ثم نهى - سبحانه - المؤمنين عن أن يقولوا للشهداء أمواتاً فقال : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : نزلت هذه الآية في قتلى غزوة بدر ، قتل من المسلمين فيها أربعة عشر ؤجلا : ست من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكان الناس يقولون . مات فلان ومات فلان . فنهى الله - تعالى - أن يقال فيهم : إنهم ماتوا .
وقيل إن الكفار والمنافقين قالوا : إن الناس يقتلون أنفسهم طلباً لمرضاة محمد من غير فائدة ، فنزلت هذه الآية .
والسبيل : الطريق وسبيل الله : طريق مرضاته ، وإنما قيل للجهاد سبيل الله ، لأنه طريق إلى ثواب الله وإعلاء كلمته . و { أَمْوَاتٌ } مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي : لا تقربوا هم أموات وكذلك قوله { أَحْيَاءٌ } خبر لمبتدأ محذوف أي : هم أحياء .
قال الآلوسي : " والجملة معطوفة على { وَلاَ تَقُولُواْ } اضراب عنه ، وليس من عطف المفرد على المفرد ليكون في حيز القول ويصير المعنى بل قولوا أحياء ، لأن المقصود إثبات الحياة لهم لا أمرهم بأن يقولوا في شأنهم إنهم أحياء وإن كان ذلك أيضاً صحيحاً " .
أي : لا تقربوا أيها المؤمنون لمن يقتل من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه إنهم أموات ، بمعنى أنهم تلفت نفوسهم وعدموا الحياة ، وتصرمت عنهم اللذات ، وأضحوا كالجمادات كما يتبادر من معنى الميت ، بل هم أحياء- في عالم غير عالمكم كما قال- تعالى- { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين } وقوله : { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي : لا تحسون ولا تدركون حالهم بالمشاعر ، لأنها من شئون الغيب التي لا طريق للعلم بها إلا الوحي .
قال الآلوسي ما ملخصه : ثم إن نهى المؤمنين عن أن يقولوا في شأن الشهداء أموات ، إما أن يكون دفعاً لإِيهام مساواتهم لغيرهم في ذلك البرزخ . . . وإما أن يكون صيانة لهم عن النطق بكلمة قالها أعداء الدين والمنافقون في شأن أولئك الكرام قاصدين بها أنهم حرموا من النعيم ولن يروه أبداً . . . ثم قال : وقد اختلف في هذه الحياة التي يحياها أولئك الشهداء عند ربهم : فذهب كثير من السلف إلى أنها حقيقة بالروح والجسد ولكنها لا ندركها في هذه النشأة واستدلوا بسياق قوله - تعالى - : { عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون } وبأن الحياة الروحانية التي ليست بالجسد ليست من خواصهم فلا يكون لهم امتياز بذلك على من عداهم . وذهب البعض إلى أنها روحانية وكونهم يرزقون ولا ينافي ذلك . . وذهب البلخي إلى نفي الحياة عنهم وقال ؛ معنى { بَلْ أَحْيَاءٌ } إنهم يحبون يوم القيامة فيجزون أحسن الجزاء . فالآية على حد قوله - تعالى - { إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ } وذهب بعضهم إلى إثبات الحياة الحكمية لهم بسبب ما نالوا من الذكر الجميل والثناء الجليل ، كما روى عن علي أنه قال : " هلك خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة " .
ثم قال : " ولا يخفى أن هذه الأقوال - ما عدا الأولين - في غاية الضعف ، بل نهاية البطلان ، والمشهور ترجيح القول الأول " .
والذي نراه أن الآية الكريمة قد نبهتنا إلى أن للشهداء مزية تجعلهم مفضلين عمن سواهم من كثير من الناس ، وهي أنهم في حياة سارة ، ونعيم مقيم عند ربهم ، وهه الحياة الممتازة تسمو بهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم إنهم أموات وإن كان المعنى اللغوي لللموت حاصلا لهم ، ونحن نؤمن بهذه الحياة السارة لهم عند ربهم ونعتقد صحتها كما ذكرها الله - تعالى - إلا أننا نفوض كيفيتها وكنهها إليه - سبحانه - إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحي ، كما قال - تعالى - : { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي : لا تشعرون بحياتهم بعد مفارقتهم لهذه الدنيا ، لأنها حياة من نوع معين لا يعلمها إلا علام الغيوب .
والآن والجماعة المسلمة في المدينة مقبلة على جهاد شاق لإقرار منهج الله في الأرض ، ولأداء دورها المقسوم لها في قدر الله ، ولتسلم الراية والسير بها في الطريق الشاق الطويل . . الآن يأخذ القرآن في تعبئتها تعبئة روحية ، وفي تقويم تصورها لما يجري في أثناء هذا الجهاد من جذب ودفع ، ومن تضحيات وآلام ، وفي إعطائها الموازين الصحيحة التي تقدر بها القيم في هذه المعركة الطويلة تقديرا صحيحا :
( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله : أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) . .
إن هنالك قتلى سيخرون شهداء في معركة الحق . شهداء في سبيل الله . قتلى أعزاء أحباء . قتلى كراما أزكياء - فالذين يخرجون في سبيل الله ، والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق ، هم عادة أكرم القلوب وأزكى الأرواح وأطهر النفوس - هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا . إنهم أحياء . فلا يجوز أن يقال عنهم : أموات . لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور ، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان . إنهم أحياء بشهادة الله سبحانه . فهم لا بد أحياء .
إنهم قتلوا في ظاهر الأمر ، وحسبما ترى العين . ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة . . إن سمة الحياة الأولى هي الفاعلية والنمو والامتداد . وسمة الموت الأولى هي السلبية والخمود والانقطاع . . وهؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله فاعليتهم في نصرة الحق الذي قتلوا من أجله فاعلية مؤثرة ، والفكرة التي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم وتمتد ، وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد . فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها ، وهذه هي صفة الحياة الأولى . فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس .
ثم هم أحياء عند ربهم - إما بهذا الاعتبار ، وإما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه . وحسبنا إخبار الله تعالى به : ( أحياء ولكن لا تشعرون ) . . لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود . ولكنهم أحياء .
أحياء . ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى ، ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها . فالغسل تطهير للجسد الميت وهم أطهار بما فيهم من حياة . وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء .
أحياء . فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم ، ولا يتعاظمها الأمر ، ولا يهولنها عظم الفداء . ثم هم بعد كونهم أحياء مكرمون عند الله ، مأجورون أكرم الأجر وأوفاه :
في صحيح مسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فاطلع عليهم ربك إطلاعة . فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا . وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا . فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى - لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " . .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله [ ص ] : " ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء . إلا الشهيد ، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " . [ أخرجه مالك والشيخان ] .
ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء ؟ إنهم أولئك الذين يقتلون ( في سبيل الله ) . . في سبيل الله وحده ، دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله . في سبيل هذا الحق الذي أنزله . في سبيل هذا المنهج الذي شرعه . في سبيل هذا الدين الذي اختاره . . في هذا السبيل وحده ، لا في أي سبيل آخر ، ولا تحت أي شعار آخر ، ولا شركة مع هدف أو شعار . وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث ، حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر . . غير الله . .
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله [ ص ] عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء . أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . . [ أخرجه مالك والشيخان ] .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال : يا رسول الله : رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا ؟ فقال : " لا أجر له " . فأعاد عليه ثلاثا . كل ذلك يقول : " لا أجر له " . [ أخرجه أبو داود ] .
وعنه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ ص ] " تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله . لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي . . فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة . والذي نفس محمد بيده ، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم ، لونه لون دم وريحه ريح مسك . والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل أبدا . ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن يتخلفوا عني . والذي نفس محمد بيده لوددت أن اغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم اغزو فأقتل ، ثم اغزو فأقتل " [ أخرجه مالك والشيخان ] .
فهؤلاء هم الشهداء . هؤلاء الذي يخرجون في سبيل الله ، لا يخرجهم إلا جهاد في سبيله ، وإيمان به ، وتصديق برسله .
ولقد كره رسول الله [ ص ] لفتى فارسي يجاهد أن يذكر فارسيته ويعتز بجنسيته في مجال الجهاد : عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبيه [ وكان مولى من أهل فارس ] قال : [ شهدت مع النبي [ ص ] أحدا . فضربت رجلا من المشركين ، فقلت : خذها وأنا الغلام الفارسي . فالتفت إلي النبي [ ص ] فقال : " هلا قلت : وأنا الغلام الأنصاري ؟ إن ابن أخت القوم منهم ، وإن مولى القوم منهم " ] [ أخرجه أبو داود ] .
فقد كره له [ ص ] أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي [ ص ] ، وأن يحارب تحت شارة إلا شارة النصر لهذا الدين . . وهذا هو الجهاد . وفيه وحده تكون الشهادة ، وتكون الحياة للشهداء .
وقوله تعالى : { وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } يخبر تعالى أن الشهداء في بَرْزَخِهم أحياء يرزقون ، كما جاء في صحيح مسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت{[2968]} ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش ، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة ، فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا ، وأيّ شيء نبغي ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك ؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك ، حتى نقتل فيك مرة أخرى ؛ لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جلّ جلاله : إني كتبتُ أنَّهم إليها لا يرجعون " {[2969]} .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقُ في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " {[2970]} .
ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا ، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا {[2971]} بالذكر في القرآن ، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيما{[2972]} .
{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } أي هم أموات { بل أحياء } أي بل هم أحياء . { ولكن لا تشعرون } ما حالهم ، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات ، وأنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل وبالوحي ، وعن الحسن { إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع ) . والآية نزلت في شهداء بدر ، وكانوا أربعة عشر ، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت داركة ، وعليه جمهور الصحابة والتابعين ، وبه نطقت الآيات والسنن ، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ، ومزيدة البهجة والكرامة .
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ( 154 )
وقوله تعالى : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } الآية ، سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأحد مات فلان ومات فلان ، فكره الله أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم ، فنزلت هذه الآية ، وأيضاً : فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم ، تعظم منزلة الشهداء ، وتخبر عن حقيقة حالهم ، فصاروا مغبوطين لا محزوناً لهم ، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير( {[1429]} ) ، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق( {[1430]} ) ، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة( {[1431]} ) ، وروي أنهم في قبة خضراء ، وروي أنهم في قناديل من ذهب ، إلى كثير من هذا ، ولا محالة أنها أحوال لطوائف( {[1432]} ) أو للجميع في أوقات متغايرة ، وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حارثة : إنه في الفردوس ، وقال مجاهد : هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها ، و { أموات } رفع بإضمار الابتداء والتقدير هم أموات ، ولا يجوز إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب كما يصح في قولك قلت كلاماً وحجة .
وقوله { ولكن لا تشعرون } أي قبل أن نشعركم( {[1433]} ) .
قوله : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء } عطف النهي على الأمر قبله لمناسبة التعرض للغزو مما يتوقع معه القتل في سبيل الله ، فلما أمروا بالصبر عرفوا أن الموت في سبيل الله أقوى ما يصبرون عليه ، ولكن نبه مع ذلك على أن هذا الصبر ينقلب شكراً عندما يَرى الشهيد كرامته بعد الشهادة ، وعندما يوقن ذووه بمصيره من الحياة الأبدية ، فقوله : { ولا تقولوا } نهي عن القول الناشىء عن اعتقاد ، ذلك لأن الإنسان لا يقول إلاّ ما يَعتقد فالمعنى ولا تعتقدوا ، والظاهر أن هذا تكميل لقوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] كما تقدَّم من حديث البراء فإنه قال : " قتل أناس قبل تحويل القبلة " فأعقب قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } بأن فضيلة شهادتهم غير منقوصة .
وارتفع { أمواتٌ } على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي لا تقولوا هم أموات .
و { بل } للإضراب الإبطالي إبطالاً لمضمون المنهي عن قوله ، والتقدير بل هم أحياء ، وليس المعنى بل قُولوا هم أحياء لأن المراد إخبار المخاطبين هذا الخبرَ العظيمَ ، فقوله : « أحْيَآء » هو خبر مبتدأ محذوف وهو كلام مستأنف بعد { بل } الإضرابية .
وإنما قال : { ولكن لا تشعرون } للإشارة إلى أنها حياةٌ غير جسمية ولا مادِّيَّة بل حياة روحية ، لكنها زائدة على مطلق حياة الأرواح ، فإن للأرواح كلها حياة وهي عدم الاضمحلال وقبول التجسد في الحَشْر مع إحساس ما بكونها آيلة إلى نعيم أو جحيم ، وأما حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهي حياة مشتملة على إدراكات التنعم بلذات الجنة والعوالم العلوية والانكشافات الكاملة ، ولذلك ورد في الحديث " إن أرواح الشهداء تجعل في حواصل طيور خضر ترعى من ثمر الجنة وتشرب من مائها " . والحكمة في ذلك أن اتصال اللذات بالأرواح متوقف على توسط الحواس الجسمانية ، فلما انفصلت الروح عن الجسد عُوِّضت جسداً مناسباً للجنة ليكون وسيلة لنعميها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
نزلت في قتلى بدر من المسلمين... وذلك أن الرجل كان يقتل في سبيل الله، فيقولون: مات فلان، فأنزل الله عز وجل:
{بل أحياء}: مرزوقون في الجنة عند الله، ثم قال سبحانه:
{ولكن لا تشعرون}: بأنهم أحياء مرزوقون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر على طاعتي في جهاد عدوّكم وترك معاصيّ وأداء سائر فرائضي عليكم، ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هو ميت، فإن الميت من خلقي من سلبته حياته وأعدمته حواسه، فلا يلتذّ لذّة ولا يدرك نعيما، فإن من قتل منكم ومن سائر خلقي في سبيلي أحياء عندي في حياة ونعيم وعيش هنيّ ورزق سنيّ، فرحين بما آتيتهم من فضلي وحبوتهم به من كرامتي.
