قوله تعالى :{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألقينا علينا آباءنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } .
اعلم أنهم اختلفوا في الضمير في قوله : { لهم } على ثلاثة أقوال أحدها : أنه عائد على { من } في قوله : { من يتخذ من دون الله أندادا } وهم مشركو العرب ، وقد سبق ذكرهم وثانيها : يعود على { الناس } في قوله : { يا أيها الناس } فعدل عن المخاطبة إلى المغايبة على طريق الإلتفات مبالغة في بيان ضلالهم ، كأنه يقول للعقلاء : انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون وثالثها : قال ابن عباس : نزلت في اليهود ، وذلك حين دعاهم رسول الله إلى الإسلام ، فقالوا : نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا خير منا ، وأعلم منا ، فعلى هذا الآية مستأنفة ، والكناية في { لهم } تعود إلى غير مذكور ، إلا أن الضمير قد يعود على المعلوم ، كما يعود على المذكور ، ثم حكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا { بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الكسائي يدغم لام { هل } و { بل } في ثمانية أحرف : التاء كقوله { بل تؤثرون } والنون { بل نتبع } والثاء { هل ثوب } والسين { بل سولت } والزاي { بل زين } والضاد { بل ضلوا } والظاء { بل ظننتم } والطاء { بل طبع } وأكثر القراء على الإظهار ، ومنهم من يوافقه في البعض ، والإظهار هو الأصل .
المسألة الثانية : { ألفينا } بمعنى وجدنا ، بدليل قوله تعالى في آية أخرى { بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } ويدل عليه أيضا قوله تعالى : { وألفيا سيدها لدى الباب } وقوله : { إنهم ألفوا آباءهم ضالين } .
المسألة الثالثة : معنى الآية : أن الله تعالى أمرهم بأن يتبعوا ما أنزل الله من الدلائل الباهرة فهم قالوا لا نتبع ذلك ، وإنما نتبع آباءنا وأسلافنا ، فكأنهم عارضوا الدلالة بالتقليد ، وأجاب الله تعالى عنهم بقوله : { أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الواو في { أو لو } واو العطف ، دخلت عليها همزة الاستفهام المنقولة إلى معنى التوبيخ والتقريع ، وإنما جعلت همزة الاستفهام للتوبيخ ، لأنها تقتضي الإقرار بشيء يكون الإقرار به فضيحة ، كما يقتضي الاستفهام الإخبار عن المستفهم عنه .
الثانية : تقرير هذا الجواب من وجوه أحدها : أن يقال للمقلد : هل تعترف بأن شرط جواز تقليد الإنسان أن يعلم كونه محقا أم لا ؟ فإن اعترفت بذلك لم نعلم جواز تقليده إلا بعد أن تعرف كونه محقا ، فكيف عرفت أنه محق ؟ وإن عرفته بتقليد آخر لزم التسلسل ، وإن عرفته بالعقل فذاك كاف ، فلا حاجة إلى التقليد ، وإن قلت : ليس من شرط جواز تقليده أن يعلم كونه محقا ، فإذن قد جوزت تقليده ، وإن كان مبطلا فإذن أنت على تقليدك لا تعلم أنك محق أو مبطل وثانيها : هب أن ذلك المتقدم كان عالما بهذا الشيء إلا أنا لو قدرنا أن ذلك المتقدم ما كان عالما بذلك الشيء قط وما اختار فيه البتة مذهبا ، فأنت ماذا كنت تعمل ؟ فعلى تقدير أن لا يوجد ذلك المتقدم ولا مذهبه كان لا بد من العدول إلى النظر فكذا ههنا وثالثها : أنك إذا قلدت من قبلك ، فذلك المتقدم كيف عرفته ؟ أعرفته بتقليد أم لا بتقليد ؟ فإن عرفته بتقليد لزم إما الدور وإما التسلسل ، وإن عرفته لا بتقليد بل بدليل ، فإذا أوجبت تقليد ذلك المتقدم وجب أن تطلب العلم بالدليل لا بالتقليد ، لأنك لو طلبت بالتقليد لا بالدليل ، مع أن ذلك المتقدم طلبه بالدليل لا بالتقليد كنت مخالفا له ، فثبت أن القول بالتقليد يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلا .
المسألة الثالثة : إنما ذكر تعالى هذه الآية عقيب الزجر عن اتباع خطوات الشيطان ، تنبيها على أنه لا فرق بين متابعة وساوس الشيطان ، وبين متابع التقليد ، وفيه أقوى دليل على وجوب النظر والإستدلال ، وترك التعويل على ما يقع في الخاطر من غير دليل ، أو على ما يقوله الغير من غير دليل .
المسألة الرابعة : قوله : { لا يعقلون شيئا } لفظ عام ، ومعناه الخصوص ، لأنهم كانوا يعقلون كثيرا من أمور الدنيا ، فهذا يدل على جواز ذكر العام مع أن المراد به الخاص .
المسألة الخامسة : قوله : { لا يعقلون شيئا } المراد أنهم لا يعلمون شيئا من الدين وقوله تعالى : { ولا يهتدون } المراد أنهم لا يهتدون إلى كيفية اكتسابه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.