يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبي الكريم ، كما أوحى إلى من قبله من الأنبياء والمرسلين ، ففيه بيان فضله ، بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل ، سابقا ولاحقا ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل ، وأن طريقته طريقة من قبله ، وأحواله تناسب أحوال من قبله من المرسلين . وما جاء به يشابه ما جاءوا به ، لأن الجميع حق وصدق ، وهو تنزيل من اتصف بالألوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة ، وأن جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي .
والكاف فى قوله - تعالى - : { كَذَلِكَ } بمعنى مثل ، واسم الإِشارة يعود إلى ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة من عقائد وأحاكم وآداب .
أى : مثل ما فى هذه السورة الكريمة من دعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، أوحى الله به إليك وإلى الرسل من قبلك ، لتبلغوه للناس كى يعتبروا ويتعظوا .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : {
كَذَلِكَ يوحي إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } كلام مستأنف ، وارد لتحقيق أن مضمون السورة ، موافق لما فى تضاعيف الكتب المنزلة ، على سائر الرسل المتقدمين فى الدعوة إلى التوحيد والإِرشاد إلى الحق .
والكاف مفعول { يوحي } أى : يوحى مثل ما فى هذه السورة من المعانى . .
وجئ بقوله : { يوحي } بدل { أوحى } للدلالة على استمراره فى الماضى ، وأن إيحاء مثله ، عادته - تعالى - :
و { العزيز الحكيم } صفتان له - عز وجل - .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }
وقوله : كَذَلَكَ يُوحِي إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول تعالى ذكره : هكذا يوحِي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه . وقيل : إن حم عين سين ق أوحيت إلى كلّ نبيّ بُعث ، كما أُوحيت إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قيل : كَذَلَكَ يُوحِي إلَيْكَ وإلى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللّهُ العَزِيزُ في انتقامه من أعدائه الحَكِيمُ في تدبيره خلقه .
{ كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم } أي مثل ما في هذه السورة من المعاني ، أو إيحاء مثل إيحائها أوحى الله إليك وإلى الرسل من قبلك ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمرار الوحي وأن إيحاء مثله عادته ، وقرأ ابن كثير " يوحى " بالفتح على أن كذلك مبتدأ و " يوحى " خبره المسند إلى ضميره ، أو مصدر و " يوحى " مسند إلى إليك ، و{ الله } مرتفع بما دل عليه " يوحى " ، و{ العزيز الحكيم } صفتان له مقررتان لعلو شأن الموحى به كما مر في السورة السابقة ، أو بالابتداء كما في قراءة " نوحي " بالنون و { العزيز } وما بعده أخبار أو { العزيز الحكيم } صفتان .
والكاف في قوله : { كذلك } نعت لمصدر محذوف ، والإشارة بذلك تختلف بحسب الأقوال في الحروف .
وقرأ جمهور القراء : «يوحي » بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى ، وهي قراءة الحسن والأعرج وأبي جعفر والجحدري وعيسى وطلحة والأعمش . وقرأ أبو حيوة والأعشى عن أبي بكر عن عاصم : «نوحي » : بنون العظمة ، ويكون قوله : { الله } ابتداء وخبره : { العزيز } ويحتمل أن يكون خبره : { له ما في السماوات } . وقرأ ابن كثير وحده : «يوحَى » بالياء وفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول ، وهي قراءة مجاهد ، والتقدير : يوحى إليك القرآن يوحيه الله ، وكما قال الشاعر :
ليبك يزيد ضارع لخصومة{[10106]}
ومنه قوله تعالى : { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال }{[10107]} .
وقوله تعالى : { وإلى الذين من قبلك } يريد من الأنبياء الذين نزلت عليهم الكتب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.