المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

5- وإني خِفْتُ أقاربي ألا يحسنوا القيام علي أمر الدين بعد موتى ، وكانت ولا تزال امرأتي عقيماً ، فارزقني من فضلك غلاماً يخلفني في قومي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ْ } أي : وإني خفت من يتولى على بني إسرائيل من بعد موتي ، أن لا يقوموا بدينك حق القيام ، ولا يدعوا عبادك إليك ، وظاهر هذا ، أنه لم ير فيهم أحدا فيه لياقة للإمامة في الدين ، وهذا فيه شفقة زكريا عليه السلام ونصحه ، وأن طلبه للولد ، ليس كطلب غيره ، قصده مجرد المصلحة الدنيوية ، وإنما قصده مصلحة الدين ، والخوف من ضياعه ، ورأى غيره غير صالح لذلك ، وكان بيته من البيوت المشهورة في الدين ، ومعدن الرسالة ، ومظنة للخير ، فدعا الله أن يرزقه ولدا ، يقوم بالدين من بعده ، واشتكى أن امرأته عاقر ، أي ليست تلد أصلا ، وأنه قد بلغ من الكبر عتيا ، أي : عمرا يندر معه وجود الشهوة والولد . { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ْ } وهذه الولاية ، ولاية الدين ، وميراث النبوة والعلم والعمل ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

ثم حكى - سبحانه - بعض الأسباب الأخرى لإلحاح زكريا فى الدعاء فقال : { وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ . . } .

والموالى : جمع مولى ، والمراد بهم هنا : عصبته وأبناء عمومته الذين يلون أمره بعد موته ، وكان لا يثق فيهم لسوء سلوكهم .

والعاقر : العقيم الذى لا يلد ، ويطلق على الرجل والمرأة ، يقال : أمراة عاقر ، ورجل عاقر .

أى : وإنى - يا إلهى - قد خفت ما يفعله أقاربى { مِن وَرَآئِي } أى : من بعد موتى ، من تضييع لأمور الدين ، ومن عدم القيام بحقه { وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً } لا تلد قط فى شبابها ولا فى غير شبابها ، { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ } أى : من عندك { وَلِيّاً } أى : ولدا من صلبى ، هذا الولد { يَرِثُنِي } فى العلم والنبوة { وَيَرِثُ } أيضاً { مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } ابن إسحاق بن إبراهيم العلم والنبوة والصفات الحميدة { واجعله } يا رب { رَضِيّاً } أى : مرضيا عندك فى أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته .

ففى هاتين الآيتين نرى زكريا يجتهد فى الدعاء بأن يرزقه الله الولد ، لا من أجل شهوة دنيوية ، وإنما من أجل مصلحة الدين والخوف من تضييعه وتبديله والحرص على من ريثه فى علمه ونبوته ، ويكون مرضياً عنده - عز وجل - .

قال الآلوسى ما ملخصه : " وقوله { مِن وَرَآئِي } المراد به من بعد موتى ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف ينساق إليه الذهن أى : خفت فعل الموالى من ورائي أو جور الموالى . وهم عصبة الرجل . . . وكانوا على سائر الأقوال شرار بنى إسرائيل ، فخاف أن لا يحسنوا خلافته فى أمته " .

وفى قوله { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } اعتراف عميق بقدرة الله - تعالى - لأن مثل هذا العطاء لا يرجى إلا منه - عز وجل - ، بعد أن تقدمت بزكريا السن ، وبعد أن عهد من زوجه العقم وعدم الولادة .

وقد أشار - سبحانه - فى آية أخرى إلى أنه أزال عنها العقم وأصلحها للولادة فقال : { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ . . . } أى : وجعلناها صالحة للولادة بعد أن كانت عقيماً من حين شبابها إلى شيبها . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

فإذا صور حاله ، وقدم رجاءه ، ذكر ما يخشاه ، وعرض ما يطلبه . . إنه يخشى من بعده . يخشاهم ألا يقوموا على تراثه بما يرضاه . وتراثه هو دعوته التي يقوم عليها - وهو أحد أنبياء بني إسرائيل البارزين - وأهله الذين يرعاهم - ومنهم مريم التي كان قيما عليها وهي تخدم المحراب الذي يتولاه - وماله الذي يحسن تدبيره وإنفاقه في وجهه . وهو يخشى الموالي من ورائه على هذا التراث كله ، ويخشى ألا يسيروا فيه سيرته . . قيل لأنه يعهدهم غير صالحين للقيام على ذلك التراث . .

( وكانت امرأتي عاقرا ) . . لم تعقب فلم يكن له من ذريته من يملك تربيته وإعداده لوراثته وخلافته .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً } .

يقول : وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي . يقول : من بعدي أن يرثوني ، وقيل : عنى بقوله مِنْ وَرَائي من قدّامي ومن بين يديّ وقد بيّنت جواز ذلك فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي يعني بالموالي : الكَلالة الأولياء أن يرثوه ، فوهب الله له يحيى .

حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العصبة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : خاف مواليَ الكلالة .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح بنحوه .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : يعني الكلالة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العَصَبة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العصبة .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي والموالي : هنّ العصبة ، والموالي : جمع مولى ، والمولى والوليّ في كلام العرب واحد .

وقرأت قراء الأمصار : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ بمعنى : الخوف الذي هو خلاف الأمن . وروي عن عثمان بن عفان أنه قرأه : «وإنّي خَفّتِ المَوَاليَ » بتشديد الفاء وفتح الخاء من الخفة ، كأنه وجه تأويل الكلام : وإني ذهبت عصبتي ومن يرثني من بني أعمامي . وإذا قرىء ذلك كذلك كانت الياء من الموالي مسكنة غير متحركة ، لأنها تكون في موضع رفع بخفّتْ .

وقوله : وكانَتِ امْرأتي عاقِرا يقول : وكانت زوجتي لا تلد ، يقال منه : رجل عاقر ، وامرأة عاقر بلفظ واحد ، كما قال الشاعر :

لَبِئْسَ الفَتى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عاقِرا *** جَبانا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَحْضَرِ

وقوله : فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يقول : فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

جملة { وإني خفت الموالي من ورائي } عطف على جملة { واشتعل الرأس شيباً ، } أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي . وما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي صالح عن النبيء صلى الله عليه وسلم مرسلاً أنه قال : " يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله " فلعلّه خشي سوء معرفتهم بما يخلّفه من الآثار الدينية والعلمية . وتلك أعلاق يعزّ على المؤمن تلاشيها ، ولذلك قال : { يرثني ويرث من آل يعقوب } فإن نُفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .