القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمََنُ وُدّاً * فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ الْمُتّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لّدّاً } .
يقول تعالى ذكره : إن الذين آمنوا بالله ورسوله ، وصدّقوا بما جاءهم من عند ربهم ، فعملوا به ، فأحلوا حلاله ، وحرّموا حرامه سيجعلُ لهمُ الرحمنُ ودا في الدنيا ، في صدور عباده المؤمنين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة الناس في الدنيا .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : حبا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : الودّ من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن . واللسان الصادق .
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن عبيد المُكْتِبِ ، عن مجاهد ، في قوله سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة في المسلمين في الدنيا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : يحبهم ويحببهم إلى خلقه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عليّ بن هاشم ، عن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يحبهم ويحببهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، عن قتادة ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : ما أقبل عبد الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه ، وزاده من عنده .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا : إي والله في قلوب أهل الإيمان . ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عثمان بن عفان كان يقول : ما من الناس عبد يعمل خيرا ولا يعمل شرّا ، إلا كساه الله رداء عمله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوريّ ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا قال : محبة .
وذُكر أن هذه الاَية نزلت في عبد الرحمن بن عوف .
حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطيّ ، قال : أخبرنا يعقوب بن محمد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جُبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن أمه أمّ إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها ، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه لما هاجر إلى المدينة ، وجَد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ، منهم شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأميّة بن خلف ، فأنزل الله تعالى : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّا .
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا } سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه في حبه أهل السماء ، ثم توضع له المحبة في الأرض " . والسين إما لأن السورة مكية وكانوا ممقوتين حينئذ بين الكفرة فوعدهم ذلك إذا دجا الإسلام ، أو لأن الموعود في القيامة حين تعرض حسناتهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغل .
يقتضي اتصال الآيات بعضها ببعض في المعاني أنّ هذه الآية وصف لحال المؤمنين يوم القيامة بضد حال المشركين ، فيكون حال إتيانهم غير حال انفرادٍ بل حال تأنس بعضهم ببعض .
ولمّا ختمت الآية قبلها بأن المشركين آتون يوم القيامة مفردين ، وكان ذلك مشعراً بأنهم آتون إلى ما من شأنه أن يتمنى المورّط فيه مَن يدفع عنه وينصره ، وإشعار ذلك بأنّهم مغضوب عليهم ، أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين الصالحين ، وأنهم على العكس من حال المشركين ، وأنهم يكونون يومئذ بمقام المودّة والتبجيل . فالمعنى : سيجعل لهم الرحمان أودّاء من الملائكة كما قال تعالى : { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ فصلت : 31 ] ، ويجعل بين أنفسهم مودّة كما قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غِلّ } [ الأعراف : 43 ] .
وإيثارُ المصدر ليفي بعدّة متعلقات بالودّ . وفُسّر أيضاً جعل الودّ بأن الله يجعل لهم محبّة في قلوب أهل الخير . رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد عن الدراوردي . وليست هذه الزيادة عن أحد ممن روى الحديث عن غير قتيبة بن سعيد ولا عن قتيبة بن سعيد في غير رواية الترمذي ، فهذه الزيادة إدراج من قتيبة عند الترمذي خاصة .
وفُسر أيضاً بأن الله سيجعل لهم محبة منه تعالى ، فالجعل هنا كالإلقاء في قوله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39 ] . هذا أظهر الوجوه في تفسير الودّ ، وقد ذهب فيه جماعات المفسرين إلى أقوال شتى متفاوتة في القبول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.