المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

21- ومن دلائل رحمته أن خلق لكم - أيها الرجال - زوجات من جنسكم لتألفوهن ، وجعل بينكم وبينهن مودة وتراحماً . إن في ذلك لدلائل لقوم يفكرون في صنع الله تعالى .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان آية ثانية ، دالة على كمال قدرته ورأفته بعباده ، فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } أى : ومن آياته الدالة على رحمته بكم ، أنه - سبحانه - خلق لكم { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أى : من جنسكم فى البشرية والإِنسانية أزواجا .

قال الآلوسى : قوله : { مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم - عليه السلام - متضمن لخلقهن من أنفسكم " فمن " للتبعيض والأنفس بمعناها الحقيقى ، ويجوز أن تكون " من " ابتدائية ، والأنفس مجاز عن الجنس ، أى : خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر ، قيل : هو الأوفق لما بعد .

وقوله - سبحانه - : { لتسكنوا إِلَيْهَا } بيان لعلة خلقهم على هذه الطريقة . أى : خلق لكم من جنسكم أزواجا ، لتسكنوا إليها ، ويميل بعضكم إلى بعض ، فإن الجنس إلى الجنس أميل ، والنوع إلى النوع أكثر ائتلافا وانسجاما { وَجَعَلَ } - سبحانه - { بَيْنَكُم } يا معشر الأزواج والزوجات { مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } أى : محبة ورأفة ، لم تكن بينكم قبل ذلك ، وإنما حدثت عن طريق الزواج الذى شرعه - سبحانه - بين الرجال والنساء ، والذى وصفه - تعالى - بهذا الوصف الدقيق ، فى قوله - عز وجل - :

{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذى ذكرناه لكم قبل ذلك { لآيَاتٍ } عظمة تهدى إلى الرشد وإلى الاعتبار { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فى مظاهر قدرة الله - تعالى - ورحمته بخلقه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

هذه آية ثانية فيها عظة وتذكير بنظام الناس العام وهو نظام الازدواج وكينونة العائلة وأساس التناسل ، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزاً في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ .

وهي آية تنطوي على عدة آيات منها : أن جُعل للإنسان ناموس التناسل ، وأن جُعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه ، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التأنس لا يحصل بصنف مخالف ، وأن جعل في ذلك التزاوج أنساً بين الزوجين ولم يجعله تزاوجاً عنيفاً أو مهلكاً كتزاوج الضفادع ، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة فالزوجان يكونان من قبل التزاوج متجاهلين فيصبحان بعد التزاوج متحابين ، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة ، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آياتتٍ عدة في قوله { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون . } وهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان : صنف الذكر ، وصنف الأنثى ، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جبلتهما . وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين . وقد أدمج في الاعتبار بهذه الآية امتنان بنعمة في هذه الآية أشار إليها قوله { لكم } أي لأجل نفعكم .

و { لقوم يتفكرون } متعلق ب { آيات } لما فيه من معنى الدلالة . وجعلت الآيات لقوم يتفكرون لأن التفكر والنظر في تلك الدلائل هو الذي يجلي كنهها ويزيد الناظر بصارة بمنافع أخرى في ضمنها .

والذين يتفكرون : المؤمنون وأهل الرأي من المشركين الذين يؤمنون بعد نزول هذه الآية . والخطاب في قوله { أن خَلَق لكم } لجميع نوع الإنسان الذكور والإناث .

والزوج : هو الذي به يصير للواحد ثاننٍ فيطلق على امرأة الرجل ورجل المرأة فجعل الله لكل فرد زوجه .

ومعنى { من أنفسكم } من نوعكم ، فجميع الأزواج من نوع الناس ، وأما قول تأبط شراً :

وتزوجت في الشبيبة غُولاً *** بغزال وصدقتي زِقّ خمر

فمن تكاذيبهم ، وكذلك ما يزعمه المشعوذون من التزوج بالجنِّيات وما يزعمه أهل الخرافات والروايات من وجود بنات في البحر وأنها قد يتزوج بعض الإنس ببعضها .

والسكون : هنا مستعار للتأنس وفرح النفس لأن في ذلك زوال اضطراب الوحشة والكمد بالسكون الذي هو زوال اضطراب الجسم كما قالوا : اطمأن إلى كذا وانقطع إلى كذا .

وضمن { لِتَسْكِنوا } معنى لتميلوا فعدي بحرف ( إلى ) وإن كان حقه أن يعلق ب ( عند ) ونحوها من الظروف .

والمودة : المحبة ، والرحمة : صفة تبعث على حسن المعاملة .

وإنما جعل في ذلك آيات كثيرة باعتبار اشتمال ذلك الخلق على دقائق كثيرة متولد بعضها عن بعض يظهرها التأمل والتدبر بحيث يتجمع منها آيات كثيرة .

واللام في قوله { لقوم يتفكرون } معناه شبه التمليك وهو معنى أثبته صاحب « مغني اللبيب » ويظهر أنه واسطة بين معنى التمليك ومعنى التعليل . ومثَّله في « المغني » بقوله تعالى { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } [ النحل : 72 ] وذكر في المعنى العشرين من معاني اللام أن ابن مالك في « كافيته » سماه لام التعدية ولعله يريد تعدية خاصة ، ومثله بقوله تعالى { فهبْ لي من لدنك وليّاً } [ مريم : 5 ] .