بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (40)

قوله عز وجل : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ } يعني : بالتبني . وليس بأب لزيد بن حارثة { ولكن رَسُولَ الله } يعني : ولكنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال : لم يكن أب الرجال لأن بنيه ماتوا صغاراً ، ولو كان الرجال بنيه لكانوا أنبياء ، ولا نبي بعده . فذلك قوله : { وَخَاتَمَ النبيين } قرأ بعضهم { ولكن رَسُولِ الله } بضم اللام ، ومعناه : ولكن هو رسول الله ومن قرأ بالنصب معناه : ولكن رسول الله وكان { خاتم النبيين } وقرأ عاصم في إحدى الروايتين { وَخَاتَمَ النبيين } بنصب التاء . وقرأ الباقون : بالكسر . فمن قرأ بالكسر يعني : آخر النبيين . ومن قرأ بالنصب فهو على معنى إضافة الفعل إليه . يعني : أنه ختمهم وهو خاتم . قال أبو عبيد : وبالكسر نقرأ لأنه رويت الآثار عنه أنه قال «أَنَا خَاَتَمُ النَّبِيِّين » فلم يسمع أحد من فقهائنا يروون إلا بكسر التاء .

{ وَكَانَ الله بِكُلّ شيء عَلِيماً } بمن يصلح للنبوة ، وبمن لا يصلح . فإن قيل : كيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يظهر من نفسه خلاف ما في قلبه ؟ قيل له : يجوز مثل هذا لأن في قوله { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتق الله } أمر بالمعروف ، وفيه ردّ النفس عما تهوى ، وهذا عمل الأنبياء والصالحين عليهم السلام . وقال بعضهم : للآية وجه آخر وهو : أن الله تعالى قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون زوجته . فلما زوّجها من زيد بن حارثة لم يكن بينهما ألفة . وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن الطلاق ، ويخفي في نفسه ما أخبره الله تعالى . وقال : بأنها تكون زوجته . فلما طلقها زيد بن حارثة ، كان يمتنع من تزوجها ، خشية مقالة الناس ، يتزوج امرأة ابنه المتبنى به . فأمره الله عز وجل بأن يتزوجها ، ليكون ذلك سبب الإباحة لنكاح امرأة الابن المتبنى لأمته ونزل { وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 37 ] الآية .