فإن قال لنا قائل: وما في قوله:"وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّه أمْوَاتٌ بَلْ أحْيَاءٌ" من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم، فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها ريحها، ويستعجلون الله قيام الساعة، ليصيروا إلى مساكنهم منها ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها، وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها ويصيبهم من نتنها ومكروهها، ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها، ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة حذارا من المصير إلى ما أعدّ الله لهم فيها مع أشباه ذلك من الأخبار. وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الذي خصّ به القتيل في سبيل الله مما لم يعم به سائر البشر غيره من الحياة وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذّبون فيه بالمعيشة الضّنْك، وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان؟
قيل: إن الذي خصّ الله به الشهداء في ذلك وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم، ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه. فذلك هو الفضيلة التي فضلهم بها وخصهم بها من غيرهم، والفائدة التي أفاد المؤمنين بالخبر عنهم، فقال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْوَاتا بَلْ أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ".
"وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ": ولكنكم لا ترونهم فتعلموا أنهم أحياء، وإنما تعلمون ذلك بخبري إياكم به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا) أي لا تقولوا أمواتا لما ينفر طبعكم عن الموت، ولكن قولوا: بل أحياء لترغب أنفسكم في الجهاد؛ إذ هو يرد بحياة الدنيا والدين مع ما يحتمل أن يكون الله بفضله يجعل لهم ما كان لهم لو كانوا أحياء يعملون، فكأنهم أحياء فيما جعلت لهم حياة الدنيا، والله أعلم...
فإن قيل: لمّا كان المؤمنون كلهم مُنَعَّمين بعد الموت، فكيف خص المقتولين في سبيل الله؟ قيل له: جائز أن يكون اختصهم بالذكر تشريفاً لهم على جهة تقديم البشارة بذكر حالهم، ثم بين بعد ذلك ما يختصون به في آية أخرى وهو قوله تعالى: {أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169]...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وسبب ذلك أنهم كانوا يقولون لقتلى بدر وأُحُد: مات فلان، ومات فلان، فنزلت الآية وفيها تأويلان:
أحدهما: أنهم ليسوا أمواتاً وإن كانت أجسامهم أجسام الموتى، بل هم عند الله أحياء النفوس منعّمو الأجسام.
والثاني: أنهم ليسوا بالضلال أمواتاً بل هم بالطاعة والهدى أحياء، كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ في النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ في الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] فجعل الضالَّ ميتاً، والمُهْتَدي حياً.
ويحتمل تأويلاً ثالثاً: أنهم ليسوا أمواتاً بانقطاع الذكر عند الله وثبوت الأجر...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
فآتتهم الحياة في الدنيا ولكن وصلوا إلى الحياة الأبدية في العُقْبَى، فهم في الحقيقة أحياء، يجدون من الله فنون الكرامات.
ويقال هم أحياء لأن الخَلَفَ عنهم اللهُ ومَنْ كان الخلفُ عنه الله لا يكون ميتاً.
ويقال هم أحياء بذكرِ الله لهم، والذي هو مذكور الحق بالجميل بذكره السرمدي ليس بميت.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وأيضاً: فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم، فنزلت الآية مسلية لهم، تعظم منزلة الشهداء، وتخبر عن حقيقة حالهم، فصاروا مغبوطين لا محزوناً لهم، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم...
وقوله {ولكن لا تشعرون} أي قبل أن نشعركم...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
وَفِي السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}. تَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ الَّذِي يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ، وَالشَّهِيدُ حَيٌّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَمَا أَنَّ الشَّهِيدَ فِي حُكْمِ الْحَيِّ فَلَا يُغَسَّلُ، فَكَذَلِكَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ تَطْهِيرٌ، وَقَدْ طُهِّرَ بِالْقَتْلِ، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ شَفَاعَةٌ وَقَدْ أَغْنَتْهُ عَنْهَا الشَّهَادَةُ...
اعلم أن هذه الآية نظير قوله في آل عمران: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} ووجه تعلق الآية بما قبلها كأنه قيل: استعينوا بالصبر والصلاة في إقامة ديني، فإن احتجتم في تلك الإقامة إلى مجاهدة عدوي بأموالكم وأبدانكم ففعلتم ذلك فتلفت نفوسكم فلا تحسبوا أنكم ضيعتم أنفسكم بل اعلموا أن قتلاكم أحياء عندي...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{ولكن لا تشعرون} ما حالهم، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات، وإنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يخبر تعالى أن الشهداء في بَرْزَخِهم أحياء يرزقون، كما جاء في صحيح مسلم:"إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة، فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا، وأيّ شيء نبغي، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن يسألوا، قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا، فنقاتل في سبيلك، حتى نقتل فيك مرة أخرى؛ لما يرون من ثواب الشهادة -فيقول الرب جلّ جلاله: إني كتبتُ أنَّهم إليها لا يرجعون".
