اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

الضمير في " لَهُمْ " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه يعود على " مَنْ في قوله { مَن يَتَّخِذُ } [ البقرة : 165 ] .

الثاني : قال بعض المفسِّرين : نزلت في مشركي العرب ، فعلى هذا : الآية متَّصلة بما قبلها ، ويعود الضمير عليهم ؛ لأنَّ هذا حالهم .

الثالث : أنه يعود على اليهود ؛ لأنَّهم أشدُّ الناس اتِّباعاً لأسلافهم .

روي عن ابن عبَّاس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام ، فقال رافع بن خارجة ، ومالك بن عوفٍ : " بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ فهم كانوا خيراً منَّا ، وأَعْلَمَ منَّا " فأنزل الله هذه الآية الكريمة{[2262]} .

وقال بعضهم : هذه قصَّةٌ مستأنفةٌ ، والهاء والميم في " لَهُمْ " كناية عن غير مذكور .

الرابع : أنه يعود على " النَّاس " في قوله " يَأَيُّهَا النَّاسُ " قاله الطبريُّ ، وهو ظاهرٌ إلاَّ أن ذلك من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وحكمته : أنَّهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجَّب من فعله ، حيث دعي إلى شريعة الله تعالى والنُّور والهدى ، فأجاب باتِّباع شريعة أبيه .

قوله : " بَلْ نَتَّبعُ " " بَلْ " ههنا : عاطفةٌ هذه الجملة على جملة محذوفةٍ قبلها ، تقديره : " لا نَتَّبعُ ما أَنْزَلَ اللَّهُ ، بل نَتَّبعُ كذا " ولا يجوز أن تكون معطوفةً على قوله : " اتَّبعوا " لفساده ، وقال أبُو البَقَاءِ{[2263]} : " بل " هنا للإضراب [ عن الأوَّل ، أي : " لاَ نَتَّبعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " ، وليس بخروج من قصَّة إلى قصَّة ، يعني بذلك : أنه إضراب إبطال ]{[2264]} ، لا إضراب انتقالٍ ؛ وعلى هذا ، فيقال : كلُّ إضرابٍ في القرآن الكريم ، فالمراد به الانتقال من قصًّةٍ إلى قصَّةٍ إلاَّ في هذه الآية ، وإلاَّ في قوله : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ } [ السجدة : 3 ] ، فإنه محتملٌ للأمرين ؛ فإن اعتبرت قوله : " أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " ، كان إضراب انتقالٍ ، وإذا اعتبرت " افْتَرَاهُ " وحده ، كان إضراب إبطالٍ .

والكسائيُّ{[2265]} يدغم لام " هَلْ " و " بَلْ " في ثمانية أحرفٍ :

التاء ؛ كقوله : { بَلْ تُؤْثِرُونَ } [ الأعلى : 16 ] والنُّون : " بَلْ نَتَّبعُ " والثَّاء " { هَلْ ثُوِّبَ } [ المطففين : 36 ] والسِّين :

{ بَلْ سَوَّلَتْ } [ يوسف : 18 ] ، والزَّاي :

{ بَلْ زُيِّنَ } [ الرعد : 33 ] ، والضَّاد :

{ بَلْ ضَلُّواْ } [ الأحقاف : 28 ] والظَّاء :

{ بَلْ ظَنَنتُمْ } [ الفتح : 12 ] والطَّاء :

{ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ } [ النساء : 155 ] ، وأكثر القرَّاء على الإظهار ، ووافقه حمزة في التاء والسين ، والإظهار هو الأصل .

قوله : " أَلْفَيْنَا " في " أَلْفَى " هنا قولان :

أحدهما : أنَّها متعدِّية إلى مفعولٍ واحدٍ ، لأنها بمعنى " وَجَدَ " التي بمعنى " أَصَابَ " ؛ بدليل قوله في آية أخرى : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا } [ لقمان : 21 ] وقوله : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ }

[ يوسف : 35 ] وقولهم : { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } [ الصافات : 69 ] ، فعلى هذا : يكون " عَلَيْهِ " متعلِّقاً بقوله : " أَلْفَيْنَا " .

والثاني : أنها متعدِّية إلى اثنين .

أولهما : " آبَاءَنَا " ، والثاني : " عَلَيهِ " ، فقُدِّم على الأول .

