المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

33- يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هاربين فاخرجوا ، لا تستطيعون الخروج إلا بقوة وقهر ، ولن يكون لكم ذلك{[214]} .


[214]:ثبت حتى الآن ضخامة المجهودات والطاقات المطلوبة للنفاذ من نطاق جاذبية الأرض، وحيث اقتضى النجاح الجزئي في زيارة الفضاء ـ لمدة محددة جدا بالنسبة لعظم الكون ـ بذل الكثير من الجهود العلمية الضخمة في شتى الميادين الهندسية والرياضية والفنية والجيولوجية. فضلا عن التكاليف الخيالية المادية التي أنفقت في ذلك ومازالت تنفق، ويدل ذلك دلالة قاطعة على أن النفاذ المطلق من أقطار السماوات والأرض التي تبلغ ملايين السنين الضوئية لإنس أو جن مستحيل.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

{ 33 } { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ }

أي : إذا جمعهم الله في موقف القيامة ، أخبرهم بعجزهم وضعفهم ، وكمال سلطانه ، ونفوذ مشيئته وقدرته ، فقال معجزا لهم : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : تجدون منفذا مسلكا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه ، { فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } أي : لا تخرجون عنه إلا بقوة وتسلط منكم ، وكمال قدرة ، وأنى لهم ذلك ، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ؟ ! ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه ، ولا تسمع إلا همسا ، وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك ، والرؤساء والمرءوسون ، والأغنياء والفقراء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

وقوله - سبحانه - : { يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا . . . } مقول لقول محذوف ، دل عليه ما قبله .

والمعشر - برنة مفعل - اسم للجمع الكثير الذى يعد عشرة فعشرة .

وقوله : { تَنفُذُواْ } من النفاذ بمعنى الخروج من الشىء ، والأمر منه وهو قوله : { فانفذوا } مستعمل فى التعجيز . والأقطار : جمع قطر - بضم القاف وسكون الطاء - وهو الناحية الواسعة .

والمعنى : سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة ، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدى . يا معشر الجن والإنس ، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة . فانفذوا واخرجوا ، و خلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة .

وجملة : { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } بيان للتعجيز المتمثل فى قوله - تعالى - : { فانفذوا } ، والسلطان المراد به هنا : القدرة والقوة .

أى : لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذى أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة ، وقوة خارقة ، تزيد على قوة خالقكم الذى جعلكم فى هذا الموقف ، وأنى لكم هذه القوة التى أنتم أبعد ما تكونون عنها ؟

فالمقصود بالآية الكريمة ، تحذير الفاسقين والكافرين ، من التمادى فى فسقهم وكفرهم ، وبيان أنهم سيكونون فى قبضة الله - تعالى - وتحت سلطانه ، وأنهم لن يستطيعوا الهروب ن قبضته وقضائه فيهم بحمكه العالد .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { فَإِذَا بَرِقَ البصر وَخَسَفَ القمر وَجُمِعَ الشمس والقمر يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر كَلاَّ لاَ وَزَرَ إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ} (33)

وقوله : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا فقال بعضهم : معنى ذلك : إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض ، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم ، فجوزوا ذلك ، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم ، قالوا : وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة . قالوا : ومعنى الكلام : سنفرغ لكم أيها الثقلان ، فيقال لهم : يَا مَعْشَرَ الجِنّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَار السّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، قال : «إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشقّقت بأهلها ، ونزل من فيها من الملائكة ، فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية ، ثم بالثالثة ، ثم بالرابعة ، ثم بالخامسة ، ثم بالسادسة ، ثم بالسابعة ، فصفوا صفا دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنادِ ، يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ، وذلك قوله : وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا ، وجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ ، وقوله : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ ، وذلك قوله : وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ والمَلَكُ على أرْجائها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ، فانفدوا هاربين من الموت ، فإن الموت مُدرككم ، ولا ينفعكم هربكم منه . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ . . . الاَية ، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت ، وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه ، ولا محيصا ، لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان الله ، ولأخذهم الله بالموت .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يا مَعَشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول : إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه ، لن تعلموه إلا بسلطان ، يعني البينة من الله جلّ ثناؤه .

وقال آخرون : معنى قوله : لا تَنْفُذُونَ لا تخرجون من سلطاني . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول : لا تخرجون من سلطاني .

وأما الأقطار فهي جمع قُطْر ، وهي الأطراف . كما :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : من أطرافها .

وقوله جلّ ثناؤه : وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول : من أطرافها .

وأما قوله : إلاّ بسُلْطانٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل .

وقال آخرون : معناه : إلا بحجة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن عِكرمة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ قال : كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بسُلْطانٍ قال : بحجة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا بملك وليس لكم ملك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة فانْفُذُوا لا تَنْفُذُون إلاّ بسُلْطانٍ قال : لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ قال : إلا بسلطان من الله ، إلا بملكة منه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول إلا بملكة من الله .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : إلا بحجة وبينة ، لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب ، وقد يدخل الملك في ذلك ، لأن الملك حجة .