اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

قوله : «كَذَلِكَ يُوحِي » القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيًّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، والعزيز الحكيم نعتان ، والكاف منصوبة المحل{[49016]} إما نعتاً لمصدر ، أو حالاً من ضميره ، أي يوحي إيحاءً مثل ذلك الإيحاء .

وقرأ ابن كثير وتُرْوَى عن أبي عمرو يُوحَى بفتح الحاء مبنياً للمجهول{[49017]} وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :

أحدها : ضمير مستتر يعود على كذلك ، لأنه مبتدأ ، والتقدير مثلُ ذلك الإيحاء يُوحَى هو إليك . «فمِثْلُ ذَلِك » مبتدأ ، و«يُوحَى إِلَيْكَ » خبره .

الثاني : أن القائم مقام الفاعل «إليك » والكاف منصوبة المحل على الوجهين المتقدمين .

الثالث : أن القائم مقامه الجملة من قوله «اللهُ العزيزُ » أي يُوحى إليك هذا اللفظُ{[49018]} . وأصول البصريين لا تساعد عليه{[49019]} ؛ لأن الجملة لا تكون فاعلةً ولا قائمةً مقامه . وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نُوحي بالنون{[49020]} وهي موافقة العامة . ويحتمل أن تكون الجملة من قوله : { الله العزيز الحكيم } منصوبة المحل مفعولة بنُوحي أي نُوحِي إليك هذا اللفظ ، إلا أنَّ فيه حكاية الجملة بغير القول الصريح{[49021]} .

و«يُوحِي » على اختلاف قراءته يجوز أن يكون على بابه من الحال والاستقبال فيتعلق قوله : { وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } بمحذوف لتعذر ذلك تقديره : «وأُوحِي إلى الذَّين{[49022]} من قَبْلِكَ » وأن يكون بمعنى الماضي ، وجيء به على صورة المضارع لغرضٍ وهو تصوير الحال{[49023]} .

قوله : «اللهُ العَزيزُ » يجوز أن يرتفع بالفاعلية في قراءة العامة ، وأن يرتفع بفعل مضمر في قراءة ابن كثير كأنه قيل : من يوحيه ؟ فقيل : اللهُ العزيزُ ، كقوله تعالى : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ } [ النور : 36 ، 37 ] وقوله :

4370 لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ{[49024]} *** . . .

وقد مرَّ . وأن يرتفع بالابتداء ، وما بعده خبره ، والجملة قائمة مقام الفاعل على ما مر ، وأن يكون «العَزِيزُ الحَكِيمُ » خبرين ، أو نعتين ،

/خ4


[49016]:انظر التبيان 1130.
[49017]:السبعة 580 والإتحاف 382 ومعاني القرآن للفراء 3/21 وهي قراءة متواترة.
[49018]:أخذ المؤلف هذا من التبيان لأبي البقاء 1130.
[49019]:في ب إليه. وقد اختلف في الإسناد إلى الجملة على مذاهب، أصحها: المنع فلا يكون فاعلا، ولا نائبا عنه، والثاني: الجواز، لوروده في قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه} فأجازوا: يعجبني يقوم زيد، وظهر لي أقام زيد أم عمرو، وأجيب: بأن الفاعل في الآية ضمير البداء المفهوم من بدا أو ضمير السجن المفهوم من الفعل. والثالث: يجوز أن يقع فاعلا أو نائبا عنه لفعل من أفعال القلوب إذا علق، نحو ظهر لي أقام زيد أم عمرو، وعلم أقام بكر أم خالد، بخلاف نحو: يسرني خرج عبد الله فلا يجوز. ونسب هذا لسيبويه انظر الهمع 1/164.
[49020]:البحر المحيط 7/508 وابن خالويه 134 وهي فيه الشواذ.
[49021]:أقول قد يحكى بالقول وتصريفه الجمل ولا يحلق بت معناه خلافا للكوفيين وابن عصفور، فيوحي هنا معنى من معاني القول مرجح عند الكوفيين وممتنع عند البصريين (بتصرف من الهمع 1/156).
[49022]:انظر البحر المحيط 7/508.
[49023]:بالمعنى من الكشاف 3/459، وباللفظ من الدر المصون 4/742.
[49024]:صدر بيت من الطويل عجزه: ومختبط مما تطيح الطوائح وهو لضرار بن نهشل يرثي يزيد بن نهشل. وشاهده: رفع "ضارع" حيث رفع بفعل مقدر أي يبكيه ضارع أي ذليل ومسكين. و "مختبط" محتاج. أقول: وهذا البيت مما اختلف في نسبته. فقد نسبه العيني لنهشل بن حري النهشلي والثعلبي إلى الحارث بن نهيك، والنيلي لضرار النهشلي، وبعضهم لمزرد، وأبو عبيدة لمهلهل، وقد تقدم.