وقوله : وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّين يقول تعالى ذكره : قالوا : وكنا نكذّب بيوم المجازاة والثواب والعذاب ، ولا نصدّق بثواب ولا عقاب ولا حساب حتى أتانا اليَقِينُ يقول : قالوا : حتى أتانا الموت الموقن به فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ يقول : فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد ، فتنفعهم شفاعتهم . وفي هذه الاَية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفعٌ بعضَ خلقه في بعض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله في قصة ذكرها في الشفاعة ، قال : ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون ، ويشفعهم الله فيقول : أنا أرحم الراحمين ، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق من النار ثم يقول : أنا أرحم الراحمين ثم قرأ عبد الله : يا أيها الكفار ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّين وعقد بيده أربعا ، ثم قال : هل ترون في هؤلاء من خير ، ألا ما يُترك فيها أحد فيه خير .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عمي وإسماعيل بن أبي خالد ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، قال : قال عبد الله : لا يبقى في النار إلا أربعة أو ذو الأربعة . الشكّ من أبي جعفر الطبري ثم يتلو : ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ وكُنّا نَخُوضُ مَعَ الخائِضِينَ وكُنّا نُكَذّبُ بِيَوْم الدّينِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ تعلمن أن الله يشفع المؤمنين يوم القيامة . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنّ مِنْ أُمّتِي رجُلاً يُدْخِلُ اللّهُ بِشَفاعَتِهِ الجَنّةَ أكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ » . قال الحسن : أكثر من ربيعة ومضر ، كنا نحدّث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ قال : تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض .
قال : ثنا أبو ثور ، قال معمر : وأخبرني من سمع أنس بن مالك يقول : إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة والرجل .
قال : ثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة الجنة مثل بني تميم ، أو قال : أكثر من بني تميم ، وقال الحسن : مثل ربيعة ومضر .
وقد حَرَم الله هؤلاء المجرمين الكافرين أن تنفعهم الشفاعة فعسى أن تنفع الشفاعةُ المؤمنين على أقدارهم .
وفي قوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } إيماء إلى ثبوت الشفاعة لغيرهم يوم القيامة على الجملة وتفصيلها في صحاح الأخبار .
وفاء { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } تفريع على قوله : { كلّ نفس بما كسبت رهينة ، } أي فهم دائمون في الارتهان في سقر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني لا ينالهم يومئذ شفاعة الملائكة والنبيين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد، فتنفعهم شفاعتهم.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفعٌ بعضَ خلقه في بعض.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
معناه: أن لا شفيع لهم. والأصل أن الشفاعة إذا أضيفت إلى أهل الكفر، فقيل: ليس لهم شفعاء، أولا تنفعهم شفاعة الشافعين، اقتضى نفي الشفاعة، أي لا شفيع لهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لأن عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أي: لو شفع لهم الشافعون جميعاً من الملائكة والنبيين وغيرهم؛ لم تنفعهم شفاعتهم: لأنّ الشفاعة لمن ارتضاه الله وهم مسخوط عليهم. وفيه دليل على أنّ الشفاعة تنفع يومئذ؛ لأنها تزيد في درجات المرتضين.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى أن {شفاعة الشافعين} لا تنفعهم، فتقرر من ذلك أن ثم شافعين، وفي صحة هذا المعنى أحاديث: قال صلى الله عليه وسلم: «يشفع الملائكة ثم النبيون ثم العلماء ثم الشهداء ثم الصالحون، ثم يقول الله تعالى: شفع عبادي وبقيت شفاعة أرحم الراحمين، فلا يبقى في النار من كان له إيمان» 28.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويعقب السياق على الموقف السيء المهين، بقطع كل أمل في تعديل هذا المصير:
فقد قضي الأمر، وحق القول، وتقرر المصير، الذي يليق بالمجرمين المعترفين! وليس هنالك من يشفع للمجرمين أصلا. وحتى على فرض ما لا وجود له فما تنفعهم شفاعة الشافعين!