المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

77- فكانت عاقبة بخلهم أن تمكن النفاق في قلوبهم إلى أن يموتوا ويلقوا اللَّه ، بسبب نقضهم لعهدهم ، وكذبهم في يمينهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

فلما لم يفوا بما عاهدوا اللّه عليه ، عاقبهم { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ } مستمرا { إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع ، أن يعاهد ربه ، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا ، ثم لا يفي بذلك ، فإنه ربما عاقبه اللّه بالنفاق كما عاقب هؤلاء .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحيحين : { آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف }

فهذا المنافق الذي وعد اللّه وعاهده ، لئن أعطاه اللّه من فضله ، ليصدقن وليكونن من الصالحين ، حدث فكذب ، وعاهد فغدر ، ووعد فأخلف .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

وقوله : { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } تصوير للآثار الذميمة التي ترتبت على بخلهم وإعراضهم عن الحق والخير .

أى : فجعل الله - تعالى - عاقبة فعلهم نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم إلى يوم يلقونه للحساب ، فيجازيهم بما يستحقون على بخلهم وإعراضهم عن الحق .

فالضمير المستتر في " أعقب " لله - تعالى - وكذا الضمير المنصوف في قوله : " يلقونه " .

ويصح أن يكون الضمير في " أعقب " يعود على البخل والتولى والإِعراض ، فيكون المعنى : فأعقبهم وأورثهم ذلك البخل والإِعراض عن الحق والخير ، نفاقاً راسخا في قلوبهم ، وممتدا في نفوسهم إلى اليوم الذي يلقون فيه ربهم ، فيعاقبهم عقابا أليما على سوء أعمالهم .

والباء في قوله : { بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } للسببية .

أى : أن النفاق قد باض وفرخ في قلوبهم إلى يوم يلقون الله - تعالى - ، بسبب إخلافهم لوعودهم مع خالقهم ، وبسبب استمرارهم على الكذب ، ومداومتهم عليه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

والذي يعاهد اللّه ثم يخلف العهد ، والذي يكذب على اللّه فلا يفي بما وعد ، لا يسلم قلبه من النفاق :

" آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان " .

فلا جرم يعقب إخلاف العهد والكذب على اللّه نفاقاً دائماً في قلوب تلك الطائفة التي تشير إليها الآية :

( فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللّه ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ * فَلَمّآ آتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلّواْ وّهُمْ مّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىَ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك يا محمد صفتهم مَنْ عَاهَدَ اللّهَ يقوله : أعطى الله عهدا ، لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ يقول : لئن أعطانا الله من فضله ، ورزقنا مالاً ، ووسع علينا من عنده لَنَصّدّقَنّ يقول : لنخرجنّ الصدقة من ذلك المال الذي رزقنا ربنا ، وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ يقول : ولنعملنّ فيها بعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم به وإنفاقه في سبيل الله . يقول الله تبارك حق الله . وَتَوَلّوْا يقول : وأدبروا عن عهدهم الذي عاهدوه الله ، وهُمْ مُعْرِضُونَ عنه . فَأعْقَبَهُمُ الله نِفاقا فِي قُلُوبِهِمْ ببخلهم بحقّ الله الذي فرضه عليهم فيما آتاهم من فضله ، وإخلافهم الوعد الذي وعدوا الله ، ونقضهم عهده في قلوبهم إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ من الصدقة والنفقة في سبيله ، وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ في قيلهم ، وحرّمهم التوبة منه لأنه جلّ ثناؤه اشترط في نفاقهم أنه أعقبهموه إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ وذلك يوم مماتهم وخروجهم من الدنيا .

