْجِيَّاً عظيمَ المَشافِرِ

أي : أنت . وهذا البيت يَرْوُوْنه أيضاً : ولكنَّ زَنْجيٌّ بالرفع شاهداً على حَذْفِ اسمِها أي : ولكنك .

وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بتخفيفها ورفع " رسولُ " على الابتداء ، والخبرُ مقدرٌ أي : هو . أو بالعكس أي : ولكن هو رسول كقوله :

ولَسْتُ الشاعرَ السَّفسافَ فيهمْ *** ولكنْ مِدْرَهُ الحربُ العَوانِ

أي : ولكن أنا مِدْرَهُ .

قوله : " وخاتم " قرأ عاصمٌ بفتح التاء ، والباقون بكسرِها . فالفتح اسمٌ للآلةِ التي يُخْتَمُ بها كالطابَع والقالَبِ لما يُطْبَعُ به ويُقْلَبُ فيه ، هذا هو المشهور . وذكر أبو البقاء فيه أوجهاً أُخَرَ منها : أنه في معنى المصدرِ قال : " كذا ذُكِرَ في بعض الأعاريب " . قلت : وهو غَلَطٌ مَحْضٌ كيف وهو يُحْوِجُ إلى تجوُّزٍ وإضمار ؟ ولو حُكِي هذا في " خاتِم " بالكسر لكان أقربَ ؛ لأنه قد يجيء المصدرُ على فاعِل وفاعِلة . وسيأتي ذلك قريباً . ومنها : أنه اسمٌ بمعنى آخِر . ومنها : أنه فعلٌ ماضٍ مثل قاتَلَ فيكون " النبيين " مفعولاً به قلت : ويؤيِّد هذا قراءةُ عبد الله " خَتَم النبيين " .

والكسرُ على أنه اسمُ فاعلٍ ، ويؤيِّده قراءةُ عبد الله المتقدمة . وقال بعضُهم : هو بمعنى المفتوح ، يعني بمعنى آخرهم .