وقال أبو البقاء{[2266]} - رحمه الله - : [ " هي محتملةٌ للأمرين - أعني كونها متعدِّية لواحد أو لاثنين " - ؛ قال أبو البقاء : ]{[2267]} و " لامُ " أَلْفَيْنَا " واوٌ ؛ لأن الأصل فيما جُهل من اللاَّمات أن تكون واواً ، يعني : فإنه أوسع وأكثر ؛ فالرَّدُّ إليه أولى .

ومعنى الآية : أنَّ الله - تبارك وتعالى - أمرهم بأن يتَّبعوا ما أنزل الله في تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من الحرث ، والأنعام ، والبحيرة ، والسَّائبة . أو ما أنزل الله من الدَّلائل الباهرة ، قالوا : لا نتَّبع ذلك ، وإنما نتبع آباءنا ، وأسلافنا ، فعارضوه بالتَّقليد ، فأجابهم الله تعالى بقوله : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } ، فالهمزة في " أَوَلَوْ " للإنكار ، وأما الواو ، [ ففيها قولان :

أحدهما - قاله الزمخشريُّ - : أنَّها واو الحال .

والثاني - قال به أبو البقاء{[2268]} ، وابن عطيَّة - : أنَّها للعطف ، وقد تقدَّم الخلاف في هذه الهمزة الواقعة قبل " الواو " و " الفاء " و " ثُمَّ " ، هل ]{[2269]} بعدها جملة مقدَّرةٌ ، وهو رأي الزمخشري ؛ ولذلك قدَّر ههنا : " أَيَتَّبِعُونَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً مِنَ الدِّينِ ، وَلاَ يَهْتَدُونَ لِلصَّوَابِ ؟ " أو النية بها التأخير عن حرف العطف ؟

وقد جمع أبو حيَّان بين قول الزمخشريِّ ، وقول ابْنِ عَطيَّة ، فقال{[2270]} : والجمع بينهما : أنَّ هذه الجملة المصحوبة ب " لَوْ " في مثل هذا السِّياق جملةٌ شرطيةٌ ، فإذا قال : " اضْرِبْ زَيْداً ، وَلَوْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ " ، فالمعنى : " وَإِنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ " وكذلك : " أَعْطُوا السَّائِلَ ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَس{[2271]} " " رُدُّوا السَّائِلَ ، وَلَوْ بِشِقَّ تَمْرَةٍ{[2272]} " ، المعنى فيهما " وإِنْ " وتجيء " لَوْ " هنا ؛ [ تنبيهاً ] على أنَّ ما بعدها لم يكن يناسب ما قبلها ، لكنَّها جازت لاستقصاء الأَحوال التي يقع فيها الفعل ، ولتدلَّ على أن المراد بذلك وجود الفعل في كلِّ حالٍ ؛ حتَّى في هذه الحال الَّتي لا تناسب الفعل ؛ ولذلك لا يجوز : " اضْرِبْ زَيْداً ، وَلَوْ أَسَاءَ إِلَيْكَ " ، ولا " أَعْطُوا السَّائِلَ ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجاً " فإذا تقرَّر هذا ، فالواو في " وَلَوْ " في الأمثلة التي ذكرناها عاطفةٌ على حالٍ مقدَّرة ، والمعطوف على الحال حالٌ ؛ فصحَّ أن يقال : إنَّها للحال من حيث عطفها جملةً حاليَّةً على حالٍ مقدَّرةٍ ، وَصَحَّ أن يقال : إنَّها للعطف من حيث ذلك العطف ، فالمعنى - والله أعلم - : أنها إنكارُ اتِّبَاعِ آبائهم في كلِّ حالٍ ؛ حتى في الحالة الَّتي لا تناسب أن يتبعوهم فيها ، وهي تلبُّسهم بعدم العقل والهداية ؛ ولذلك لا يجوز حذف هذه الواو الداخلة على " لَوْ " إذا كانت تنبيهاً على أنَّ ما بعدها لم يكن مناسباً ما قبلها ، وإن كانت الجملة الحاليَّةُ فيها ضميرٌ عائدٌ على ذي الحال ؛ لأنَّ مجيئها عاريةً من هذه الواو مؤذنٌ بتقييد الجملة السَّابقة بهذه الحال ، فهو ينافي استغراق الأحوال ؛ حتى هذه الحال ، فهما معنيان مختلفان ؛ ولذلك ظهر الفرق بين : " أَكْرِمْ زَيْداً ، لَوْ جَفَاكَ " ، وبين : " أَكْرِمْ زَيْداً ، وَلَوْ جَفَاكَ " . انتهى . وهو كلامٌ حسنٌ .

