وقوله - تعالى - : { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } صفة رابعة من صفات هذه النار الشديدة الاشتعال .
وقوله { عَمَدٍ } - بفتحتين - جمع عمود كأديم وأَدَم ، وقيل : جمع عماد ، وقيل : هو اسم جمع لعمود ، وليس جمعا له ، والمراد بها : الأوتاد التى تشد بها أبواب النار .
وقرأ بعض القراء السبعة : فى عُمُد بضمتين جمع عمود كسرير وسرر .
والممددة : الطويلة الممدودة من أول الباب إلى آخره .
أى : إن هذه النار مغلقة عليهم بأبواب محكمة ، هذه الأبواب قد شدت بأوتاد من حديد ، تمتد هذه الأوتاد من أول الأبواب إلى آخرها . بحيث لا يستطيع من بداخلها الفكاك منها .
وبذلك نرى السورة الكريمة قد توعدت هؤلاء المغرورين الجاهلين ، الطاعنين فى أعراض الناس . . بأشد ألوان العقاب ، وأكثره إهانة وخزيا لمن ينزل به .
وقوله تعالى : { في عمد } هو جمع عمود كأديم وأدم ، وهي عند سبيويه أسماء جمع ، لا جموع جارية على الفعل . وقرأ ابن مسعود : «موصدة بعمد ممدّدة » ، وقال ابن زيد : المعنى في عمد حديد مغلولين بها ، والكل من نار . وقال أبو صالح : هذه النار هي في قبورهم ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي : «عُمُد » بضم العين والميم ، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بفتحهما ، وقرأ الجمهور : «ممددةٍ » بالخفض على نعت العمد ، وقرأ عاصم : «ممددة » بالرفع على اتباع { موصدة }{[11984]} .
وقوله : { في عمد ممددة } حال : إما من ضمير { عليهم } أي في حال كونهم في عَمَد ، أي موثوقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فَلْقَة ذاتِ ثَقب يدخل في رجله أو في عنقه كالقرام . وإمّا حال من ضمير { إنها } ، أي أن النار الموقدة في عمد ، أي متوسطة عَمداً كما تكون نار الشواء إذ توضع عَمَد وتجعل النار تحتها تمثيلاً لأهلها بالشواء .
و { عمد } قرأه الجمهور بفتحتين على أنه اسم جمع عمود مثل : أديم وأدم . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف « عُمَد » بضمتين وهو جمع عمود ، والعمود : خشبة غليظة مستطيلة .
والممدَّدة : المجعولة طويلة جدّاً ، وهو اسم مفعول من مدده ، إذا بالغ في مده ، أي الزيادة فيه .
وكل هذه الأوصاف تقوية لتمثيل شدة الإِغلاظ عليهم بأقصى ما يبلغه متعارف الناس من الأحوال .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
طبقت الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } ... اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛
فقال بعضهم : إنها عليهم مُؤصدة بعمد ممدّدة : أي مغلقة مطبقة عليهم ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنما دخلوا في عمد ، ثم مدّت عليهم تلك العمد بعماد ...
وقال آخرون : هي عَمَد يعذّبون بها ...
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : معناه أنهم يعذّبون بعمد في النار ، والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها ، ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها ، ولا وُضِعَ لنا عليها دليل ، فندرك به صفة ذلك ، فلا قول فيه ، غير الذي قلنا يصحّ عندنا ، والله أعلم .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والمعنى : أنه يؤكد يأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد ، فتؤصد عليهم الأبواب ، وتمدد على الأبواب العمد ، استيثاقاً في استيثاق . ويجوز أن يكون المعنى : إنها عليهم مؤصدة ، موثقين في عمد ممدّدة ، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص . ...
.........................................................
المسألة الثانية : العمود كل مستطيل من خشب أو حديد ، وهو أصل للبناء ، يقال : عمود البيت للذي يقوم به البيت .
المسألة الثالثة : في تفسير الآية وجهان ؛
( الأول ) : أنها عمد أغلقت بها تلك الأبواب كنحو ما تغلق به الدروب ، وفي بمعنى الباء أي أنها عليهم مؤصدة بعمد مدت عليها ، ولم يقل : بعمد لأنها لكثرتها صارت كأن الباب فيها .
( والقول الثاني ) : أن يكون المعنى : { إنها عليهم مؤصدة } حال كونهم موثقين : { في عمد ممددة } ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ في } أي حال كونهم موثقين في { عمد } بفتحتين وبضمتين جمع عمود { ممددة } أي معترضة ، كأنها موضوعة على الأرض ، فهي في غاية المكنة ، فلا يستطيع الموثق بها على نوع حيلة في أمرها ، فهو تأكيد ليأسهم من الخروج بالإيثاق بعد الإيصاد ، وهذا أعظم الويل ، وأشد النكال ، فقد رجع آخرها على أولها ، وكان لمفصلها أشد التحام بموصلها ، ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
والمراد بذلك تصوير شدة إطباق النار على هؤلاء وإحكامها عليهم ، والمبالغة في ذلك ليودع في قلوبهم اليأس من الخلاص منها . وعلينا أن نؤمن بذلك ولا نبحث عن كون العمد من نار أو حديد ، ولا في أنها تمتد طولا أو عرضا ، ولا في أنها مشبهة لعمد الدنيا ؛ بل نكل أمر ذلك إلى الله ؛ لأن شأن الآخرة غير شأن الدنيا ، ولم يأتنا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم يبين ذلك ، فالكلام فيه قول بلا علم ، وافتراء على الله الكذب . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وكل هذه الأوصاف تقوية لتمثيل شدة الإِغلاظ عليهم بأقصى ما يبلغه متعارف الناس من الأحوال .
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذه هي الصورة البائسة التي يعيش فيها هؤلاء الأغنياء الطغاة الذين استكبروا على رسالات الله ، فكفروا بها ، وكذبوا الرسل الذين جاءوا بها ... إنها صورة المصير الذليل الذي يريد الله أن يقدّمه إليهم ، وإلى الذين يريدون أن يقتدوا بهم ، ليتراجعوا عن ذلك ، فينفتحوا على الله ، وعلى الجانب الخيّر من الحياة ، في ما يؤكده الله من السير على الصراط المستقيم في ذلك كله . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.