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد... عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقُ في شجر الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه". ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا بالذكر في القرآن، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيما...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الحس قاصراً عما أخبر به سبحانه وتعالى قال منبهاً على ذلك {ولكن لا تشعرون} أنهم أحياء كما ترون النيام هموداً لا يتحركون ولا شعور لكم بمن فيهم ينظر، أحلاماً من غيره، فلا فخر أعظم من ذلك في الدنيا ولا عيش أرغد منه في الآخرة، وأما المقتول من أعدائكم فليس له في الدنيا إلا الخزي والفضيحة بالقهر والذل والهوان والعذاب الذي لا آخر له في الآخرة...
وتلخيص ذلك أن يقال إنه لما كان حاصل ما تقدم في هذه السورة أن أهل الأرض كلهم قريبهم وبعيدهم وثنيهم وكتابيهم مطبقون على عداوة أهل هذا الدين وكان كثيراً ما يأمرهم بالصبر على أذاهم اشتد تشوّف النفوس إلى أنه هل بعد هذا الكف من فعل، فأشار إلى أنه سيأمر بعد الصبر على أذى اللسان بالصبر على جلاد السيف والسنان أمراً عاماً فقال عاطفاً هذا النهي على الأمر بالصبر، أي اصبروا الآن على هذا الأذى ثم اصبروا إذا أمرتكم بالجهاد على وقع السيوف واقتحام الحتوف وفقد من يقتل منكم ولا تصفوهم بالموت، ولعله فاجأهم بما تضمنته هذه الآية توطيناً لهم على القتل في سبيله وكان استشرافهم إلى الحرب قد كثر وبشرهم بأن القتيل فيه حي وإن رئي ميتاً تسلية لهم عن هذا الحادث العظيم والخطب الجسيم...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
ثم إن نهي المؤمنين عن أن يقولوا في شأن الشهداء أموات، إما أن يكون دفعاً لإيهام مساواتهم لغيرهم في ذلك البرزخ وتلك خصوصية لهم وإن شاركهم في النعيم بل وزاد عليهم بعض عباد الله تعالى المقربين ممن يقال في حقهم ذلك، وإما أن يكون صيانة لهم عن النطق بكلمة قالها أعداء الدين والمنافقون في شأن أولئك الكرام قاصدين بها أنهم حرموا من النعيم ولم يروه أبداً، وليس في الآية نهي عن نسبة الموت إليهم بالكلية بحيث إنهم ما ذاقوه أصلاً ولا طرفة عين، وإلا لقال تعالى: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله ماتوا، فحيث عدل عنه إلى ما ترى علم أنهم امتازوا بعد أن قتلوا بحياة لائقة بهم مانعة عن أن يقال في شأنهم أموات...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ثم ذكر أعظم شيء يستعان عليه بذلك وهو القتل في سبيل دعوة الحق وحمايته ذكره مدرجا في سياق تقرير حقيقة ودفع شبهة فقال: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}. أي لا تقولوا في شأنهم: هم أموات. وقالوا إن اللام في {لمن} للتعليل لا للتبليغ والمعنى ظاهر والتركيب مألوف: {بل} هم {أحياء} في عالم غير عالمكم {ولكن لا تشعرون} بحياتهم إذ ليست في عالم الحس الذي يدرك بالمشاعر.
ثم لابد أن تكون هذه الحياة خاصة غير التي يعتقدها جميع المليين في جميع الموتى من بقاء أرواحهم بعد مفارقة أشباحهم، ولذلك ذهب بعض الناس إلى أن حياة الشهداء تتعلق بهذه الأجساد وإن فنيت أو احترقت أو أكلتها السباع أو الحيتان وقالوا إنها حياة لا نعرفها، ونحن نقول مثلهم إننا لا نعرفها ونزيد أننا لا نثبت ما لا نعرف.
وقال بعضهم إنها حياة يجعل الله بها الروح في جسم آخر يتمتع به ويرزق. ورووا في هذا روايات منها الحديث الذي أشار إليه المفسر (الجلال) وهو "أن أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة".
وقيل إنها حياة الذكر الحسن والثناء بعد الموت. وقيل إن المراد بالموت والحياة الضلال والهدى. وروي هذا عن الأصم أي لا تقولوا أن باذل روحه في سبيل الله ضال بل هو مهتد. وقيل إنها حياة روحانية محضة. وقيل إن المراد أنهم سيحيون في الآخرة وأن الموت ليس عدما محضا كما زعم بعض المشركين. فالآية عند هؤلاء على حد {أن الأبرار لفي نعيم*وأن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13، 14) أي أن مصيرهم إلى ذلك...
