بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله } ، أي اعملوا بما أنزل الله في القرآن من تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله . { قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } ، يعني ما وجدنا عليه آباءنا . قال الله تعالى : { أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } ، معناه أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالاً فيتابعوهم بغير حجة ؟ فكأنه نهاهم عن التقليد وأمرهم بالتمسك بالحجة . وهذه الواو مفتوحة وهي واو : { أَوَلَو } لأنها واو العطف أدخلت عليها ألف التوبيخ وهي ألف الاستفهام .

قرأ أبو عمرو ومن تابعه من أهل البصرة : { وَقَالَ الذين اتبعوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كذلك يُرِيهِمُ الله أعمالهم حسرات عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار } [ البقرة : 167 ] بكسر الهاء والميم ، وكذلك في كل موضع تكون الهاء والميم بعدهما ألف ولام . مثل قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يا موسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [ البقرة : 61 ] { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الحجر : 3 ] . وكان عاصم وابن عامر ونافع يقرؤون بكسر الهاء وضم الميم . وكان حمزة والكسائي يقرآن : بضم الهاء والميم . وكان ابن كثير يقرأ : { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } بضم الميم ، وكذلك { إِنَّمَا يَأْمُرُكُم } ؛ وكذلك كل ميم نحو هذا مثل : { صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين } [ الفاتحة : 7 ] ، { خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أبصارهم غشاوة وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } [ البقرة : 7 ] . وكان نافع في رواية ورش عنه يقرأ : سكون الميم ، إلا أن يستقبله ألف أصلية فيضم الميم مثل قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] { وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ليعلموا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } [ الكهف : 21 ] ، { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } [ نوح : 14 ] . وكان حمزة والكسائي يقرؤون بسكون الميم ، إلا أن يستقبله ألف ولام مثل قوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يا موسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة وَباءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [ البقرة : 61 ] .

وأما قوله : { يا أيها الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض حلالا طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ البقرة : 168 وغيرها ] كان نافع وأبو عمرو وحمزة وعصام في رواية أبي بكر يقرؤون { خطوات } بجزم الطاء . وقرأ الكسائي وابن كثير وعاصم في رواية حفص : { خطوات } بضم الطاء ؛ وهما لغتان ومعناهما واحد .