وجواب " لو " محذوفٌ ، تقديره : " لاَتَّبَعُوهُمْ " وقدره أبو البَقَاءِ{[2273]} : " أفكَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ ؟ " وهي تفسير معنًى لأن " لَوْ " لا تجاب بهمزة الاستفهام ، قال بعضهم : ويقال لهذه الواو أيضاً واو التَّعَجُّب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ{[2274]} .

فصل في بيان " معنى التقليد "

قال القرطبيُّ{[2275]} : التقليد عند العلماء : " حقيقةُ قَبُولِ قَوْلٍ بلا حُجَّةٍ " ؛ وعلى هذا فمن قبل قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم من غير نظرٍ في معجزته ، يكون مقلِّداً ، وأمَّا من نظر فيها ، فلا يكون مقلِّداً .

وقيل : " هو اعتقادُ صٍحَّة فُتْيَا مَنْ لا يَعْلَم صحَّة قوله " ، وهو في اللُّغة مأخوذٌ من قلادة البعير ، تقول العرب : قلَّدت البعير ؛ إذا جعلت في عنقه حبلاً يقاد به ؛ فكأنَّ المقلِّد يجعل أمره كلَّه لمن يقوده حيث شاء ؛ ولذلك قال شاعرهم : [ البسط ]

891 - وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمُ *** ثَبْتَ الجَنَانِ بَأَمْرِ الحَرْبِ مُضْطَلِعا{[2276]}

فصل في المراد بالآية

والمعنى : " أَيَتَّبِعُونَ آباءَهُمْ ، وإن كانوا جُهَّالاً لا يَعْقِلُون شيئاً " ، لفظه عامٌّ ، ومعناه الخصوص ؛ لأنهم كانوا لا يعقلون كثيراً من أمور الدنيا ؛ فدلَّ هذا على أنهم لا يعقلون شيئاً من الدِّين ، ولا يهتدون إلى كيفيَّة اكتسابه .

وقوله " شيئاً " فيه وجهان :

أحدهما : أنه مفعول به ؛ فيعمُّ جميع المعقولات ؛ لأنَّها نكرةٌ في سياق النفي ، ولا يجوز أن يكون المراد نفي الوحدة ، فيكون المعنى : لا يعقلون شيئاً " بَلْ أَشْيَاءً من العَقْلِ " وقدَّم نفي العقل على نفي الهداية ؛ لأنَّه يصدر عنه جميع التصرُّفات .

الثاني : أن ينتصب على المصدريَّة ، أي : " لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً " .

فصل في تقرير هذا الجواب

في تقرير هذا الجواب وجوه :

الأوَّل : أنه يقال للمقلِّد : هل تعترف بأنَّ شرط جواز تقليد الإنسان : أن يعلم كونه مُحِقَّا ، أم لا ؟ فإن اعترفت بذلك ، لم تعلم جواز تقليده ، إلاَّ بعد أن تعلم كونه محقّاً ، فكيف عرفت أنه محقٌّ ؛ فإن عرفته بتقليدٍ آخر ، لزم التسلسل ، وإن عرفته بالعقل ، فذاك كافٍ ، ولا حاجة إلى التَّقليد ، وإن قلت : ليس من شرط جواز تقليده : أن يعلم كونه محقّاً ، فإذن : قد جوَّزت تقليده ، وإن كان مبطلاً ، فإذن : أنت على تقليدك لا تعلم أنَّك محقٌّ ، أم مبطل{[2277]} .

وثانيها : هب أن ذلك المتقدِّم كان عالماً بهذا إلاَّ أنَّا لو قدَّرنا أن ذلك المتقدِّم ما كان عالماً بذلك الشَّيء قطُّ ، ولا اختار فيه ألبتة مذهباً ، فأنت ماذا كنت تعمل ؟ فعلى تقدير أنك لا تعلم ذلك المتقدِّم ، [ ولا مذهبه ، كان لا بُدَ من العُدُول إلى النَّظَر فكذا ههنا .

