محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۭ} (9)

{ في عمد ممددة } صفة لمؤصدة ، أو حال من الضمير المجرور ، وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله : والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج ، وتيقنهم بحبس الأبد ، فتؤصد عليهم الأبواب ، وتمدد على العمد استيثاقا ، ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة ، موثقين في عمد ممددة ، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص .

و ( المقاطر ) جمع ( مقطرة ) بالفتح ، وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم ، و ( تقطر ) أي يجعل كل بجنب آخر ، و { عمد } قرىء بضم العين والميم وفتحهما .

وقال ابن جرير : وهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، ولغتان صحيحتان ، والعرب تجمع العمود عمدا وعمدا بضم الحرفين وفتحهما كما تفعل في جمع إهاب ، تجمعه أهبا وأهبا .

تنبيه : قال القاشاني في بيان آفات رذيلتي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة ما مثاله : الهمز -أي الكسر من أعراض الناس- واللمز -أي الطعن فيهم- رذيلتان مكربتان من الجهل والغضب والكبر ؛ لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس ، وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ، ولا يجد في نفسه فضيلة يرتفع بها فينسب العيب والرذيلة إليهم ، ليظهر فضله عليهم ، ويشعر أن ذلك عين الرذيلة ، فهو مخدوع من نفسه وشيطانه ، موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية .

ثم قال : وفي قوله تعالى { وعدده } إشارة أيضا إلى الجهل ؛ لأن الذي جعل المال عدة للنوائب لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب ؛ لاقتضاء حكمة الله تفريقه في النائبات ، فكيف يدفعها ؟ وكذا في قوله { يحسب أن ماله أخلده } أي لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية ، لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية ، ولكنه مخدوع بطول الأمل ، مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل ، والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية أصل جمع الرذائل ومستلزم لها ، فلا جرم أنه يستحق صاحبه المغمور فيها العذاب الأبدي المستولي على القلب المبطل لجوهره .