المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

33- هو الله الذي كفل إتمام نوره بإرسال رسوله ( محمداً ) صلى الله عليه وسلم ، بالحُجج البينات ، ودين الحق ( الإسلام ) ليعلى هذا الدين على جميع الأديان السابقة عليه ، وإن كرهه المشركون ، فإن الله يظهره رغماً عنهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : الله الذي يأبى إلا إتمام دينه ولو كره ذلك جاحدوه ومنكروه ، الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ، يعني : ببيان فرائض الله على خلقه ، وجميع اللازم لهم ، وبدين الحقّ وهو الإسلام ، لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ يقول : ليعلى الإسلام على الملل كلها ، ولو كَرِهَ المُشْرِكُونَ بالله ظهوره عليها .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ فقال بعضهم : ذلك عند خروج عيسى حين تصير الملل كلها واحدة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال : حدثنا شقيق ، قال : ثني ثابت الحداد أبو المقدام ، عن شيخ ، عن أبي هريرة في قوله : لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ قال : حين خروج عيسىَ ابن مريم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن فضيل بن مرزوق ، قال : ثني من سمع أبا جعفر : لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ قال : إذا خرج عيسى عليه السلام اتبعه أهل كل دين .

وقال آخرون : معنى ذلك : ليعلمه شرائع الدين كلها فيطلعه عليها . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلّهِ قال : ليظهر الله نبيه على أمر الدين كله ، فيعطيه إياه كله ، ولا يخفى عليه منه شيء . وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله } كالبيان لقوله : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } ولذلك كرر { ولو كره المشركون } غير أنه وضع المشركون موضع الكافرون للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الشرك بالله ، والضمير في { ليظهره } للدين الحق ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم واللام في { الدين } للجنس أي على سائر الأديان فينسخها ، أو على أهلها فيخذلهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

بيان لجملة { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } [ التوبة : 32 ] بأنّه أرسل رسوله بهذا الدين ، فلا يريد إزالته ، ولا يجعل تقديره باطلاً وعبثاً . وفي هذا البيان تنويه بشأن الرسول بعد التنويه بشأن الدين .

وفي قوله : { هو الذي أرسل رسوله } صيغة قصر ، أي هو لا غيره أرسَلَ رسوله بهذا النور ، فكيف يَترُك معانديه يطفئونه .

واجتلاب اسم الموصول : للإيماء إلى أنّ مضمون الصلة علّة للجملة التي بُنيت عليها هذه الجملةُ وهي جملة : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره } [ التوبة : 32 ] .

وعبّر عن الإسلام { بالهدى ودين الحق } تنويهاً بفضله ، وتعريضاً بأنّ ما هم عليه ليس بهدى ولا حقّ .

وفعل الإظهار إذا عُدّي ب { على } كان مضمَّنا معنى النصر ، أو التفضيل ، أي لينصره على الأديان كلّها ، أي ليكون أشرف الأديان وأغلَبها ، ومنه المظاهرة أي المناصرة ، وقد تقدّم ذكرها آنفاً عند قوله : { ولم يظاهروا عليكم أحداً } [ التوبة : 4 ] .

فالإسلام كان أشرفَ الأديان : لأنّ معجزة صدقه القرآن ، وهو معجزة تُدرك بالعقل ، ويستوي في إدراك إعجازِها جميع العصور ، ولِخُلّو هذا الدين عن جميع العيوب في الاعتقاد والفعل ، فهو خلي عن إثبات ما لا يليق بالله تعالى ، وخلي عن وضع التكاليف الشاقّة ، وخلي عن الدعوة إلى الإعراض عن استقامة نظام العالم ، وقد فصّلت ذلك في الكتاب الذي سمّيْته « أصول النظام الاجتماعي في الإسلام » .

وظهور الإسلام على الدين كلّه حصل في العالم باتّباع أهل الملل إيّاه في سائر الأقطار ، بالرغم على كراهية أقوامهم وعظماء مللهم ذلك ، ومقاومتهم إياه بكلّ حيلة ومع ذلك فقد ظهر وعلا وبان فضله على الأديان التي جاورها وسلامته من الخرافات والأوهام التي تعلّقوا بها ، وما صلحت بعضُ أمورهم إلاّ فيما حاكَوه من أحوال المسلمين وأسباب نهوضهم ، ولا يلزم من إظهاره على الأديان أن تنقرض تلك الأديان .

و { لو } في { ولو كره المشركون } وصلية مثل التي في نظيرتها . وذكر المشركون هنا لأنّ ظهور دين الإسلام أشدّ حسرة عليهم من كلّ أمّة ، لأنّهم الذين ابتدأوا بمعارضته وعداوته ودعَوا الأمم للتألّب عليه واستنصروا بهم فلَم يغنوا عنهم شيئاً ، ولأنّ أتمّ مظاهر انتصار الإسلام كان في جزيرة العرب وهي ديار المشركين لأن الإسلام غلب عليها ، وزالت منها جميع الأديَان الأخرى ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يَبقى دينان في جزيرة العرب " فلذلك كانت كراهية المشركين ظهوره محلّ المبالغة في أحوال إظهاره على الدين كلّه كما يظهر بالتأمّل .