واختلف أهل التأويل في المعنى بهذه الآية ، فقال بعضهم : عني بها رجل يقال له ثعلبة بن حاطب من الأنصار . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ . . . الآية ، وذلك أن رجلاً يقال له ثعلبة بن حاطب من الأنصار ، أتى مجلسا فأشهدهم ، فقال : لئن آتاني الله من فضله ، آتيت منه كلّ ذي حقّ حقه ، وتصدّقت منه ، ووصلت منه القرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله ، فأخلف الله ما وعده ، وأغب الله بما أخلف ما وعده ، فقصّ الله شأنه في القرآن : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ . . . الآية ، إلى قوله : يَكْذِبُونَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا محمد بن شعيب ، قال : حدثنا معاذ بن رفاعة السّلَمي ، عن أبي عبد الملك عليّ بن يزيد الإلهاني ، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن ، أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي ، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني مالاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَيحَكَ يا ثَعْلَبَة ، قَلِيلٌ تُؤَدّى شُكْرَهُ ، خَيْبرٌ مِنْ كَثِيرٍ لا تُطِيقُه » قال : ثم قال مرّة أخرى ، فقال : «أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيّ اللّهِ ؟ فَوَالّذِي نَفُسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أنْ تَسِيرَ مَعي الجِبَالُ ذَهَبا وَفِضّةً لَسارَتْ » قال : والذي بعثك بالحقّ ، لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطينّ كل ذي حقّ حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالاً » . قال : فاتخذ غنما ، فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ، فنزل واديا من أدويتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت ، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة . فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة يسألهم عن الأخبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما فَعَلَ ثَعْلَبَةُ ؟ » فقالوا : يا رسول الله اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة ، فأخبروه بأمره فقال : «يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ يا ويْحَ ثَعْلَبَةُ » قال : وأنزل الله : خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً . . . الآية . ونزلت عليه فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة ، رجلاً من جهينة ، ورجلاً من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ، وقال لهما : «مُرّا بثعلبة ، وبفلان رجل من بني سليم فخُذَا صَدَقَاتِهمَا » فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم عودوا إليّ فانطلقا ، وسمع بهما السلميّ ، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها ، قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما تريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى ول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدري ما هذا انطلقا حتى تفرغا ثم عودوا إليّ فانطلقا ، وسمع بهما السلميّ ، فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها ، فلما رأوها ، قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما تريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى أن يكلمهما ، ودعا للسلميّ بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، والذي صنع السلميّ ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لنصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ . . . إلى قوله : وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك ، فخرج حتى أتاه ، فقال : ويحك يا ثعلبة ، قد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يقبل منه صدقته . فقال : «إنّ اللّهَ مَنَعَنِي أنْ أقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ » فجعل يحثي على رأسه التراب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هَذَا عَمَلُكَ ، قَدْ أمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي » . فلما أبى أن يقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجع إلى منزله ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئا . ثم أتى أبا بكر حين استخلف ، فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي فقال أبو بكر : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقبلها ؟ فقُبض أبو بكر ولم يقبضها . فلما ولي عمر أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، وأنا لا أقبلها منك فقُبض ولم يقبلها . ثم ولي عثمان رحمة الله عليه ، فأتاه فسأله أن يقبل صدقته ، فقال : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ولا عمر رضوان الله عليهما وأنا لا أقبلها منك فلم يقبلها منه ، وهَلك ثعلبة في خلافة عثمان رحمة الله عليه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ . . . الآية : ذُكر لنا أن رجلاً من الأنصار أتى على مجلس من الأنصار ، فقال لئن آتاه مالاً ، ليؤدّينّ إلى كلّ ذي حقّ حقه فآتاه الله مالاً ، فصنع فيه ما تسمعون . قال : فَمَا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ . . . إلى قوله : وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّث أن موسى عليه الصلاة والسلام لمّا جاء بالتوراة إلى بني إسرائيل قالت بنو إسرائيل : إن التوراة كثيرة ، وإنا لا نفرغ لها ، فسل لنا ربك جماعا من الأمر نحافظ عليه ونتفرّغ فيه لمعايشنا قال : يا قوم مهلاً مهلاً ، هذا كتاب الله ، ونور الله ، وعصمة الله . قال : فأعادوا عليه ، فأعاد عليهم ، قالها ثلاثا . قال : فأوحى الله إلى موسى : ما يقول عبادي ؟ قال : يا ربّ يقولون : كيت وكيت . قال : فإني آمرهم بثلاث إن حافظوا عليهنّ دخلوا بهنّ الجنة : أن ينتهوا إلى قسمة الميراث فلا يظلموا فيها ، ولا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم ، وأن لا يطعموا طعاما حتى يتوضؤوا وضوء الصلاة . قال : فرجع بهنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، ففرحوا ورأوا أنهم سيقومون بهنّ ، قال : فوالله ما لبث القوم إلا قليلاً حتى جنحوا ، وانقطع بهم فلما حدّث نبيّ الله بهذا الحديث عن بني إسرائيل ، قال : «تكَفّلُوا لي بستّ أتكفل لكم بالجنة » قالوا : ما هنّ يا رسول الله ؟ قال : «إذا حدثتم فلا تكذبوا ، وإذا وعدتم فلا تخلفوا ، وإذا اؤتمنتم فلا تخونوا ، وكفوا أبصاركم وأيديكم وفروجكم وأبصاركم عن الخيانة وأيديكم عن السرقة وفروجكم عن الزنا » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : «ثَلاثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ صَارَ مُنافِقا وإنْ صَامَ وصَلّى وَزَعَمَ أنّهُ مُسْلِمٌ : إذَا حَدّثَ كَذَبَ ، وإذَا اؤتُمِنَ خانَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ » .

وقال آخرون : بل المعنيّ بذلك : رجلان : أحدهما ثعلبة ، والاَخر معتب بن قشير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ . . . إلى الاَخر ، وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، هما من بني عمرو بن عوف .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ قال : رجلان خرجا على ملإ قعود ، فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدّقَنّ فلما رزقهم الله بخلوا به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ رجلان خرجا على ملإ قعود ، فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصدّقنّ فلما رزقهم بخلوا به ، فأعقبهم نفاقا في قلوبهم بما أخلفوا الله ما وعدوه حين قالوا : لنصدّقنّ فلم يفعلوا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد نحوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ . . . الآية ، قال : هؤلاء صنف من المنافقين ، فلما آتاهم ذلك بخلوا به فلما بخلوا بذلك أعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه ، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو ، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة .

وقال أبو جعفر : في هذه الآية الإبانة من الله جلّ ثناؤه عن علامة أهل النفاق ، أعني في قوله : فأعْقَبَهُم نِفَاقا في قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا الله ما وَعَدُوهُ وبِما كانُوا يَكْذِبُونَ .

وبنحو هذا القول كان يقول جماعة من الصحابة والتابعين ، ووردت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قال عبد الله : اعتبروا المنافق بثلاث : إذ حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر . وأنزل الله تصديق ذلك في كتابه : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ . . . إلى قوله : يَكْذِبُونَ .

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن السماك ، عن صبيح بن عبد الله بن عميرة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : ثلاث من كنّ فيه كان منافقا : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان . قال : وتلا هذه الآية : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ . . . إلى آخر الآية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، قال : سمعت صبيح بن عبد الله القيسي يقول : سألت عبد الله بن عمرو ، عن المنافق ، فذكر نحوه .

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا أبو هشام المخززمي ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا عثمان بن حكيم ، قال : سمعت محمد بن كعب القُرظَيّ ، يقول : كنت أسمع أن المنافق يعرف بثلاث : بالكذب ، والإخلاف ، والخيانة . فالتمستها في كتاب الله زمانا لا أجدها . ثم وجدتها في آيتين من كتاب الله ، قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ . . . حتى بلغ : وبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ، وقوله : إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ على السّمَوَاتِ والأرْضِ هذه الآية .