والمعتمد عند الأستاذ الإمام في هذه الحياة هو أنها حياة غيبية تمتاز بها أرواح الشهداء على سائر أرواح الناس، بها يرزقون وينعمون، ولكننا لا نعرف حقيقتها ولا حقيقة الرزق الذي يكون بها، ولا نبحث عن ذلك لأنه من عالم الغيب الذي نؤمن به ونفوض الأمر فيه إلى الله تعالى.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
لما ذكر تبارك وتعالى، الأمر بالاستعانة بالصبر على جميع الأمور 139 ذكر نموذجا مما يستعان بالصبر عليه، وهو الجهاد في سبيله، وهو أفضل الطاعات البدنية، وأشقها على النفوس، لمشقته في نفسه، ولكونه مؤديا للقتل، وعدم الحياة، التي إنما يرغب الراغبون في هذه الدنيا لحصول الحياة ولوازمها، فكل ما يتصرفون به، فإنه سعى لها، ودفع لما يضادها.
ومن المعلوم أن المحبوب لا يتركه العاقل إلا لمحبوب أعلى منه وأعظم، فأخبر تعالى: أن من قتل في سبيله، بأن قاتل في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه الظاهر، لا لغير ذلك من الأغراض، فإنه لم تفته الحياة المحبوبة، بل حصل له حياة أعظم وأكمل، مما تظنون وتحسبون.
فالشهداء {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}
فهل أعظم من هذه الحياة المتضمنة للقرب من الله تعالى، وتمتعهم برزقه البدني في المأكولات والمشروبات اللذيذة، والرزق الروحي، وهو الفرح، والاستبشار وزوال كل خوف وحزن، وهذه حياة برزخية أكمل من الحياة الدنيا... وفي هذه الآية، أعظم حث على الجهاد في سبيل الله، وملازمة الصبر عليه، فلو شعر العباد بما للمقتولين في سبيل الله من الثواب لم يتخلف عنه أحد، ولكن عدم العلم اليقيني التام، هو الذي فتر العزائم، وزاد نوم النائم، وأفات الأجور العظيمة والغنائم، لم لا يكون كذلك والله تعالى قد: {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}
فوالله لو كان للإنسان ألف نفس، تذهب نفسا فنفسا في سبيل الله، لم يكن عظيما في جانب هذا الأجر العظيم، ولهذا لا يتمنى الشهداء بعدما عاينوا من ثواب الله وحسن جزائه إلا أن يردوا إلى الدنيا، حتى يقتلوا في سبيله مرة بعد مرة.
وفي الآية، دليل على نعيم البرزخ وعذابه، كما تكاثرت بذلك النصوص.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والآن والجماعة المسلمة في المدينة مقبلة على جهاد شاق لإقرار منهج الله في الأرض، ولأداء دورها المقسوم لها في قدر الله، ولتسلم الراية والسير بها في الطريق الشاق الطويل.. الآن يأخذ القرآن في تعبئتها تعبئة روحية، وفي تقويم تصورها لما يجري في أثناء هذا الجهاد من جذب ودفع، ومن تضحيات وآلام، وفي إعطائها الموازين الصحيحة التي تقدر بها القيم في هذه المعركة الطويلة تقديرا صحيحا:
(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله: أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)..
إن هنالك قتلى سيخرون شهداء في معركة الحق. شهداء في سبيل الله. قتلى أعزاء أحباء. قتلى كراما أزكياء -فالذين يخرجون في سبيل الله، والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق، هم عادة أكرم القلوب وأزكى الأرواح وأطهر النفوس- هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا. إنهم أحياء. فلا يجوز أن يقال عنهم: أموات. لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان. إنهم أحياء بشهادة الله سبحانه. فهم لا بد أحياء.
إنهم قتلوا في ظاهر الأمر، وحسبما ترى العين. ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة.. إن سمة الحياة الأولى هي الفاعلية والنمو والامتداد. وسمة الموت الأولى هي السلبية والخمود والانقطاع.. وهؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله فاعليتهم في نصرة الحق الذي قتلوا من أجله فاعلية مؤثرة، والفكرة التي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم وتمتد، وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد. فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها، وهذه هي صفة الحياة الأولى. فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس.
ثم هم أحياء عند ربهم -إما بهذا الاعتبار، وإما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه. وحسبنا إخبار الله تعالى به: (أحياء ولكن لا تشعرون).. لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود. ولكنهم أحياء.