وثالثها : أنك إذا قلَّدت من قبلك ، فذلك المتقدِّم ]{[2278]} : إن كان عرفه بالتقليد ، لزم إما الدَّور{[2279]} ، وإمَّا التسلسل{[2280]} ، وإن عرفه بالدليل ، وجب أن تطلب العلم بالدليل ، لا بالتَّقليد ، لأنَّك لو طلبته بالتقليد ، لا بالدَّليل ، مع أنَّ ذلك المتقدِّم طلبه بالدليل لا بالتقليد ، كنت مخالفاً له ، فثبت أن القول بالقليد يفضي ثبوته إلى نفيه ، فيكون باطلاً ، وإنَّما ذكرت هذه الآية الكريمة عقيب الزجر عن اتباع خطوات الشَّيطان ؛ تنبيهاً على أنه لا فرق بين متابعة وساوس الشيطان ، وبين متابعة التَّقليد ، وفيه أقوى دليلٍ على جوب النَّظَر ، والاستدلال ، وترك التَّعويل على ما يقع في الخاطر من غير دليلٍ ، أو على ما يقوله الغير من غير دليل .

فصل في بيان ما يستثنى من التَّقليد

قال القرطبيُّ : ذمَّ الله تعالى الكفَّار ؛ باتباعهم لآبائهم في [ الباطل ]{[2281]}واقتدائهم بهم في الكفر ، والمعصية ، وهذا الذَّمُّ في الباطل صحيحٌ ، وأما التقليد في الحقِّ ، فأصل من " أُصول الدِّين " ، وعصمة من عصم المسلمين ، يلجأ إليها الجاهل المقصِّر عن درك النَّظر ، واختلف العلماء - رضي الله عنهم - في جوازه في مسائل الأصول ، وأمَّا جوازه في مسائل الفروع ، فصحيحٌ .

فصل في وجوب التَّقليد على العامِّي

قال القرطبيُّ - رضي الله عنه - : فرض العامِّيِّ الذي لا يستقلُّ باستنباط الأحكام من أصولها ، لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ، ويحتاج إليه - أن يقصد أعلم من في زمانه ببلده ؛ فيسأله عن نازلته ، فيتمثَّل فيها فتواه ؛ لقوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] وعليه الاجتهاد في أعلم أهل زمانه بالبحث عنه ؛ حتى يتفق أكثر الناس عليه ، وعلى العالم أيضاً أن يقلِّد عالماً مثله في نازلةٍ خفي عليه وجه الدليل فيها .