حدثني القاسم بن بشر بن معروف ، قال : حدثنا أسامة ، قال : حدثنا محمد المخرمي ، قال : سمعت الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثَلاثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ فَهُوَ مُنافِقٌ وَإنْ صَلّى وَصَامَ وَزَعَمَ أنّهُ مُسْلِمٌ : إذَا حَدّثَ كَذَبَ ، وإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وإذَا اؤتُمِنَ خانَ » فقلت للحسن : يا أبا سعيد لئن كان لرجل عليّ دين فلقيني ، فتقاضاني وليس عندي ، وخفت أن يحبسني ويهلكني ، فوعدته أن أقضيه رأس الهلال فلم أفعل ، أمنافق أنا ؟ قال : هكذا جاء الحديث . ثم حدّث عن عبد الله بن عمرو أن أباه لما حضره الموت ، قال : زوّجوا فلانا فإني وعدته أن أزوجه ، لا ألقى الله بثلث النفاق قال : قلت : يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقا وثلثاه مؤمن ؟ قال : هكذا جاء الحديث . قال : فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فأخبرته الحديث الذي سمعته من الحسن ، وبالذي قلت له وقال لي . فقال : أعجزت أن تقول له : أخبرني عن إخوة يوسف عليه السلام ، ألم يَعِدوا أباهم فأخلفوه وحدّثوه فكذَبوه وأتمنهم فخانوه ، أفمنافقين كانوا ؟ ألم يكونوا أنبياء أبوهم نبيّ وجدّهم نبيّ ؟ قال : فقلت لعطاء : يا أبا محمد حدثني بأصل النفاق ، وبأصل هذا الحديث فقال : حدثني جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصة الذين حدّثوا النبيّ فكذبوه ، وأتمنهم على سرّه فخانوه ، ووعدوه أن يخرجوه معه في الغزو فأخلفوه . قال : وخرج أبو سفيان من مكة ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : «إنّ أبا سُفْيانَ فِي مَكانِ كَذَا وكَذَا ، فاخْرُجُوا إلَيْهِ وَاكْتُمُوا » قال : فكتب رجل من المنافقين إليه أن محمدا يريديكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله : لاَ تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ وأنزل في المنافقين : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَ وَاكْتُمُوا » قال : فكتب رجل من المنافقين إليه أن محمدا يريديكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله : لاَ تَخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ وأنزل في المنافقين : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَسعيد ، إن أخاك عطاء يقرئك السلام فأخبرته بالحديث الذي حدّث وما قال لي . فأخذ الحسن بيدي فأمالها وقال : يا أهل العراق أعجزتم أن تكونوا مثل هذا ؟ سمع مني حديثا فلم يقبله حتى استنبط أصله ، صدق عطاء هكذا الحديث ، وهذا في المنافقين خاصة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يعقوب ، عن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثَلاثٌ مَنْ كُنّ فِيهِ وَإنْ صَلّى وَصَامَ وَزَعَمَ أنّهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُنافِقٌ » . فقيل له : ما هي يا رسول الله ؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «إذَا حَدّثَ كَذَبَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإذَا اؤتُمِنَ خَانَ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : حدثنا ميسرة ، عن الأوزاعي عن هارون بن رباب ، عن عبد الله بن عمرو بن وائل ، أنه لما حضرته الوفاة ، قال : إن فلانا خطب إليّ ابنتي ، وإني كنت قلت له فيها قولاً شبيها بالعِدة ، والله لا ألقى الله بثلث النفاق ، وأشهدكم أني قد زوّجته

وقال قوم : كان العهد الذي عاهد الله هؤلاء المنافقون شيئا نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : سمعت معتمر بن سليمان التيمي يقول : ركبت البحر فأصابنا ريح شديدة ، فنذر قوم منا نذورا ، ونويت أنا لم أتكلم به . فلما قدمت البصرة ، سألت أبي سليمان ، فقال لي يا بنيّ : فُهْ به .

