ثم يختتم الله - تعالى - هذه السورة الكريمة بما يدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - وبما يدخل التسلية على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما يفتح له باب الأمل في النصر على أعدائه . . . فيقول :
{ وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ . . . }
اسم الإشارة في قوله - سبحانه - { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ . . . } يعود على ما ذكره الله - تعالى - في هذه السورة من قصص يتعلق بيوسف وإخوته وأبيه وغيرهم ، أى : ذلك الذي قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - في هذه السورة ، وما قصصناه عليك في غيرها { مِنْ أَنْبَآءِ الغيب } أى : من الأخبار الغيبية التي لا يعلمها علماً تاما شاملاً إلا الله - تعالى - وحده .
ونحن { نُوحِيهِ إِلَيْك } ونعلمك به لما فيه من العبر والعظات .
وقوله : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أجمعوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } مسوق للتدليل على أن هذا القصص من أنباء الغيب الموحاة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - .
أى : ومما يشهد بأن هذا الذي قصصناه عليك في هذه السورة من أنباء الغيب ، أنك - أيها الرسول الكريم - ما كنت حاضرا مع إخوة يوسف ، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به ، ثم استقر رأيهم على إلقائه في الجب ، وما كنت حاضراً أيضاً وقت أن مكرت امرأة العزيز بيوسف ، وما كنت مشاهداً لتلك الأحداث المتنوعة التي اشتملت عليها هذه السورة الكريمة ، ولكنا أخبرناك بكل ذلك لتقرأه على الناس ، ولينتفعوا بما فيه من حكم وأحكام ، وعبر وعظات .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - في خلال قصة نوح - عليه السلام - : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ } وقوله - تعالى - في خلال قصة موسى - عليه السلام - { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين } وقوله - تعالى - في خلال حديثه عن مريم { ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن هذا القرآن من عند الله - تعالى - لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معاصرا لمن جاء القرآن بقصصهم ، ولم يطلع على كتاب فيه خبرهم ، فلم يبق لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بذلك طريق إلا طريق الوحى .
وقوله تعالى : { ذلك من أنباء الغيب } الآية ، { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من قصة يوسف ، وهذه الآية تعريض لقريش وتنبيه على آية صدق محمد ، وفي ضمن ذلك الطعن على مكذبيه .
والضمير في { لديهم } عائد إلى إخوة يوسف ، وكذلك الضمائر إلى آخر الآية ، و { أجمعوا } معناه : عزموا وجزموا ، و { الأمر } هنا هو إلقاء يوسف في الجب ، و «المكر » هو أن تدبر على الإنسان تدبيراً يضره ويؤذيه والخديعة هي أن تفعل بإنسان وتقول له ما يوجب أن يفعل هو فعلاً فيه عليه ضرر . وحكى الطبري عن أبي عمران الجوني أنه قال : والله ما قص الله نبأهم ليعيرهم بذلك ، إنهم لأنبياء من أهل الجنة ، ولكن قص الله علينا نبأهم لئلا يقنط عبده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.