الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله : { كذلك يوحى } الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ولا موضع للكاف الثانية ، واسم الله رفع ( بيوحي ){[60611]} .

وقيل : معنى الآية : إنه لم ينزل كتاب من عند الله إلا وفيه حم عسق .

فالمعنى على هذا : كالذي أوحي إليك{[60612]} من هذه السورة ، أوحي إلى الذين من قبلك من الرسل . وهذا مذهب الفراء .

وقرأ ابن كثير{[60613]} : { كذلك يوحي إليك } ( على ما لم ){[60614]} يسم فاعله .

فيكون الوقف على هذه القراءة : { من قبلك } ثم يبتدئ{[60615]} : { الله العزيز الحكيم }{[60616]} على الابتداء ، والخبر ، وإن شئت على الابتداء والصفة ، أو يكون { له ما في السموات } الخبر{[60617]} .

وروى الشموني{[60618]} عن أبي بكر : ( نوحي ) بالنون . فتقف أيضا على { من قبلك } ثم تبتدئ ( الله ) على ما قد ذكرنا{[60619]} .

وقد يجوز على قراءة ابن كثير أن يرتفع على فعل مضمر كأنه قيل : من يوحى{[60620]} ؟ فقيل : يوحي الله{[60621]} كقول الشاعر :

لِيُبْكَ يَزيدُ ضارعٌ لِخُصُومَةٍ{[60622]} *** . . .

كأنه قال{[60623]} : لبيك يزيد . قيل : من يبكيه/ قيل : يبكيه ضارع لخصومة{[60624]} .

قال قتادة : حم عسق اسم من أسماء الله .

وروى حذيفة أنها نزلت في رجل يكون من بني هاشم{[60625]} من أهل بيت ابن{[60626]} عباس يقال له عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق{[60627]} يبني عليه مدينتان{[60628]} ، يشق النهر بينهما شقا ، فإذا أذِن{[60629]} الله في زوال ملكهم ، وانقطاع دولتهم ومدتهم{[60630]} بعث{[60631]} على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مدينة مكانها{[60632]} وتصبح{[60633]} صاحبتها متعجبة كيف أفلتت فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجمع الله{[60634]} فيها كل جبار منهم ثم يخسف الله بها وبهم جميعا فذلك قوله : { حم عسق } يعني : عزيمة ( من الله ){[60635]} وقضاء .

سين ، يعني : سيكون . قاف ، يعني : واقعا{[60636]} بهاتين المدينتين{[60637]} .

وروى عن ابن عباس أنه قرأ ( حم سق ) بغير عين{[60638]} ، وكان يقول : إن السين كل فرقة كائنة ، وأن القاف كل جماعة{[60639]} كائنة .

ويقول{[60640]} : إن عليا رضي الله عنه إنما كان يعلم الفتن بها{[60641]} .

وفي مصحف عبد الله : { حم عسق } بغير عين كقراءة ابن عباس{[60642]} .

ومعنى { العزيز } أي : العزيز في انتقامه من أعدائه { الحكيم } في تدبيره خلقه{[60643]} .


[60611]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/644، وإعراب النحاس 4/71.
[60612]:(ت): الله.
[60613]:هو عبد الله بن كثير الداري المكي أبو معبد، تابعي، أحد القراء السبعة وإمام أهل مكة في القراءة، روي عن ابن عباس توفي سنة 120 هـ. انظر حجة القراءات 52، والتقريب 1/442 ت 560، وغاية النهاية 1/443 ت 1852.
[60614]:(ت): (هذا ما) و(ح) (على من).
[60615]:(ح) (تبتدئ).
[60616]:انظر الكشف 2/250، وحجة القراءات 639، والسبعة 580، وسراج القارئ 344، والجواهر الحسان (5)، والقول الفصل (ظهر 104ط) وكتاب الراضي في القراءات (ظهر 118)، وكتاب مجهول في القراءات بالصبيحة (ظهر 50). وأورد ابن عطية في المحرر الوجيز هذه القراءة عن ابن كثير ومجاهد 14/202.
[60617]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/644، والقطع والإئتناف 638، وإعراب النحاس 4/71، والمكتفى 501، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/344، ومنار الهدى 281.
[60618]:(ح): الشمولي.
[60619]:انظر المكتفى 501، والمحرر الوجيز 14/202، والمقصد 76، وجاء في المحرر الوجيز أن راوي هذه القراءة عن أبي بكر عن عاصم هما أبو حيوة والأعشى. 14/202.
[60620]:(ت): نوحي.
[60621]:انظر إعراب النحاس 4/71.
[60622]:هذا من قول الحارث بن نهيك، وعجزه: ومختبط مما تطيح الطوائح. انظر: الكتاب 1/288 و 366 و398. ونسبه صاحب خزانة الأدب لنهشل بن حري في مرثية يزيد. والضارع: الذليل، ومختبط: محتاج، وتُطيح: تذهب وتهلك. والشاهد فيه رفع المضارع بإضمار فعل دل عليه ما قبله. وانظر البيت في جامع القرطبي 7/92، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/344، واللسان (مادة: طوح). وهذا البيت من البحر الطويل.
[60623]:(ت): (لا قال).
[60624]:ساقط من (ح).
[60625]:بنو هاشم بطن من قريش، كانوا متقاسمين مع عبد شمس رياسة بني عبد مناف، فكانت الرفادة والسقاية لبني هاشم، وكان هاشم أول من سن رحلتي الشتاء والصيف. انظر نهاية الأرب 435، ومعجم القبائل 3/1207.
[60626]:ساقط من (ح).
[60627]:في طرة (ح).
[60628]:(ح): مدينتين.
[60629]:(ت): أذان.
[60630]:(ت): ومدينتهم و(ح) و(مدنهم). والتصويب من جامع البيان وتفسير ابن كثير.
[60631]:(ح): الله عز وجل.
[60632]:ساقط من (ت).
[60633]:(ت): (وأصبح). هو حذيفة بن حسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله. واليمان لقب أبيه حسل. صحابي جليل من السابقين. روى عنه الأسود بن يزيد وأبو الطفيل. توفي سنة 36 هـ. انظر صفة الصفوة 1/610 ت، والحلية 1/270 ت 42، والإصابة. 1/17 ت 1647.
[60634]:ساقط من (ح).
[60635]:في طرة (ت).
[60636]:(ت): (لعله واقعا).
[60637]:انظر جامع البيان 25/5، والمحرر الوجيز 14/202، وجامع القرطبي 16/2، وتفسير ابن كثير 4/106، وتفسير مجهول بالحفيانية (5). وقد قال ابن كثير معلقا على هذا القول: وهذا أثر غريب عجيب منكر.
[60638]:انظر المحرر الوجيز 14/202، وجامع القرطبي 16/1، ووردت في معاني الزجاج مجهولة الراوي 4/393.
[60639]:(ت): ساعة.
[60640]:(ت): ويقال.
[60641]:انظر معاني الفراء 3/21، وجامع البيان 25/5، والمحرر الوجيز 14/202، وجامع القرطبي 16/1.
[60642]:انظر معاني الفراء 3/21، وجامع البيان 25/5، والمحرر الوجيز 14/202، وجامع القرطبي 16/1.
[60643]:فوق السطر في (ت).