قال معتمر ، وثنا كهمس عن سعيد بن ثابت ، قال : قوله : وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ . . . الآية ، قال : إنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به ، ألم تسمع إلى قوله : ألَمْ يَعْلَمُوا أنّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرّهُمْ وَنجْواهُمْ وأنّ اللّهَ عَلاّمُ الغُيُوبِ ؟ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

{ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم } أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم ، ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم . { إلى يوم يلقونه } يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة { بما أخلفوا الله ما وعدوه } بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح . { وبما كانوا يكذبون } وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن لكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقا وقرئ { يكذبون } بالتشديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

وفي قوله تعالى : { فأعقبهم } نص المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه ، وقوله : { إلى يوم يلقونه } يقتضي موافاتهم على النفاق ، ولذلك لم يقبل الخلفاء رضي الله عنهم رجوع ثعلبة لشهادة القرآن عليه بالموافاة ، ولولا الاحتمال في أنه نفاق معصية لوجب قتله ، وقرأ الأعمش «لنصدقن » بالنون الثقيلة مثل الجماعة «ولنَكونَن » خفيفة النون ، والضمير الذي في قوله { فأعقبهم } يعود على الله عز وجل .

ويحتمل أن يعود على «البخل » المضمن في الآية ، ويضعف ذلك الضمير في { يلقونه } ، وقوله { نفاقاً في قلوبهم } ، يحتمل أن يكون نفاق كفر ويكون تقرير ثعلبة بعد هذا النص والإبقاء عليه لمكان إظهاره الإسلام وتعلقه بما فيه احتمال .

ويحتمل أن يكون قوله { نفاقاً } يريد به نفاق معصية وقلة استقامة ، فيكون تقريره صحيحاً ويكون ترك في أول الزكاة عقاباً له ونكالاً .

وهذا نحو ما روي أن عاملاً كتب إلى عمر بن عبد العزيز أن فلاناً يمنع الزكاة ، فكتب إليه أن دعه واجعل عقوبته أن لا يؤدي الزكاة مع المسلمين ، يريد لما يلحقه من المقت في ذلك ، وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو وعاصم ونافع وسائرهم { يكذبون } قرأ أبو رجاء «يكذبون » وذكر الطبري في هذه الآية ما يناسبها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان »{[5795]} وفي حديث آخر «وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر » ونحو هذا من الأحاديث ، ويظهر من مذهب البخاري وغيره من أهل العلم أن هذه الخلال الذميمة منافق من اتصف بها إلى يوم القيامة .

وروي أن عمرو بن العاص لما احتضر قال زوجوا فلاناً فإني قد وعدته لا ألقى الله بثلث النفاق ، وهذا ظاهر كلام الحسن بن أبي الحسن ، وقال عطاء بن أبي رباح قد فعل هذه الخلال إخوة يوسف ولم يكونوا منافقين بل كانوا أنبياء ، وهذه الأحاديث إنما هي في المنافقين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين شهد الله عليهم ، وهذه هي الخصال في سائر الأمة معاص لا نفاق .

قال القاضي أبو محمد : ولا محالة أنها كانت مع التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، معاص لكنها من قبيل النفاق اللغوي ، وذكر الطبري عن فرقة أنها قالت : كان العهد الذي عاهد الله عليه هؤلاء المنافقون شيئاً نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به .

قال القاضي أبو محمد : وهذا فيه نظر{[5796]} .


[5795]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وفي آخره: "وتلا هذه الآية {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله} إلى آخر الآية. وأخرج البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، (الدر المنثور) و(تفسير ابن كثير).
[5796]:- للعلماء في هذه القضية رأيان وهي قضية "العهد والطلاق وكل حكم ينفرد به المرء ولا يفتقر إلى غيره فيه"، قال بعضهم: يلزمه منه ما يلتزمه بقصده وإن لم يلفظ به، قال ابن العربي: والدليل على صحة ما ذبنا إليه ما رواه أشهب عن مالك وقد سئل: إذ نوى الرجل الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه فقال: يلزمه، كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه. وقال الشافعي، وأبو حنيفة: لا يلزم أحدا حكم إلا بعد أن يلفظ به، والحجة ما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به). ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم، فإن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيئا حتى يتكلم به، قال أبو عمر: "ومن اعتقد بقلبه الطلاق ولم ينطق به لسانه فليس بشيء، وهذا هو الأشهر عن مالك". راجع تفسير القرطبي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَعۡقَبَهُمۡ نِفَاقٗا فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (77)

{ أعقبهم نفاقاً } جعل نفَاقاً عَقب ذلك أي إثْرَه ولمّا ضمن أعقب معنى أعطى نصب مفعولين والأصل أعقبهم بنفاق .

