قوله : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِجَالِكُمْ } لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب قال الناس : إن محمداً تزوج امرأة ابنه فأنزل الله - عز وجل{[43624]} - { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } يعني زيد بن حارثة أي ليس أبا أحد من رجالكم الذين لم يلده فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها . فإن قيل : أليس أنه كان له أبناء القاسمُ والمطهرُ ، وإبراهيم ، والطَّيِّبُ ، وكذلك الحَسَنُ ، الحُسَيْنُ ، قال - عليه ( الصلاة{[43625]} و ) السلام - : «إن ابني هذا سيد ؟ » .
فالجواب : هؤلاء كانوا صغاراً ولم يكونوا رجالاً ، والصحيح أنه أراد أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم الذي لم يلده{[43626]} .
قوله : { ولكن رَسُولَ الله } العامة على تخفيف «لكن » ونصب «رسول » ، ونصبه إما على إضمار «كَانَ » لدلالة «كان » السابقة عليها ، أي ولكن كَانَ{[43627]} ، وإما بالعطف على{[43628]} «أَبَا أَحَدٍ » : والأول أليق ؛ لأن «لكن » ليست عاطفة لأجل الواو ، فالأليق بها أن تدخل على الجمل «كبل » التي ليست عاطفة{[43629]} . وقرأ أَبُو عَمْرٍو - في رواية - بتشديدها{[43630]} ، على أن «رسول الله » اسمها وخبرها محذوف للدلالة ، أي ولكن رسول الله هُوَ أي محمد ، وحذف خبرها سائغ وأنشد :
4094 - فَلَوْ كُنْتَ ضبّيّاً عَرَفْتَ قَرَابَتِي *** وَلَكِنَّ زِنْجِيّاً عَظِيمَ المَشَافِرِ{[43631]}
أي أنت ، وهذا البيت يروونه أيضاً «ولكن زِنْجِيٌّ » بالرفع ، شاهداً على حذف اسمها ، أي «ولكنك » .
وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة بتخفيفها{[43632]} ورفع «رسول » على الابتداء ، والخبر مقدر أي هو ، أو بالعكس أي ولكن هُوَ رَسُولُ كقوله :
4094 - وَلَسْت الشَّاعِرَ السِّفْسَافَ فِيهِمْ *** وَلَكن مِدْرَهَ الحَرْبِ العَوَانِ{[43633]}
قوله : «وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » قرأ عاصم بفتح التاء{[43634]} والباقون بكسرها ، فالفتح اسم للآلة التي يختم{[43635]} بها كالطَّابَع والقَالَب ، لما يطبع به ، ويقلب فيه هذا هو المشهور ، وذكر أبو البقاء فيه أَوْجُهاً أُخَرَ منها أنه في معنى المصدر قال : كذا{[43636]} ذكر في بعض الأعاريب ، قال شهاب الدين : وهو غلط{[43637]} محض كيف وهو مُحْوِجٌ{[43638]} إلى تَجَوُّزٍ أو إضْمار ، ولو حكى هذا في خَاتِم - بالكسر - لكان أقرب ، لأن قد يجيء المصدر على فاعل وفاعلة وسيأتي ذلك قريباً ، ومنها أنه اسم بمعنى{[43639]} «آخَرَ » ومنها أنه فعل ماض مثل «قَاتَل » فيكون «النَّبِيِّينَ » مفعولاً به ، قال شهاب الدين : ويؤيد هذا قراءة عبد الله المتقدمة{[43640]} . وقال بعضهم هو بمعنى المفتوح يعني بمعنى آخرهم لأنه قد ختم النبيين فهو خَاتم{[43641]} .
قال ابن عباس : يريد لو لم أَختم به النبيين لجعلت له ابناً{[43642]} يكون من بعده نبيّاً ، وروى عطاء عن ابن عباس : أن الله تعالى لما حكم أنه لا نبي بعده لم يُعْطِهِ ولداً ذكراً يصير رَجُلاً{[43643]} ، وقيل : من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره{[43644]} . { وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي علمه بكل شيء دخل فيه أن لا نبي بعده ، فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد عليه ( الصلاة{[43645]} و ) السلام أن زوجه بزوجة{[43646]} دعيِّه تكميلاً للشرع ، وذلك من حيث إنَّ قول النبي – عليه الصلاة والسلام - يفيد شرعاً لكن إذا امتنع هو عنه يفيد في بعض النفوس نُفْرة ، ألا ترى أنه ذكر بقوله ما فهم منه حِلّ أكل الضَّبِّ ، ثم لما لم يأكله بَقِيَ في النفوس شيء ، ولما أكل لحم الجمل طاب أكله ، مع أنه في بعض الملل لا يؤكل وكذلك الأرنب{[43647]} ، روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَثَلِي ومَثَلُ الأنبياء كَمَثَلِ قَصْرِ أُحْكِمَ بُنْيَانُهُ تُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ فَطَافَ بِهِ النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنِ بِنَائِهِ إِلاَّ مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ لاَ يُجِيبُونَ سِوَاهَا فَكُنْت أنَا مَوْضِع تِلْكَ اللَّبِنَةِ خُتِمَ بِهِ البُنْيَانُ ، وَخُتِمَ بِي الرُّشْدُ »{[43648]} ، وقال - عليه ( الصلاة{[43649]} و ) السلام : «إنَّ لِي{[43650]} أسْمَاءَ أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الماحِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الكُفْرَ ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِيَ وأَنَا العَاقِبُ » والعاقِبُ الَّذي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.