تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۭ} (9)

{ في عمد ممددة } آية يقول : طبقت الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد .

ختام السورة:

وأيضا { لكل همزة لمزة } ، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام ، وأما اللمزة ، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره ، وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلا نماما ، وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة ، وأن يستهزئ بالناس ، وذلك أنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا } [ المدثر :11 ، 12 ] ، وكان له حديقتان ، حديقة بمكة ، وحديقة بالطائف ، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا ، فذلك قوله :{ مالا ممدودا وبنين شهودا } [ المدثر : 12 ، 13 ] ، يعني أرباب البيوت ، وكان له سبعة بنين ، قال :{ ومهدت له شهودا } [ المدثر :14 ] ، يقول : بسطت له في المال كل البسط ، { ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا } [ المدثر :15 ، 16 ] ، قال : والله قسمت مالي يمينا وشمالا على قريش ما دمت حيا ما فني ، فكيف تعدني الفقر ؟ قال : أما والله ، إن الذي أعطاك ، قادر على أن يأخذه منك ، فوقع في قلبه من ذلك شيء ، ثم عمد إلى ماله فعده ، ما كان ذهب أو فضة ، أو أرض ، أو حديقة ، أو رقيق ، فعده وأحصاه .

فقال : يا محمد تعدني الفقر والله لو كان هذا خبزا ما فني ، فأنزل الله عز وجل :{ ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا } لا يخلده ، ثم استأنف ، فقال :{ لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة } تعظيما لها ، فقال :{ إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة } وذلك أن الشقي إذا دخل النار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة ، وهي باب من أبواب جهنم ، وهي نار تأكل النار من شدة حرها ، وما خمدت من يوم خلقها الله عز وجل إلى يوم يدخلها ، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته ، فتحرق الجلد واللحم والعصب والعظم ، ولا تحرق القلب ولا العين ، وهو ما يعقل به ويبصر ، فذلك قوله تعالى :{ التي تطلع على الأفئدة } ثم تلا : ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ، يقول : ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان ، ثم قال :{ إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة } وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى ، وهي جهنم ، قال أهل تلك السبعة الأبواب ، وهي أسفل درك من النار ، لأهل الباب السادس :{ ما سلككم في سقر } يقول : ما أدخلكم في سقر ، { قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر :42 ، 44 ] إلى آخر الآيات ، ثم يقولون : تعالوا حتى نجزع ، فيجزعون حقبا من الدهر فلا ينفعهم شيئا ، ثم يقولون : تعالوا حتى نصرخ ، فيصرخون حقبا من الدهر ، فلا يغني عنهم شيئا ، فيقولون : تعالوا حتى نصبر ، فلعل الله عز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا ، فيصبرون حقبا من الدهر ، فلا يغني عنهم شيئا ، فيقولون :{ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } [ إبراهيم :21 ] ، ثم ينادون :{ أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } [ المؤمنون :107 ] ، فينادى رب العزة من فوق العرش :{ اخسئوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون :108 ] ، فتصم آذانهم ويختم على قلوبهم ، وتغلق عليهم أبوابها ، فيطبق كل واحد على صاحبه ، بمسامير من حديد من نار كأمثال الجبال ، فلا يلج فيها روح ، ولا يخرج منها حر النار ، ويأكلون من النار ، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق ، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ، ورحمته .