روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

وقوله تعالى : { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإلى الذين مِن قَبْلِكَ الله العزيز الحكيم } كلام مستأنف وارد لتحقيق أن مضمون السورة موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة على سائر الرسل المتقدمين في الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق أو أن إيحاءها بعد تنويهها بذكر اسمها والتنبيه على فخامة شأنها ، والكاف مفعول { يُوحَى } على الأول : أي يوحى مثل ما في هذه السورة من المعاني أو نعت لمصدر مؤكد على الثاني : أي يوحى إيحاء مثل إيحائها إليك وإلى الرسل أي بواسطة الملك ، وهي في الوجهين اسم كما هو مذهب الأخفش وإن شئت فاعتبرها حرفاً واعتبر الجار والمجرور مفعولاً أو متعلقاً بمحذوف وقع نعتاً ، وقول العلامة الثاني في التلويح : إن جار الله لا يجوز الابتداء بالفعل ويقدر المبتدأ في جميع ما يقع فيه الفعل ابتداء كلام غير مسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل : إنه لم يظهر له وجه .

وجوز أبو البقاء كون { كذلك } مبتدأ { ويوحى } الخبر والعائد محذوف أي مثل ذلك يوحيه إليك الخ وحذف مثله شائع في الفصيح ، نعم هذا الوجه خلاف الظاهر ، والإشارة كما أشرنا إليه إلى ما في السورة أو إلى إيحائها ، والدلالة على البعد لبعد منزلة المشار إليه في الفضل ، وصيغة المضارع على حكاية الحال الماضية للدلالة على استمراره في الأزمنة الماضية وأن إيحاء مثله عادته عز وجل ، وقيل : إنها على التغليب فإن الوحي إلى من مضى مضى وإليه عليه الصلاة والسلام بعضه ماض وبعضه مستقبل ، وجوز أن تكون على ظاهرها ويضمر عامل يتعلق به { تَرَ إلى الذين } أي وأوحى إلى الذين وهو كما ترى ، وفي جعل مضمون السورة أو إيحائها مشبهاً به من تفخيمها ما لا يخفي .

وقرأ مجاهد . وابن كثير . وعياش . ومحبوب كلاهما عن أبي عمرو { يُوحَى } مبنياً للمفعول على أن { كذلك } مبتدأ { ويوحى } خبره المسند إلى ضميره أو مصدر و { لِمَا يُوحَى } مسند إلى { إِلَيْكَ } و { الله } مرتفع عند السكاكي على الفاعلية ليوحى الواقع في جواب من يوحى ؟ نحو ما قرروه في قوله تعالى : { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ } [ النور : 36 ، 37 ] على قراءة { يُسَبّحُ } بالبناء للمفعول ، وقوله :

ليبك يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط مما تطيح الطوائح

وقال الزمخشري : رافعه ما دل عليه { يُوحَى } كأن قائلاً قال : من الموحي ؟ فقيل : الله وإنما قدر كذلك على ما قاله صاحب الكشف ليدل على أن الإيحاء مسلم معلوم وإنما الغرض من الإخبار إثبات اتصافه بأنه تعالى من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح ، ولم يرتض القول بعدم الفرق بين هذا وقوله تعالى : { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ } بل أوجب الفرق لأن الفعل المضارع هنالك على ظاهره لم يؤت به للدلالة على الاستمرار ولهم فيه مقال .

و { العزيز الحكيم } صفتان له تعالى عند الشيخين ، وجوز أبو حيان كون الاسم الجليل مبتدأ وما بعده خبر له وقيل : { الله العزيز الحكيم } إلى آخر السورة قائم مقام فاعل { يُوحِى } أي هذه الكلمات .

وقرأ أبو حيوة . والأعشى عن أبي بكر . وأبان { نُوحِى } بنون العظمة فالله مبتدأ وما بعده خبر أو { العزيز الحكيم } صفتان .