أحياء. ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى، ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها. فالغسل تطهير للجسد الميت وهم أطهار بما فيهم من حياة. وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء.
أحياء. فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء. أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحباء والأصدقاء. أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم، ولا يتعاظمها الأمر، ولا يهولنها عظم الفداء. ثم هم بعد كونهم أحياء مكرمون عند الله، مأجورون أكرم الأجر وأوفاه:
في صحيح مسلم:"إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك إطلاعة. فقال: ماذا تبغون؟ فقالوا: يا ربنا. وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ ثم عاد عليهم بمثل هذا. فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى- لما يرون من ثواب الشهادة -فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون"..
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء. إلا الشهيد، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة". [أخرجه مالك والشيخان].
ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء؟ إنهم أولئك الذين يقتلون (في سبيل الله).. في سبيل الله وحده، دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله. في سبيل هذا الحق الذي أنزله. في سبيل هذا المنهج الذي شرعه. في سبيل هذا الدين الذي اختاره.. في هذا السبيل وحده، لا في أي سبيل آخر، ولا تحت أي شعار آخر، ولا شركة مع هدف أو شعار. وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث، حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر.. غير الله..
عن أبي موسى- رضي الله عنه -قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".. [أخرجه مالك والشيخان].
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه -أن رجلا قال: يا رسول الله: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا؟ فقال:"لا أجر له". فأعاد عليه ثلاثا. كل ذلك يقول: "لا أجر له". [أخرجه أبو داود].
وعنه- رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله. لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي.. فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك. والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده لوددت أن اغزو في سبيل الله فأقتل، ثم اغزو فأقتل، ثم اغزو فأقتل "[أخرجه مالك والشيخان].
فهؤلاء هم الشهداء. هؤلاء الذي يخرجون في سبيل الله، لا يخرجهم إلا جهاد في سبيله، وإيمان به، وتصديق برسله.
ولقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتى فارسي يجاهد أن يذكر فارسيته ويعتز بجنسيته في مجال الجهاد: عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبيه [وكان مولى من أهل فارس] قال: [شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم أحدا. فضربت رجلا من المشركين، فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي. فالتفت إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هلا قلت: وأنا الغلام الأنصاري؟ إن ابن أخت القوم منهم، وإن مولى القوم منهم "] [أخرجه أبو داود].
فقد كره له صلى الله عليه وسلم أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحارب تحت شارة إلا شارة النصر لهذا الدين.. وهذا هو الجهاد. وفيه وحده تكون الشهادة، وتكون الحياة للشهداء.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف النهي على الأمر قبله لمناسبة التعرض للغزو مما يتوقع معه القتل في سبيل الله، فلما أمروا بالصبر عرفوا أن الموت في سبيل الله أقوى ما يصبرون عليه، ولكن نبه مع ذلك على أن هذا الصبر ينقلب شكراً عندما يَرى الشهيد كرامته بعد الشهادة، وعندما يوقن ذووه بمصيره من الحياة الأبدية، فقوله: {ولا تقولوا} نهي عن القول الناشئ عن اعتقاد، ذلك لأن الإنسان لا يقول إلاّ ما يَعتقد فالمعنى ولا تعتقدوا، والظاهر أن هذا تكميل لقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] كما تقدَّم من حديث البراء فإنه قال:"قتل أناس قبل تحويل القبلة" فأعقب قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} بأن فضيلة شهادتهم غير منقوصة.
{بل أحياء}: بل هم أحياء، وليس المعنى بل قُولوا هم أحياء لأن المراد إخبار المخاطبين هذا الخبرَ العظيمَ.
وإنما قال: {ولكن لا تشعرون} للإشارة إلى أنها حياةٌ غير جسمية ولا مادِّيَّة بل حياة روحية، لكنها زائدة على مطلق حياة الأرواح، فإن للأرواح كلها حياة وهي عدم الاضمحلال وقبول التجسد في الحَشْر مع إحساس ما بكونها آيلة إلى نعيم أو جحيم، وأما حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهي حياة مشتملة على إدراكات التنعم بلذات الجنة والعوالم العلوية والانكشافات الكاملة، ولذلك ورد في الحديث "إن أرواح الشهداء تجعل في حواصل طيور خضر ترعى من ثمر الجنة وتشرب من مائها". والحكمة في ذلك أن اتصال اللذات بالأرواح متوقف على توسط الحواس الجسمانية، فلما انفصلت الروح عن الجسد عُوِّضت جسداً مناسباً للجنة ليكون وسيلة لنعميها.
