{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ } اختلفوا في وجه هذه الآية ، قال بعضهم : إنّها قصّة مستأنفة وأنّها نزلت في اليهود على هذا القول تكون الهاء والميم في قوله : { لَهُمُ } كناية عن غير مذكور .
وروى محمّد بن إسحاق بن يسار عن محمّد بن أبي محمّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبّهم فيه وحذّرهم عذاب الله ونقمته فقال له نافع بن خارجة ومالك بن عوف { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } فهم كانوا خيراً واعلم منّا فأنزل الله هذه الآية ، وقال قوم : بل هذه الآية صلة بما قبلها وهي نازلة في مشركي العرب وكفّار قريش واختلفوا فيه فقال الضّحاك عن ابن عبّاس : فإذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل الله يعني كفّار قريش من بني عبد الدّار ، قالوا : بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأصنام .
فقال الله { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً } من التوحيد ومعرفه الرحمن { وَلاَ يَهْتَدُونَ } للحجّة البالغة وعلى هذا القول تكون الهاء والميم عائدة على من في قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً } [ البقرة : 165 ] وقال الآخرون : إذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرّموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والسائبة والوصيلة والبحيرة والحام وسائر الشرائع والأحكام { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا } وجدنا عليه آباؤنا من التحريم والتحليل والدّين والمنهاج وعلى هذا القول تكون الهاء والميم راجعة إلى النّاس في قوله تعالى : { يأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } [ البقرة : 168 ] .
ويكون الرجوع عن الخطاب إلى الخبر ، كقوله { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [ يونس : 22 ] وهذا أولى الأقاويل لأنّ هذه القصّة عقب قوله { يأَيُّهَا النَّاسُ } فهو أولى أن يكون خبراً عنهم من أن يكون خبراً عن المتخذين الأنداد بما فيهما من الآيات لطول الكلام .
وادغم علي بن حمزة الكسائي لام هل وبل في ثمانية أحرف التاء كقوله { بَلْ تُؤْثِرُونَ } [ الأعلى : 16 ] و { هَلْ تَعْلَمُ } [ مريم : 65 ] والثاء كقوله { هَلْ ثُوِّبَ } [ المطففين : 36 ] ، والسين في قوله { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ } [ يوسف : 18 ] ، والزاي كقوله { بَلْ زُيِّنَ } [ الرعد : 33 ] ، والضاد كقوله { بَلْ ضَلُّواْ } [ الأحقاف : 28 ] ، والظاء كقوله { بَلْ ظَنَنْتُمْ } [ الفتح : 12 ] والطاء كقوله { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ } [ النساء : 155 ] ، والنون نحو قوله { بَلْ نَحْنُ } [ الواقعة : 67 ] [ القلم : 27 ] ، { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } وإنّما خصّ به لام هل وبل دون سائر اللامات : لأنّها ساكنة بتاً ، وسائر اللاّمات ساكنة بعلل متى ما زالت تلك العلل زال سكونها .
فقال الله { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } واو العطف ، ويُقال أيضاً واو التعجب دخلت عليها ألف الإستفهام للتوبيخ والتقرير ؛ فلذلك نصبت ، والمعنى يتبعون آباءهم وإن كانوا جهّالاً ، وترك جوابه لأنّه معروف .
قوله تعالى { لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً } لفظ عام ومعناه الخصوص لأنّهم كانوا يعقلون أمر الدُّنيا [ ومعناه ] لا يعقلون شيئاً من أمر الدّين ولا يهتدون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.