المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

170- وقد اعتاد الضالون عن سبيل الهدى أن يتمسكوا بما توارثوا عن آبائهم في العقيدة والعمل ، وإذا دعوا إلى ما جاء من هدى الله قالوا : لا نعدل عما وجدنا عليه آباءنا ، ومن أكبر الجهل ترجيح اتباع طاعة الآباء على إطاعة الله واتباع هداه ، فكيف إذا كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً من الدين ولا يستنيرون بنور الهداية والإيمان ؟

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

وبعد أن نهى - سبحانه - الناس عن اتباع خطوات الشيطان ، وبين لهم مظاهر عداوته لهم ، أردف ذلك ببيان حال طائفة من الناس لم يستمعوا لهذا النصح ، بل اتبعوا خطوات الشيطان فقلدوا آباءهم في الشرك والجهالة فقال - تعالى - :

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا . . . }

أي : وإذا قيل لأولئك الذين اقتفوا خطوات الشيطان ، وقالوا على الله بدون علم ولا برهان ، إذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله من قرآن ، أعرضوا عن ذلك وقالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة الأصنام والخضوع للرؤساء .

فالضمير في قوله - تعالى - : { لَهُمُ } يعود على طائفة ممن شملهم الخطاب بقوله - تعالى - في الآية السابقة : { ياأيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان } وهم الذين لم يستجيبوا لنداء الله بل ساروا في ركب الشيطان ، واقتفوا آثاره ، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله } . القائل لهم ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون .

والمراد به أنزل الله : القرآن الكريم ، وما أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من هدايات . وعدل - سبحانه - من خطابهم إلى الغيبة للتنبيه على أنهم لرفرط جهلهم وحمقهم صاروا ليسوا أهلا للخطاب ، بل ينبغي أن يصرف عنهم إلى من يعقله .

و { بَلْ } في قوله - تعالى : { بَلْ نَتَّبِعُ } للإضراب الإبطالي ، أي : أضربوا عن قول الرسول لهم { اتبعوا مَآ أَنزَلَ } إضراب إعراض بدون حجة ، إلا بأنه مخالف لما ألفوا عليه آباءهم من أمور الشرك والضلال .

وقوله - تعالى - : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } رد عليهم ، وبيان لبطلان الاعتماد في الدين على مجرد تقليد الآباء .

والهمزة للاستفهام الإِنكاري ، والواو للحال ، والمعنى : أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم والحال أن آباءهم لا يعقلون شيئاً من أمور الدين الصحيح ، ولا يهتدون إلى طريق الصواب .

قال الآلوسي : وفي الآية دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر ، وأما اتباع الغير في الدين بعد العلم - بدليل ما - أنه محق فاتباع في الحقيقة لما أنزل الله - تعالى - وليس من التقليد المذموم في شيء وقد قال - سبحانه - { فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

يقول تعالى : { وَإِذَا قِيلَ } لهؤلاء الكفرة من المشركين : { اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ } على رسوله ، واتركوا ما أنتم فيه{[3054]} من الضلال والجهل ، قالوا في جواب ذلك : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا } أي : وجدنا { عَلَيْهِ آبَاءَنَا } أي : من عبادة الأصنام والأنداد . قال الله تعالى منكرًا عليهم : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } أي : الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم { لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ } أي : ليس لهم فهم ولا هداية ! ! .

وروى ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنها نزلت في طائفة من اليهود ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا . فأنزل الله هذه الآية .


[3054]:في أ: "ما أنتم عليه".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله } الضمير للناس ، وعدل بالخطاب عنهم للنداء على ضلالهم ، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم : انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون . { قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } ما وجدناهم عليه نزلت في المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات ، فجنحوا إلى التقليد . وقيل في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنهم كانوا خير منا وأعلم . وعلى هذا فيعم ما أنزل الله التوراة لأنها أيضا تدعو إلى الإسلام . { أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } الواو للحال ، أو العطف . والهمزة للرد والتعجيب . وجواب { لو } محذوف أي لو كان آباؤهم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين ، ولا يهتدون إلى الحق لاتبعوهم . وهو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد . وأما اتباع الغير في الدين إذا علم بدليل ما أنه محق كالأنبياء والمجتهدين في الأحكام ، فهو في الحقيقة ليس بتقليده بل اتباع لما أنزل الله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( 170 )

وقوله تعالى : { وإذا قيل لهم } يعني كفار العرب ، وقال ابن عباس : نزلت في اليهود ، وقال الطبري : الضمير في { لهم } عائد على الناس من قوله { يا أيها الناس كلوا } ، وقيل : هو عائد على { من } في قوله :{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً }( {[1541]} ) [ البقرة : 165 ] ، و { اتّبعوا } معناه بالعمل والقبول ، و { ما أنزل الله } هو القرآن والشرع ، و { ألفينا } معناه وجدنا ، قال الشاعر( {[1542]} ) : [ المتقارب ]

فَأَلْفَيْتَهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ . . . وَلاَ ذاكر اللَّهِ إلاّ قَليلا

والألف في قوله { أوَلو } للاستفهام ، والواو لعطف جملة كلام على جملة ، لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون ، فقرروا على التزامهم هذا إذ هذه حال آبائهم .

وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التقليد ، وأجمعت الأمة على إبطاله في العقائد( {[1543]} ) .


[1541]:- والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم دعاهم من الكفر إلى الإيمان، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله مرة بعد مرة فكان من آكد متمسكاتهم التّأسي بالآباء وذلك من اتباع الأهواء.
[1542]:- هو أبو الأسود الدؤلي كما في الكتاب لسيبويه مستشهدا به على حذف التنوين من (ذاكر) لالتقاء الساكنين.
[1543]:- من الناس من ذكر الخلاف في ذلك كالإمام ابن العربي المعافري.