[2262]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (3/305-306) وابن هشام في "السيرة" (2/ 200-201) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/306) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
[2263]:- ينظر الإملاء لأبي البقاء: 1/75.
[2264]:- سقط في ب.
[2265]:- ينظر تفسير الفخر الرازي: 5/6.
[2266]:- ينظر الإملاء لأبي البقاء: 1/75.
[2267]:- سقط في ب.
[2268]:- ينظر الإملاء لأبي البقاء: 1/75.
[2269]:- سقط في ب.
[2270]:- ينظر البحر المحيط: 1/655.
[2271]:- أخرجه أحمد (1/201) وأبو داود (1665) كتاب الزكاة باب حق السائل وأبو يعلى (12/154-155) رقم (6784) والبخاري في التاريخ (4/2/416) عن الحسين بن علي. وروي من حديث علي أخرجه أبو داود كتاب الزكاة باب حق السائل رقم (1666) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (285). ورواه الطبراني في "الصغير" والأوسط، عن الهرماس كما في مجمع الزوائد (3/101) وقال الهيثمي. وفيه عثمان بن فائد وهو ضعيف. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 216) من حديث أبي هريرة بلفظ (أعطوا السائل وإن جاء على فرس).
[2272]:- أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 923) كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في المسكين وأحمد (6/ 435) والنسائي (5/ 81) وأبو داود (2/126) والحاكم (1/417) وابن حبان (825-موارد) والبغوي في "شرح السنة" (6/175) وابن خزيمة (4/111) رقم (2472).
[2273]:- ينظر الإملاء لأبي البقاء: 1/75.
[2274]:- ينظر تفسير الفخر الرازي: 5/7.
[2275]:- ينظر تفسير القرطبي: 2/142.
[2276]:- ينظر القرطبي: 2/142.
[2277]:- ينظر تفسير الفخر الرازي: 5/7.
[2278]:- سقط في ب.
[2279]:- الدور ينقسم إلى: دور معي، ودور سبقي: الدور ينقسم إلى: دور معي، ودور سبقي: فمثال الأول: توقف تعقل الأبوة على تعقل البنوة، وبالعكس؛ فإذا تعقل ذات الأب بوصف كونه أبا يستلزم تعقل ذات الابن بوصف كونه ابنا، وكذلك العكس، وهذا القسم ليس بمستحيل؛ لأن الإضافة أمور اعتيارية لا وجود لها إلا في الأذهان. إنما المستحيل هو القسم الثاني؛ وهو الدور السبقي-وعرفوه: بأنه توقف وجود شيء على وجود شيء آخر، قد توقف هذا الشيء الآخر عليه، وينقسم إلى قسمين: دور مصرح، ودور مضمر؛ فالمصرح: ما كان التوقف فيه بمرتبة، أي: بواسطة واحدة؛ كما إذا فرضنا أن زيدا أوجد عمرا، وعمرا أوجد بكرا، فإن عمرا توسط بين زيد أولا، ونفسه ثانيا، وسمي مصرحا؛ لظهور التوقف فيه بمجر النظر، والمضمر ما كان التوقف فيه بمرتبتين فأكثر؛ كتوقف وجود زيد على عمرو، وعمرو على بكر، وبكر على زيد، وسمي مضمرا؛ لخفائه بالنسبة للمصرح، وهذا القسم الثاني بنوعيه مستحيل؛ لوجوه منها: لو توقف وجود كل منهما على وجود الآخر، للزم المع بين النقيضين، لكن الجمع بين النقيضين محال، فما أدى إليه- وهو توقف كل واحد على الآخر- محال؛ فبطل الدَّور. وجه الملازمة: أنه من المسلم ضرورة أن المؤثر متقدم وسابق على الأثر، والأثر متأخر في الوجود عن المؤثر. فإذا قيل: زيد أوجد عمرا، وعمرو أوجد زيدا، كان كل منهما متقدما لا متقدما، متأخرا لا متأخرا، مؤثرا لا مؤثرا، أثرا لا أثرا، موجودا إلا موجودا، وإنما لزم ذلك؛ لأن كلا منهما باعتبار الدور يكون علة ومعلولا، ولا شك أن هذا جمع بين النقيضين وهو محال، فما أدى إليه- وهو الدور-محال. ومنها: لو توقف كل منهما على الآخر، لافتقر الشيء إلى نفسه، لكن افتقار الشيء إلى نفسه محال، فما أدى إليه-وهو الدّور-محال. بيان الملازمة: أن لو توقف كل منهما على الآخر، لكان المتوقف مفتقرا إلى المتوقف عليه، وعلى اعتبار الدور يكون كل منهما مفتقرا إلى الآخر. وهذا يؤدي إلى افتقار الشيء لنفسه؛ لأن المفتقر للشيء مفتقر إلى ذلك الشيء، فلو افتقر بكر إلى أحمد، وقد فرض أن أحمد مفتقر إلى بكر- لكان بكر مفتقرا إلى نفسه، وافتقار الشيء