الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ } اختلفوا في وجه هذه الآية ، قال بعضهم : إنّها قصّة مستأنفة وأنّها نزلت في اليهود على هذا القول تكون الهاء والميم في قوله : { لَهُمُ } كناية عن غير مذكور .

وروى محمّد بن إسحاق بن يسار عن محمّد بن أبي محمّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عبّاس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ورغبّهم فيه وحذّرهم عذاب الله ونقمته فقال له نافع بن خارجة ومالك بن عوف { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } فهم كانوا خيراً واعلم منّا فأنزل الله هذه الآية ، وقال قوم : بل هذه الآية صلة بما قبلها وهي نازلة في مشركي العرب وكفّار قريش واختلفوا فيه فقال الضّحاك عن ابن عبّاس : فإذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل الله يعني كفّار قريش من بني عبد الدّار ، قالوا : بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأصنام .

فقال الله { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً } من التوحيد ومعرفه الرحمن { وَلاَ يَهْتَدُونَ } للحجّة البالغة وعلى هذا القول تكون الهاء والميم عائدة على من في قوله { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً } [ البقرة : 165 ] وقال الآخرون : إذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرّموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والسائبة والوصيلة والبحيرة والحام وسائر الشرائع والأحكام { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا } وجدنا عليه آباؤنا من التحريم والتحليل والدّين والمنهاج وعلى هذا القول تكون الهاء والميم راجعة إلى النّاس في قوله تعالى : { يأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } [ البقرة : 168 ] .

ويكون الرجوع عن الخطاب إلى الخبر ، كقوله { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [ يونس : 22 ] وهذا أولى الأقاويل لأنّ هذه القصّة عقب قوله { يأَيُّهَا النَّاسُ } فهو أولى أن يكون خبراً عنهم من أن يكون خبراً عن المتخذين الأنداد بما فيهما من الآيات لطول الكلام .

وادغم علي بن حمزة الكسائي لام هل وبل في ثمانية أحرف التاء كقوله { بَلْ تُؤْثِرُونَ } [ الأعلى : 16 ] و { هَلْ تَعْلَمُ } [ مريم : 65 ] والثاء كقوله { هَلْ ثُوِّبَ } [ المطففين : 36 ] ، والسين في قوله { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ } [ يوسف : 18 ] ، والزاي كقوله { بَلْ زُيِّنَ } [ الرعد : 33 ] ، والضاد كقوله { بَلْ ضَلُّواْ } [ الأحقاف : 28 ] ، والظاء كقوله { بَلْ ظَنَنْتُمْ } [ الفتح : 12 ] والطاء كقوله { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ } [ النساء : 155 ] ، والنون نحو قوله { بَلْ نَحْنُ } [ الواقعة : 67 ] [ القلم : 27 ] ، { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } وإنّما خصّ به لام هل وبل دون سائر اللامات : لأنّها ساكنة بتاً ، وسائر اللاّمات ساكنة بعلل متى ما زالت تلك العلل زال سكونها .

فقال الله { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } واو العطف ، ويُقال أيضاً واو التعجب دخلت عليها ألف الإستفهام للتوبيخ والتقرير ؛ فلذلك نصبت ، والمعنى يتبعون آباءهم وإن كانوا جهّالاً ، وترك جوابه لأنّه معروف .

قوله تعالى { لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً } لفظ عام ومعناه الخصوص لأنّهم كانوا يعقلون أمر الدُّنيا [ ومعناه ] لا يعقلون شيئاً من أمر الدّين ولا يهتدون .