تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

التقليد الأعمى

{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون( 170 ) } .

التفسير :

{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } .

وقد اعتاد الظالمون عن سبيل الهدى أن يتمسكوا بما توارثوا عن آبائهم في العقيدة والعمل ، وإذا دعوا إلى ما جاء من هدى الله قالوا لا نعدل عما وجدنا عليه آباءنا ، ومن أكبر الجهل ترجيح اتباع الآباء على طاعة الله واتباع هداه ، فكيف إذا كان آباءهم لا يعقلون شيئا من الدين ولا يستنيرون بنور الهداية والإيمان .

وسواء كان هؤلاء الذين تعنيهم الآية هم المشركون الذين تكرر منهم هذا القول كلما دعوا إلى الإسلام ، وإلى تلقي شرائعهم وشعائرهم منه ، وهجر ما ألفوه في الجاهلية مما لا يقره الإسلام . أو كانوا هم اليهود الذين كانوا يصرون على ما عندهم من مأثور آبائهم ويرفضون الاستجابة للدين الجديد جملة وتفصيلا . سواء أكان هؤلاء أم هؤلاء ، وسواء أقالوا ذلك بلسان المقال أم قالوه بلسان الحال ، فالآية تندد بتلقي شيء في أمر العقيدة من غير الله ، وتندد بالتقليد في هذا الشأن والنقل بلا تعقل ولا إدراك .

والآية عامة تشمل كل أهل الباطل المقلدين لغيرهم فيه .

والتقليد في الباطل مذموم ، أما التقليد لأهل العلم الأمناء في الحق فهو كما قال القرطبي فرض على العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها فيما يحتاج إليه ، مما لا يعلمه من أمر دينه عملا بقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } . ( النحل : 43 ) .

وتعتبر هذه الآيات مصدرا لتكوين الشخصية المستقلة الجديرة بالمسلم بحيث لا يكون إمعة ، أو تابعا لسواه دون روية أو تفكير .

***