نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَهۡتَدُونَ} (170)

ولما نهاهم سبحانه وتعالى عن متابعة العدو{[6600]} ذمهم بمتابعته مع أنه عدو من غير حجة بل بمجرد التقليد للجهلة{[6601]} فقال عاطفاً على { ومن الناس } معجباً منهم : { وإذا قيل } أي من {[6602]}أي قائل {[6603]}كان . ولما {[6604]}كان الخطاب للناس عامة وكان أكثرهم مقلداً ولا سيما للآباء أعاد الضمير والمراد أكثرهم فقال : { لهم{[6605]} اتبعوا } أي اجتهدوا في تكليف أنفسكم الرد عن الهوى الذي نفخه فيها الشيطان ، وفي قوله له { ما أنزل الله{[6606]} } {[6607]}أي الذي له العلم الشامل والقدرة التامة{[6608]} انعطاف على ذلك الكتاب لا ريب فيه وما شاكله { قالوا بل } أي لا نتبع ما أنزل{[6609]} الله بل { نتبع } أي نجتهد في تبع { ما ألفينا } أي وجدنا ، قال الحرالي : من الإلفاء وهو وجدان الأمر على ما ألفه المتبصر فيه أو الناظر إليه { عليه آباءنا } أي على ما هم عليه من الجهل والعجز ، قال : ففيه إشعار بأن عوائد الآباء منهية{[6610]} حتى يشهد لها شاهد أبوة الدين{[6611]} ففيه التحذير في رتب ما بين حال الكفر إلى أدنى الفتنة التي شأن الناس أن يتبعوا فيها عوائد آبائهم - انتهى .

ولما أبوا {[6612]}إلا إلف{[6613]} وهاد التقليد فدنوا عن {[6614]}السمو إلى عداد{[6615]} أولي العلم بالنظر السديد{[6616]} أنكر عليهم سبحانه وتعالى ذلك فقال مبكتاً لهم : { أولو } أي أيتبعون أباءهم والحال أنه { كان{[6617]} آباؤهم لا يعقلون{[6618]} } ببصائر قلوبهم { شيئاً } من الأشياء المعقولة { ولا يهتدون * } بأبصار عيونهم إلى شيء من الأشياء المحسوسة .


[6600]:زيد في م "و"
[6601]:في الأصل: للجملة، والتصحيح منم و ظ ومد
[6602]:العبارة من هنا إلى "فقال" ليست في ظ
[6603]:في م: لأن
[6604]:في م: لأن
[6605]:الضمير في {لهم} عائد على كفار العرب لأن هذا كان وصفهم وهو الاقتداء بآبائهم ولذلك قالوا لأبي طالب حين احتضر: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ذكروه بدين أبيه ومذهبه. وقال ابن عباس: نزلت في اليهود، فعلى هذا يكون الضمير على غير مذكور وهم أشد الناس اتباعا لأسلافهم... وقال الطبري: وهو عائد على الناس من قوله "يا أيها الناس كلوا" وهذا هو الظاهر، ويكون ذلك من باب الالتفات، وحكمته أنهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجب من فعله حيث دعى إلى اتباع شريعة الله التي هي الهدى والنور، فأجاب باتباع شريعة أبيه وكأنه يقال: هل رأيتم أسخف رأيا وأعمى بصيرة ممن دعى إلى اتباع القرآن المنزل من عند الله فرد ذلك وأضرب عنه وأثبت أنه يتبع ما وجد عليه أباه؛ وفي هذه الآية دلالة على ذم التقليد وهو قبول الشيء بلا دليل وحجة – البحر المحيط 1/ 180.
[6606]:وفي قوله {ما انزل الله} إعلام بتعظيم أمورهم باتباعه إن سبب إنزاله إلى الله الذي هو المشرع للشرائع فكان ينبغي أن يتلقى بالقبول ولا يعارض باتباع آبائهم رؤس الضلالة – البحر المحيط 1/ 480.
[6607]:ليس في ظ
[6608]:ليست في ظ
[6609]:ليس في م
[6610]:في ظ: متهه
[6611]:في الأصل: الذين، والتصحيح من بقية النسخ.
[6612]:في الأصل: الألف، وفي ظ: لالف، والتصحيح من م ومد.
[6613]:في الأصل: الألف، وفي ظ: لالف، والتصحيح من م ومد.
[6614]:في م: من
[6615]:في م: إعداد
[6616]:في م: إعداد من ظ: وفي الأصل و م ومد: الشديد.
[6617]:زيد في م: لو
[6618]:وقدم نفي العقل لأنه الذي تصدر عنه جميع التصرفات، وأخر نفي الهداية لأن ذلك مترتب على نفي العقل، لأن الهداية للصواب وهي نائشة عن العقل وعدم العقل عدم لها –البحر المحيط 1/ 881.