إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقولُه تعالَى : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم } كلامٌ مستأنفٌ واردٌ لتحقيق أنَّ مضمونَ السورةِ موافقٌ لما في تضاعيفِ سائرِ الكتبِ المنزَّلةِ على الرسلِ المتقدمةِ في الدعوةِ إلى التوحيدِ والإرشادِ إلى الحقِّ أو أنَّ إيحاءَهَا مثلُ إيحائِها بعدَ تنويهِها بذكرِ اسمِها والتنبيه على فخامةِ شأنها . والكافُ في حيزِ النصبِ على أنَّه مفعولٌ ليُوحِي عَلى الأولِ وعلى أنه نعتٌ لمصدرٍ مؤكدٍ لهُ على الثَّانِي وذلك على الأول إشارةٌ إلى ما فيها وعلى الثَّانِي إلى إيحائِها ، وما فيه مِنْ مَعْنى البُعدِ للإيذانِ بعلوِّ رتبة المشارِ إليه وبُعدِ منزلتِه في الفضل أي مثل ما في هذه السورةِ من المعانِي أُوحيَ إليكَ في سائر السورِ وإلى من قبلك من الرسلِ في كتبِهم ، على أنَّ مناطَ المماثلةِ ما أُشيرَ إليه من الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق وما فيه صلاحُ العبادِ في المعاش والمعادِ ، أو مثلَ إيحائِها أُوحيَ إليكَ عند إيحاءِ سائرِ السورِ وإلى سائرِ الرسلِ عند إيحاءِ كتبِهم إليهم لا إيحاءً مغايراً له كما في قوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ }[ سورة النساء ، الآية 136 ] الآيةَ . على أنَّ مدارَ المْثليةِ كونُه بواسطةِ الملكِ . وصيغةُ المضارعِ على حكايةِ الحالِ الماضيةِ للإيذان باستمرارِ الوحي وأنَّ إيحاءَ مثلِه عادتُه . وفي جعلِ مضمونِ السورةِ أو إيحائها مشبهاً به من تفخيمِها مالا يخفى وكذا في وصفِه تعالَى بوصفي العزةَ والحكمةِ . وتأخيرُ الفاعلِ لمراعاةِ الفواصلِ مع ما فيهِ من التشويقِ . وقُرِئ يُوحَى ، على البناءِ للمفعولِ على أنَّ كذلكَ مبتدأٌ ويُوحَى خبره المسندُ إلى ضميرِه أو مصدرٍ ، ويُوحَى مسندٌ إلى إليكَ والله مرتفعٌ بما دلَّ عليهِ يُوحَى كأنَّه قيلَ : مَنْ يُوحِي ، فقيلَ الله . والعزيزُ الحكيمُ صفتان لهُ ، أو مبتدأٌ كما في قراءةِ نُوحِي ، والعزيزُ وما بعدَهُ خبرانِ له أو العزيزُ الحكيمُ صفتانِ له .