المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

16- وقد استقبل الهزيمة في الدنيا ، ومن ورائه في الآخرة عذاب جهنم ، ويُسْقى فيها من ماء كريه ، وهو كالصديد يسيل من أهل النار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

وقوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } صفة لجبار عنيد .

والمراد بقوله : { مِّن وَرَآئِهِ } أى : من أمامه ، أو من بعد هلاكه .

أى : من أمام خيبة هذا الجبار العنيد جهنم ، تنتظر ليحل بها ، بسبب كفرة وظلمه .

قال صاحب أضواء البيان : قوله { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ . . . } الوراء هنا بمعنى الأمام كما هو ظاهر ، ومنه قوله - تعالى - { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } أى : وكان أمامهم ملك . . ومنه قول الشاعر :

أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى . . . وقومى تميم والفلاة ورائيا

أى : والفلاة أماميا .

وقال بعضهم : قوله { مِّن وَرَآئِهِ } أى من بعد هلاكه ، ومنه قول النابغة :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . وليس وراء الله للمرء مذهب

أى : وليس بعد الله للمرء مذهب ، والأول هو الظاهر هو الحق .

وعلى أية حال فإن الجملة الكريمة تدل على أن جنهم تنتظر هذا الجبار العنيد ، وتترصد له ، وتتبعه حيث كان ، بحيث لا يستطيع الفرار منها ، أو الهرب عنها .

وجملة { ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } معطوفة على مقدر ، أى : من ورائه جهنم يلقى فيها مذءوماً مدحوراً ، ويسقى من ماء مخصوص ليس كالمياه المعهودة ، هو الصديد ، أى ما يسيل من أجساد هذا النار من دم مختلط بقيح ، واشتقاقه من الصد ، لأنه يصد الناظرين عن رؤيته . وهو بدل أو عطف بيان من ماء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

وقوله : { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } و " وراء " ها هنا بمعنى " أمام " ، كما قال تعالى : { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } [ الكهف : 79 ] ، وكان ابن عباس يقرؤها " وكان أمامهم ملك " .

أي : من وراء الجبار العنيد جهنم ، أي : هي له بالمرصاد ، يسكنها مخلدا يوم المعاد ، ويعرض عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد .

{ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ } أي : في النار ليس له شراب إلا من حميم أو غساق ، فهذا{[15783]} في غاية الحرارة ، وهذا في غاية البرد والنتن ، كما قال : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ ص : 57 ، 58 ] .

وقال مجاهد ، وعكرمة : الصديد : من القيح والدم .

وقال قتادة : هو ما يسيل من لحمه وجلده . وفي رواية عنه : الصديد : ما يخرج من جوف الكافر ، قد خالط القيح والدم .

ومن حديث شَهْر بن حَوْشَب ، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : قلت : يا رسول الله ، ما طينة الخبال ؟ قال : " صديد أهل النار " {[15784]} وفي رواية : " عُصَارة أهل النار " {[15785]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أنبأنا عبد الله ، أنا صفوان بن عمرو ، عن عبيد الله بن بُرْ ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } قال : " يُقَرَّبُ إليه فيتكرهه ، فإذا أدنى منه شَوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره . يقول الله تعالى{[15786]} { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [ محمد : 15 ] ، ويقول : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ } {[15787]} [ الكهف : 29 ] .

وهكذا رواه ابن جرير ، من حديث عبد الله بن المبارك ، به{[15788]} ورواه هو وابن أبي حاتم : من حديث بَقِيَّة ابن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، به{[15789]} .


[15783]:- في ت ، أ : "فهذا حار".
[15784]:- رواه أحمد في المسند (6/460).
[15785]:- وهي رواية أبي ذر ، رضي الله عنه ، رواها أحمد في المسند (5/171).
[15786]:- في أ : "عز وجل".
[15787]:- المسند (5/265).
[15788]:- تفسير الطبري (16/549) ورواه الترمذي في السنن برقم (2583) من طريق عبد الله بن المبارك به ، وقال : "هذا حديث غريب ، وهكذا قال محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر ، ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلا في هذا الحديث".
[15789]:- ورواه الطبري في تفسيره (16/551) من طريق حيوة بن شريح عن بقية به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّن وَرَآئِهِ جَهَنّمُ وَيُسْقَىَ مِن مّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } .

يقول عزّ ذكره : مِنْ وَرَائِهِ من أمام كلّ جبار جَهَنّمُ يردونها . ووراء في هذا الموضع : يعني أمام ، كما يقال : إن الموت من ورائك : أي قدامك ، وكما قال الشاعر :

أتُوعِدُني وَرَاءَ بَنِي رِياحٍ *** كَذَبْتَ لَتَقْصُرّنّ يَداكَ دُونِي

يعني وراء بني رياح : قدّام بني رياح وأمامهم .

وكان بعض نحوييّ أهل البصرة يقول : إنما يعني بقوله : مِنْ وَرَائِهِ أي من أمامه ، لأنه وراء ما هو فيه ، كما يقول لك : وكلّ هذا من ورائك : أي سيأتي عليك ، وهو من وراء ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه . وقال : وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا من هذا المعنى : أي كان وراءَ ما هم في أمامَهم . وكان بعض نحويّي أهل الكوفة يقول : أكثر ما يجوز هذا في الأوقات ، لأن الوقت يمرّ عليك فيصير خلفك إذا جُزته ، وكذلك كان وراءهم ملك ، لأنهم يجوزونه فيصير وراءهم . وكان بعضهم يقول : هو من حروف الأضداد ، يعني وراء يكون قداما وخلفا .

وقوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يقول : ويُسقى من ماء ، ثم بين ذلك الماء جلّ ثناؤه وما هو ، فقال : هو صديد ولذلك ردّ الصديد في إعرابه على الماء ، لأنه بيان عنه ، والصديد : هو القيح والدم . وكذلك تأوّله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء «ح » وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : قيح ودم .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ والصديد : ما يسيل من دمه ولحمه وجلده .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : ما يسيل من بين لحمه وجلده .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عمن ذكره ، عن الضحاك : وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال : يعني بالصديد : ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيْحَ والدم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ} (16)

قوله : { من ورائه جهنم } صفة ل { جبار عنيد } ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة .

والوراء : مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم :

عسى الكرب الذي أمسيت فيه *** يكون وراءَه فَرج قريب

وأما إطلاق الوراء على معنى من بَعْد } فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه .

والمعنى : أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته .

والصديد : المُهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يُسْقى . والمعنى : ويسقى صديداً عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل { صديد } عطفَ بيان ل { ماء } . وهذا من وجوه التشبيه البليغ .

وعطف جملة { يسقى } على جملة { من ورائه جهنم } لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم .