المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

121- ودلَّه علي الشجرة المحرَّمة ، فخُدع آدم وزوجه بإغراء إبليس ، ونسيا نهي الله ، وأكلا منها ، فظهرت لهما عوراتهما ، جزاء طمعهما ، حتى نسيا ووقعا في مخالفته ، وصارا يقطعان من ورق شجر الجنة ويستران ما بدا منهما ، وخالف آدم ربه ، وكان ذلك قبل النبوة ، فَحُرِم الخلود الذي تمناه وفسد عيشه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

ثم أكد كل هذا التحريض بالقسم كما فى قوله - تعالى - : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } فكانت نتيجة مكره بآدم وخداعه له ، أن أطاعه فى الأكل من الشجرة كما قال - تعالى - : { فَأَكَلاَ مِنْهَا } أى : فأكل آدم وزوجه من الشجرة التى نهاه ربه عن الأكل منها .

{ فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } أى : عوراتهما ، وسميت العورة سوءة ، لأن انكشافها يسوء صاحبها وبحزنه ، ويجعل الناس تنفر منه .

{ وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة . . } أى : وشرعا وأخذا يلزقان على أجسادهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما .

وكثير من المفسرين يقولون : إن ورق الجنة الذى أخذ آدم وحواء فى لزقه على أجسادهما هو ورق شجر التين لكبر حجمه .

وقد أخذ العلماء من ذلك وجوب ستر العورة ، لأن قوله - تعالى - : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة } يدل على قبح انكشافها ، وأنه يجب بذل أقصى الجهد فى سترها .

وقوله { وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى } أى : وخالف آدم أمر ربه فى اجتناب الأكل من الشجرة { فغوى } أى : فأخطأ طريق الصواب ، بسبب عدم طاعته ربه .

قالوا : ولكن آدم فى عصيانه لربه كان متأولا ، لأنه اعتقد أن النهى عن شجرة معينة لا عن النوع كله ، وقالوا : وتسمية ذلك عصيانا لعلو منصبه ، وقد قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين .

كما قالوا : إن الأسباب التى حملت آدم على الأكل من الشجرة ، أن إبليس أقسم له بالله إنه له ناصح ، فصدقه آدم - عليه السلام - لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا ، والمؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم كما جاء فى الحديث الشريف .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

99

( فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة . . وعصى آدم ربه فغوى ) . .

والظاهر أنها السوءات الحسية تبدت لهما وكانت عنهما مستورة ، وأنها مواضع العفة في جسديهما . يرجح ذلك أنهما أخذا يسترانها بورق الجنة يشبكانه ليستر هذه المواضع . وقد يكون ذلك إيذانا باستيقاظ الدوافع الجنسية في كيانهما . فقبل يقظة هذه الدوافع لا يحس الإنسان بالخجل من كشف مواضع العفة ولا ينتبه إليها ولكنه ينتبه إلى العورات عند استيقاظ دوافع الجنس ويخجل من كشفها .

وربما كان حظر هذه الشجرة عليهما ، لأن ثمارها مما يوقظ هذه الدوافع في الجسم تأجيلا لها فترة من الزمان كما يشاء الله . وربما كان نسيانهما عهد الله وعصيانهما له تبعه هبوط في عزيمتهما وانقطاع عن الصلة بخالقهما فسيطرت عليهما دوافع الجسد وتنبهت فيهما دوافع الجنس . وربما كانت الرغبة في الخلود تجسمت في استيقاظ الدوافع الجنسية للتناسل ؛ فهذه هي الوسيلة الميسرة للإنسان للامتداد وراء العمر الفردي المحدود . . كل هذه فروض لتفسير مصاحبة ظهور سوآتهما لهما للأكل من الشجرة . فهو لم يقل : فبدت سوآتهما . إنما قال : فبدت لهما سوآتهما . مما يؤذن أنها كانت محجوبة عنهما فظهرت لهما بدافع داخلي من إحساسهما . . وقد جاء في موضع آخر عن إبليس : ( ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ) ، وجاء ( ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما )وقد يكون اللباس الذي نزعه الشيطان ليس لباسا ماديا إنما هو شعور ساتر ، قد يكون هو شعور البراءة والطهارة والصلة بالله . وعلى أية حال فهي مجرد فروض كما أسلفنا لا نؤكدها ولا نرجح واحدا منها . إنما هي لتقرب صورة التجربة الأولى في حياة البشرية .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

وقول : { فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا } قال ابن أبي حاتم :

حدثنا علي بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر{[19530]} الرأس ، كأنه نخلة سَحُوق . فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته . فلما نظر إلى عورته جعل يَشْتَد في الجنة ، فأخذتْ شعرَه شجرة ، فنازعها ، فنادى الرحمن : يا آدم ، منِّي تفر ؟ فلما سمع كلام الرحمن قال : يا رب ، لا ولكن استحياء{[19531]} أرأيت إن تبت ورجعت ، أعائدي إلى الجنة ؟ قال : نعم " فذلك قوله : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ }{[19532]}

وهذا منقطع بين الحسن وأُبيّ بن كعب ، فلم يسمعه منه ، وفي رفعه نظر أيضًا .

وقوله : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } قال مجاهد : يرقعان كهيئة الثوب . وكذا قال قتادة ، والسدي .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر ، عن{[19533]} عون ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن المِنْهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } قال : ينزعان ورق التين ، فيجعلانه على سوآتهما .

وقوله : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا أيوب بن النجار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حاجّ موسى آدم ، فقال له : أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم ؟ قال آدم : يا موسى ، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني - أو : قدره الله عليّ قبل أن يخلقني - " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " . {[19534]}

وهذا الحديث له طرق في الصحيحين ، وغيرهما من المسانيد{[19535]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي ذُبَابَ ، عن يزيد بن هرمز قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حَجَّ آدمُ وموسى عند ربهما ، فحج آدم موسى ، قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك في جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك ؟ قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نَجِيًّا ، فبكم وجدتَ الله كتب التوراة [ قبل أن أخلق ]{[19536]} قال موسى : بأربعين عامًا . قال آدم : فهل وجدتَ فيها { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } قال : نعم . قال : أفتلومني على أن عملتُ عملا كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى " .

قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هُرْمزُ بذلك ، عن أبى هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . {[19537]} .


[19530]:في ف: "الشعر".
[19531]:في ف، أ: "أستحيي"
[19532]:سبق تخريج الحديث عند تفسير الآية: 37 من سورة البقرة.
[19533]:في ف، أ: "ابن".
[19534]:صحيح البخاري برقم (4738).
[19535]:انظر: صحيح البخاري برقم (4736) وصحيح مسلم برقم (2652).
[19536]:زيادة من ف، أ.
[19537]:رواه مسلم في صحيحه برقم (2652) من طريق أنس بن عياض عن الحارث بن أبي ذياب عن يزيد بن هرمز وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ * ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ } .

يقول تعالى ذكره : فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها ، وأطاعا أمر إبليس ، وخالفا أمر ربهما فَبَدَتُ لَهُما سَوْآتُهُما يقول : فانكشفت لهما عوراتهما ، وكانت مستورة عن أعينهما ، كما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : إنما أراد ، يعني إبليس بقوله : " هَلْ أدُلّكَ عَلى شَجَرةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى " ليبدي لهما ما توارى عنهما من سوآتهما ، بهتك لباسهما ، وكان قد علم أن لهما سَوْءَة لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يكن آدم يعلم ذلك ، وكان لباسهما الظفر ، فأبى آدم أن يأكل منها ، فتقدمت حوّاء ، فأكلت ثم قالت : يا آدم كل ، فإني قد أكلت ، فلم يضرّني ، فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما .

وقوله : " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : أقبلا يشدّان عليهما من ورق الجنة ، كما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : أقبلا يغطيان عليهما بورق التين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما منْ وَرَقِ الجَنّةِ " يقول : يوصلان عليهما من ورق الجنة .

وقوله : " وَعَصى آدَمُ رَبّهُ فَغَوَى " يقول : وخالف أمر ربه ، فتعدّى إلى ما لم يكن له أن يتعدّى إليه ، من الأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وهو ورق التين { وعصى آدم ربه } بأكل الشجرة { فغوى } فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة ، أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو . وقرئ " فغوى " من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة وزجر بليغ لأولاده عنها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ} (121)

تفريع على ما قبله وثمّ جملة محذوفة دل عليها العرض ، أي فعمل آدم بوسوسة الشيطان فأكل من الشجرة وأكلت حواء معه .

واقتصار الشيطان على التسويل لآدم وهو يريد أن يأكل آدم وحواء ، لعلمه بأن اقتداء المرأة بزوجها مركوز في الجبلة . وتقدم معنى { فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } في سورة الأعراف ( 22 ) .

وقوله وعصى آدم ربه } عطف على { فأكلا منها } ، أي أكلا معاً ، وتعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة . وإثبات العصيان لآدم دون زوجه يدل على أن آدم كان قدوة لزوجه فلما أكل من الشجرة تبعته زوجه ، وفي هذا المعنى قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } [ التحريم : 6 ] .

والغواية : ضدّ الرشد ، فهي عمل فاسد أو اعتقاد باطل ، وإثبات العصيان لآدم دليل على أنه لم يكن يومئذ نبيئاً ، ولأنّه كان في عالم غير عالم التكليف وكانت الغواية كذلك ، فالعصيان والغواية يومئذ : الخروج عن الامتثال في التربية كعصيان بعض العائلة أمرَ كبيرها ، وإنما كان شنيعاً لأنّه عصيان أمر الله . !

وليس في هذه الآية مستند لتجويز المعصية على الأنبياء ولا لِمنعها ، لأنّ ذلك العالَم لم يكن عالَم تكليف .