إلى نفسه محال؛ لأن الافتقار نسبة بين شيئين: أحدهما يقال له: منسوب، والآخر: منسوب إليه، فيجب أن يكون بينهما تغاير. ونظرا لوضوح استحالة الدور، قال بعض المتكلمين: إن استحال الدور بديهية، وما يذكر لإثبات استحالته ليس دليلا، وإنما هو من باب التنبيه والضروري لا مانع من التنبيه عليه. - التسلسل: هو أن يستند الممكن في وجوده إلى علة مؤثرة، وتستند تلك العلة المؤثرة إلى علة أخرى مؤثرة، وهلم جرا إلى غير نهاية. وقد ذكر علماء الكلام عدة أدلة على بطلان التسلسل، نقتصر منها على برهان التطبيق؛ وحاصله: أن نفرض من معلول ما بطريق التصاعد إلى ما لا نهاية له جملة، ومما قبله بمتناه إلى غير متناه جملة، فيحصل غير متناهيتين: إحداهما زائدة على الأخرى بقدر متناه؛ مثلا: نفترض جملة من الآن إلى ما لا نهاية له في الأزل؛ وهذه تسمى الآنية، ثم نفرض من هذه السلسلة نفسها جملة أخرى، تبتدئ من الطوفان إلى ما نهاية له في الأول؛ وهذه تسمى الطوفانية، وبعد هذا الفرض نقابل أول فرد في السلسلة الطوفانية بأول فرد من السلسلة الآنية، ونستمر في باقي الأفراد هكذا إلى الأزل، فعند ذلك لا يخلو الحال عن واحد من أمرين: إما أن يتساويا، وإما أن يتفاوتا، فإن تساويا، لزم مساواة الزائد للناقص؛ وهو محال، فما أدى إليه-وهو التسلسل- محال، وإن تفاوتا وانتهت الناقصة، كان التفاوت بينهما بمقدار متناه؛ لأنه من الآن إلى الطوفان، والتفاوت بالتناهي يستلزم التناهي؛ فلا تسلسل؛ وذلك لأن الناقصة لما انقطعت، كانت متناهية، والزائدة لم تزد عليها إلا بذلك المقدار المبتدأ من المعلول الآخر إلى الطوفان، وهو التناهي؛ فيلزم التناهي لا محالة. وملخص هذا الدليل: أنه عند تطبيق إحدى السلسلتين إلى الأخرى إن فرض التساوي كان محالا، فما أدى إليه-وهو التسلسل- محال، وإن فرض التفاوت، فلا تسلسل أصلا؛ لأن كلا من السلسلتين قد انتهى، وقد أوردوا على هذا الدليل نقضين: الأول على فرض المساواة، والثاني على فرض التفاوت وحاصل الأول: لا نسلم إمكان المساواة حتى تفرض؛ لأن المتبادر من لفظ المساواة تماثل كل من السلسلتين في الحكم، بمعنى أن عدد أفراد إحدى السلسلتين يكون مساويا لعدد أفراد الأخرى، وهذا لا يتأتى هنا؛ لأن الموضوع أن السلسلة غير متناهية، والحكم بالتماثل في الحكم فرع انحصار الأفراد؛ فحينئذ لا يصح فرض التساوي. ويجاب عن ذلك: أن التساوي لا يتوقف على الانحصار؛ لأن معناه كون كل من السلسلتين اشتملت على ما اشتملت عليه الأخرى، وهذا المعنى يتحقق مع عدم التناهي. وحاصل الثاني: سلمان أن هناك تفاوتا بين السلسلتين، لكن لا نسلم التناهي؛ بدليل أنا إذا فرضنا جملتين من الأعداد: إحداهما من الواحد إلى ما لا نهاية له، والثانية من الثاني إلا ما لا نهاية له، ثم طبقنا إحداهما على الأخرى، ولا يلزم من ذلك التناهي؛ لأن الأعداد لا تتناهى، وكما يقال هذا في الأعداد، يقال في مقدورات الله تعالى ومعلوماته؛ فإن المعلومات أكثر عددا من المقدورات؛ لأن القدرة خاصة بالممكنات، فالمقدور هو الممكن فقط. والعلم يشمل الواجبات، والجائزات، والمستحيلات، فالمعلوم الممكن والواجب والمستحيل، ومع هذا التفاوت فلا تناهي؛ لأن مقدورات الله-تعالى- ومعلوماته لا تتناهى. ويجاب عن ذلك: بأن النقض بالأعداد لا يرد؛ لأن التطبيق المستدل به على بطلان التسلسل إنما اعتبر بين الأمور الموجودة، وهي المعلومات التي ضبطها وجود، وأما الأعداد فهي من قبيل الأمور الوهمية المحضة التي لا وجود لها في نفس الأمر، حتى يكون هناك جملتان تطبقان، فلا يصح النقض بها، وأما النقض بمعلومات الله-تعالى- ومقدوراته، فلا يرد أيضا؛ لأن عدم تناهي المقدورات عدم وقوفها عند حد فما من مقدور إلا ويتصور وراءه مقدور آخر، وأما الموجود من المقدورات فهو متناه قطعا، وكذلك المعلومات الوجودية متناهية قطعا؛ لأنه قد ضبطها وجود، وأما العدمية فهي بمعزل عن الدليل.
[2280]:?????
[2281]:في ب: أديانهم الباطلة.