الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۭ} (9)

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { إنها عليهم مؤصدة } قال : مطبقة .

{ في عمد ممددة } قال : عمد من نار .

وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ { في عمد } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قرأ : «بعمد ممددة » قال : وهي الأدهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { في عمد } قال : الأبواب .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { في عمد ممددة } قال : أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم السلاسل ، فسدت بها الأبواب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية { في عمد } قال : عمد من حديد في النار .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { في عمد } قال : كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح { في عمد ممددة } قال : القيود الطوال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : من قرأها { في عمد } فهو عمد من نار ، ومن قرأها { في عمد } فهو حبل ممدود .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام : يا حنان يا منان ، فيقول رب العزة لجبريل : أخرج عبدي من النار ، فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع ، فيقول : يا رب { إنها عليهم مؤصدة } فيقول : يا جبريل ، فكها واخرج عبدي من النار ، فيفكها ويخرج مثل الفحم فيطرحه على ساحل الجنة ، حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ، ثم ماتوا عليها ، فهم في الباب الأول من جهنم لا تسود وجوههم ، ولا تزرق أعينهم ، ولا يغلون بالأغلال ، ولا يقرنون مع الشياطين ، ولا يضربون بالمقامع ، ولا يطرحون في الأدراك . منهم من يمكث فيها ساعة ، ومنهم من يمكث يوماً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث شهراً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج ، وأطولهم مكثاً فيها مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت ، وذلك سبعة آلاف سنة ، ثم إن الله عز وجل إذا أراد أن يخرج الموحدين منها قذف في قلوب أهل الأديان ، فقالوا لهم : كنا نحن وأنتم جميعاً في الدنيا فآمنتم وكفرنا ، وصدقتم وكذبنا ، وأقررتم وجحدنا ، فما أغنى ذلك عنكم ، نحن وأنتم فيها جميعاً سواء ، تعذبون كما نعذب ، وتخلدون كما نخلد ، فيغضب الله عند ذلك غضباً لم يغضبه من شيء فيما مضى ، ولا يغضب من شيء فيما بقي ، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين الجنة والصراط يقال لها نهر الحياة ، فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ما يلي الظل منها أخضر ، وما يلي الشمس منها أصفر ، ثم يدخلون الجنة فيكتب في جباههم عتقاء الله من النار ، إلا رجلاً واحدا ، فإنه يمكث فيها بعدهم ألف سنة ، ثم ينادي : يا حنان يا منان ، فيبعث الله إليه ملكاً ليخرجه فيخوض في النار في طلبه سبعين عاماً لا يقدر عليه ، ثم يرجع فيقول : يا رب ، إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلاناً من النار ، وإني طلبته في النار منذ سبعين سنة فلم أقدر عليه ، فيقول الله عز وجل : انطلق فهو في وادي كذا وكذا تحت صخرة فأخرجه . فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة ، ثم إن الجهنميين يطلبون إلى الله أن يمحي ذلك الاسم عنهم ، فيبعث الله إليهم ملكاً فيمحو عن جباههم ، ثم إنه يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين : اطلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ، ويرى أخاه ، ويرى جاره ، ويرى صديقه ، ويرى العبد مولاه ، ثم إن الله عز وجل يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ، ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فيطبق عليهم بتلك الأطباق ، وتسمر بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، ولا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ، ولا يخرج منه غم ، وينساهم الجبار على عرشه ، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ، ولا يستغيثون بعدها أبداً ، وينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيراً وشهيقاً ، فذلك قوله : { إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة } » يقول : مطبقة . والله أعلم .