والضمير المستتر في أعْقَبهم للمذكور من أحوالهم ، أو للبخل المأخوذ من بَخلوا ، فإسناد الإعقاب مجاز عقلي ، أو يعود إلى اسم الله تعالى في قوله { من عاهد الله } أي جَعل فعلهم ذلك سبباً في بقاء النفاق في قلوبهم إلى مَوتهم ، وذلك جزاء تمرّدهم على النفاق . وهذا يقتضي إلى أنّ ثعلبة أو معتِّبا ماتَ على الكفر وأنّ حرصه على دفع صدقته رياء وتقية وكيف وقد عُدّ كلاهما في الصحابة وأوّلهما فيمن شَهد بدراً ، وقيل : هما آخران غيرهما وافقا في الاسم . فيحتمل أن يكون أطلق النفاق على ارتكاب المعاصي في حالة الإسلام وهو إطلاق موجود في عصر النبوءة كقول حنظلة بن الربيع للنبيء صلى الله عليه وسلم يا رسول الله « نافَق حنظلة » . وذكر ارتكابه في خاصّته ما ظنّه معصية ولم يغيّر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بَيَّن له أنّ ما توهّمه ليس كما توهّمه ، فيكون المعنى أنّهم أسلموا وبقُوا يرتكبون المعاصي خلاف حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد يومىء إلى هذا تنكير { نفاقاً } المفيد أنّه نفاق جديد وإلاّ فقد ذُكروا منافقين فكيف يكون النفاق حاصلاً لهم عقب فعلهم هذا .

واللقاء مصادفة الشيءِ شيئاً في مكان واحد . فمعنى إلى يوم يلقونه إلى يوم الحشر لأنّه يومُ لقاء الله للحساب ، أو إلى يوم الموت لأنّ الموت لقاء الله كما في الحديث " من أحبّ لقاءَ الله أحبَّ الله لقاءه " ، وفسّره بأنّه محبّة تعرض للمؤمن عند الاحتضار . وقال بعض المتقدّمين من المتكلّمين : إنّ اللقاء يقتضي الرؤية ، فاستدلّ على ثبوت رؤية الله تعالى بقوله تعالى : { تحيتهم يوم يلقونه سلام } من سورة الأحزاب ( 44 ) فنقَض عليهم الجُبَّائي بقول : إلى يوم يلقونه } في هذه الآية فإنّ الاتّفاق على أنّ المنافقين لا يَرون الله . وقد تصدّى الفخر لإبطال النقض بما يصيّر الاستدلال ضعيفاً ، والحقّ أنّ اللقاء لا يستلزم الرؤية . وقد ذكر في « نفح الطيب » في ترجمة أبي بكر بن العربي قصةً في الاستدلال بآية الأحزاب على بعض معتزلة الحنابلة ونقض الحنبلي المعتزلي عليه بهذه الآية .

والباء للسببية أو للتعليل ، أي بسبب إخلافهم وعد ربّهم وكذبهم .

وعبّر عن كذبهم بصيغة { كانوا يكذبون } لدلالة كان على أنّ الكذب كائن فيهم ومتمكّن منهم ودلالة المضارع على تكرّره وتجدّده .

وفي هذا دلالة على وجوب الحذر من إحداث الأفعال الذميمة فإنّها تفسد الأخلاق الصالحة ويزداد الفساد تمكّناً من النفس بطبيعة التولّد الذي هو ناموس الوجود .