الله تبارك وتعالى أراد أن يفهم المؤمنون أن الذي يقتل في سبيل الله لا يموت وإنما يعطيه الله لونا جديدا من الحياة فيه من النعم ما لا يعد ولا يحصى يقول جل جلاله: {ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون}.
ما هو مظهر الحياة التي يعيشونها؟ الحياة عندنا مظهرها الحركة، والذي قتل في سبيل الله ما هي حركته؟ حركته بالنسبة لغير المؤمنين خصوم الإسلام والإيمان بأنه لن يسلب منه الحياة.. لأنه سيذهب إلى حياة أسعد والموت ينقله إلى خير مما هو يعيش فيها.. فإذا كان الكفار قد قتلوه فهم لم يسلبوه شيئا وإنما نقلوه إلى نعمة أكبر مما كان يعيش فيها.. أما بالنسبة للمؤمنين فإنه سيحمي لهم منهج الله ليصل إليهم إلى أن تقوم الساعة.
إن كل المعارك التي يستشهد فيها المؤمنون إنما هي سلسلة متصلة لحماية حركة الإيمان في الوجود.. وعظمة الحياة ليست في أن أتحرك أنا ولكن أن أجعل من بعدي يتحرك.. والمؤمن حين يستشهد يبقى أثره في الوجود لكل حركة من متحرك بعده.. فكل حركة لحماية الإيمان تستشهد به وبما فعله وتأخذ من سلوكه الإيماني دافعا لتقاتل وتستشهد. فكأن الحركة متصلة والعملية متصلة.. أما الكافر فإن الحياة تنتهي عنده بالموت ولكن تنتظره حياة أخرى حينما يبعث الله الناس جميعا ثم يأتي بالموت فيموت.. وحين يموت الموت تصبح الحياة بلا موت إما في الجنة وإما في النار.
الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم أن من يقتل في سبيل الله هو حي عند ربه ينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة مباشرة.. ولا يكتب عليه الموت في حياة البرزخ حتى يوم القيامة مثل من يموت ميتة طبيعية ولا يموت شهيدا.. ولأن هذه الحياة حياة الشهداء أخفى الله سبحان عنا تفاصيلها لأنها من حياة الآخرة.. وهي غيب عنا قال تبارك وتعالى: {ولكن لا تشعرون}.. وما دمنا لا نشعر بها فلابد أن تكون حياة أعلى من حياتنا الدنيوية.
الذي استشهد في عرف الناس سلب نفسه الحياة ولكنه في عرف الله أخذ حياة جديدة.. ونحن حين نفتح قبر أحد الشهداء نجد جسده كما هو فنقول إنه ميت أمامنا.. لابد أن تتنبه إنك لحظة فتحت عليه انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة والله سبحانه قال: {أحياء عند ربهم} ولم يقل أحياء في عالم الشهادة.. فهو حي مادام في عالم الغيب ولكن إن تفتح وتكشف تجده جسدا في قبره لأنه انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة.. أما كيف؟ قلنا إن الغيب ليس فيه كيف.. لذلك لن تعرف وليس مطلوبا منك أن تعرف...
فكأن الحق جل جلاله يعطي الشهداء حياة دائمة خالدة لأنهم ماتوا في سبيله.. ومادام تعالى قال: {لا تشعرون} فلا تحاول أن تدركها بشعورك وحسك لأنك لن تدركها على أن الشهيد لابد أن يقتل في سبيل الله وليس لأي غرض دنيوي.. وإنما لتكون كلمة الله هي العليا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وبعد ذكر الصبر والاستقامة تتحدث الآية التالية عن خلود الشهداء، الذين يجسّدون أروع نماذج الصابرين على طريق الله.
تقول الآية: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ) ثم تؤكد هذا المفهوم ثانية بالاستدراك (بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ).
في كل حركة أساساً تنزوي مجموعة محبّة للعافية، وتبتعد عن الأمة الثائرة، ولا تكتفي هي بالتقاعس والتكاسل، بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين وبثّ الرخوة والتماهل في المجتمع. وما أن تظهر حادثة مؤلمة حتى يعربون عن أسفهم وينقمون على الحركة التي أدت إلى هذه الحادثة، غافلين أن كل هدف مقدس يحتاج إلى تضحيات، وتلك سنة كونية.
القرآن الكريم يتحدث عن مثل هذه الفئة كراراً ويؤنّبهم بشدّة.
ثمة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتأسف والتألم على (موت) شهيد من شهداء الإسلام في المعركة، ويبعثون بذلك القلق والاضطراب في النفوس.
والله سبحانه يرد على هذه الأقاويل السامة بالكشف عن حقيقة كبرى هي إن الذين يضحون بأنفسهم في سبيل الله ليسوا بأموات... هؤلاء أحياء... ويتمتعون بنعم الله ورضوانه، لكن البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق.