المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

98- وبعد أن أتم ذو القرنين بناء السد قال شاكراً لله : هذا السد رحمة من ربي بعباده ، وسيظل قائماً حتى يجئ أمر الله بهدمه ، فيصير أرضاً مستوياً ، وأمر الله نافذ لا محالة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

ووقف ذو القرنين أمام هذا العمل العظيم ، مظهرا الشكر لله - تعالى - ، والعجز أمام قدرته - عز وجل - شأن الحكام الصادقين فى إيمانهم ، الشاكرين لخالقهم توفيقه إياهم لكل خير .

وقف ليقول بكل تواضع وخضوع لخالقه . . : { هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي } .

أى : هذا الذى فعلته من بناء السد وغيره ، أثر من آثار رحمة ربى التى وسعت كل شئ .

{ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } الذى حدده لفناء هذه الدنيا ونهايتها ، أو الذى حدده لخروجهم منه { جعله دكاء } أى : جعل هذا السد أرضا مستوية ، وصيره مدكوكا أى : بمساواة الأرض . ومنه قولهم : ناقة دكاء أى : لا سنام لها .

{ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } أى : وكان كل ما وعد الله - تعالى - به عباده من ثواب وعقاب وغيرهما ، وعدا حقا لا يتخلف ولا يتبدل ، كما قال - سبحانه - :

{ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

وبذلك نرى فى قصة ذى القرنين ما نرى من الدروس والعبر والعظات ، التى من أبرزها . أن التمكين فى الأرض نعمة يهبها الله لمن يشاء من عباده . وأن السير فى الأرض لإِحقاق الحق وإبطال الباطل من صفات المؤمنين الصادقين ، وأن الحاكم العادل من صفاته : ردع الظالمين عن ظلمهم ، والإِحسان إلى المستقيمين المقسطين ، والعمل على ما يجعلهم يزدادون استقامة وفضلا ، وأن من معالم الخلق الكريم ، أن يعين الإِنسان المحتاج إلى عونه ، وأن يقدم له ما يصونه عن الوقوع تحت وطأة الظالمين المفسدين ، وأن من الأفضل أن يحتسب ذلك عند الله - تعالى - . وألا يطلب من المحتاج إلى عونه أكثر من طاقته .

كما أن من أبرز صفات المؤمنين الصادقين : أنهم ينسبون كل فضل إلى الله - تعالى - وإلى قدرته النافذة ، وأنهم يزدادون شكرا وحمداً له - تعالى - كلما زادهم من فضله ، وما أجمل وأحكم أن تختتم قصة ذى القرنين بقوله - تعالى - : { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } .

ثم تسوق السورة الكريمة بعد قصة ذى القرنين آيات تذكر الناس بأهوال يوم القيامة ، لعلهم يتوبون ويتذكرون .

استمع إلى السورة الكريمة وهى تصور ذلك فتقول : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً . . . } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

83

ونظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به ، فلم يأخذه البطر والغرور ، ولم تسكره نشوة القوة والعلم . ولكنه ذكر الله فشكره . ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه . وتبرأ من قوته إلى قوة الله ، وفوض إليه الأمر ، وأعلن ما يؤمن به من أن الجبال والحواجز والسدود ستدك قبل يوم القيامة ، فتعود الأرض سطحا أجرد مستويا .

( قال : هذا رحمة من ربي ، فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء . وكان وعد ربي حقا ) . .

وبذلك تنتهي هذه الحلقة من سيرة ذي القرنين . النموذج الطيب للحاكم الصالح ، يمكنه الله في الأرض ، وييسر له الأسباب ؛ فيجتاح الأرض شرقا وغربا ؛ ولكنه لا يتجبر ولا يتكبر ، ولا يطغى ولا يتبطر ، ولا يتخذ من الفتوح وسيلة للغنم المادي ، واستغلال الأفراد والجماعات والأوطان ، ولا يعامل البلاد المفتوحة معاملة الرقيق ؛ ولا يسخر أهلها في أغراضه وأطماعه . . إنما ينشر العدل في كل مكان يحل به ، ويساعد المتخلفين ، ويدرأ عنهم العدوان دون مقابل ؛ ويستخدم القوة التي يسرها الله له في التعمير والإصلاح ، ودفع العدوان وإحقاق الحق . ثم يرجع كل خير يحققه الله على يديه إلى رحمة الله وفضل الله ، ولا ينسى وهو في إبان سطوته قدرة الله وجبروته ، وأنه راجع إلى الله .

وبعد فمن يأجوج ومأجوج ? وأين هم الآن ? وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون !

كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق ، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن ، وفي بعض الأثر الصحيح .

والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين : ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء ، وكان وعد ربي حقا ) .

وهذا النص لا يحدد زمانا . ووعد الله بمعنى وعده بدك السد ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار ، وانساحوا في الأرض ، ودمروا الممالك تدميرا .

وفي موضع آخر في سورة الأنبياء : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون . واقترب الوعد الحق . . . ) .

وهذا النص كذلك لا يحدد زمانا معينا لخروج يأجوج ومأجوج فاقتراب الوعد الحق بمعنى اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول [ ص ] فجاء في القرآن : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) والزمان في الحساب الإلهي غيره في حساب البشر . فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها ملايين السنين أو القرون ، يراها البشر طويلة مديدة ، وهي عند الله ومضة قصيرة .

وإذن فمن الجائز أن يكون السد قد فتح في الفترة ما بين : ( اقتربت الساعة ) ويومنا هذا . وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق هي انسياح يأجوج ومأجوج .

وهناك حديث صحيح رواه الإمام أحمد عن سفيان الثوري عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، عن أمها حبيبة ، عن زينب بنت جحش - زوج النبي [ ص ] - قالت : استيقظ الرسول [ ص ] من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول : " ويل للعرب من شر قد اقترب . فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وحلق [ بإصبعيه السبابة والإبهام ] . قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ? قال " نعم إذا كثر الخبيث " .

وقد كانت هذه الرؤيا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن . وقد وقعت غارات التتار بعدها ، ودمرت ملك العرب بتدمير الخلافة العباسية على يد هولاكو في خلافة المستعصم آخر ملوك العباسيين . وقد يكون هذا تعبير رؤيا الرسول [ ص ] وعلم ذلك عند الله . وكل ما نقوله ترجيح لا يقين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

وقوله : { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي } أي : لما بناه ذو القرنين { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي } أي : بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من العيث{[18531]} في الأرض والفساد . { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي } أي : إذا اقترب الوعد الحق { جَعَلَهُ دَكَّاءَ } أي : ساواه{[18532]} بالأرض . تقول العرب : ناقة دكاء : إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها . وقال تعالى : { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } [ الأعراف : 143 ] أي : مساويًا للأرض{[18533]} .

وقال عكرمة في قوله : { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ } قال : طريقًا كما كان .

{ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا } أي : كائنًا لا محالة .


[18531]:في أ: "العبث".
[18532]:في ت، أ: "واساه".
[18533]:في ت: "الأرض".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ هََذَا رَحْمَةٌ مّن رّبّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبّي حَقّاً } .

يقول عزّ ذكره : فلما رأى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بني من الردم ، ولا يقدرون عل نقبه ، قال : هذا الذي بنيته وسوّيته حاجزا بين هذه الأمة ، ومن دون الردم رحمة من ربي رحم بها من دون الردم من الناس ، فأعانني برحمته لهم حتى بنيته وسوّيته ليكفّ بذلك غائلة هذه الأمة عنهم .

وقوله : فإذَا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ يقول : فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم ، جعله دكاء ، يقول : سوّاه بالأرض ، فألزقه بها ، من قولهم : ناقة دكاء : مستوية الظهر لا سنام لها . وإنما معنى الكلام : جعله مدكوكا ، فقيل : دكاء . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فإذَا جاءَ وَعدُ رَبي جَعَلَه دَكّاءَ قال : لا أدري الجبلين يعني به ، أو ما بينهما .

وذُكر أن ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال . ذكر من قال ذلك :

حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : حدثنا هشيم بن بشير ، قال : أخبرنا العوّام ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفارة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَقِيتُ لَيْلَةَ الإسْرَاءِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعيسَى فَتَذَاكرُوا أمْر السّاعَةِ ، وَرَدّوا الأَمْرَ إلى إبْرَاهِيمَ فَقالَ إبْرَاهِيمُ : لا عِلْمَ لي بِها ، فَرَدّوا الأمْرَ إلى مُوسَى ، فقالَ مُوسَى : لا عِلْمَ لي بها ، فَرَدّوا الأَمْرَ إلى عِيسَى قالَ عِيسَى : أمّا قِيامُ السّاعَةِ لا يَعْلَمُهُ إلاّ اللّهُ ، وَلَكِنّ رَبّي قَدْ عَهِدَ إليّ بِمَا هُوَ كائِنٌ دُونَ وَقْتِها ، عَهِدَ إليّ أنّ الدّجّالَ خارجٌ ، وأنّهُ مُهْبطي إلَيْه ، فَذَكَرَ أنّ مَعَهُ قَصَبَتَيْنِ ، فإذَا رآنِي أهْلَكَهُ اللّهُ ، قالَ : فَيَذُوبُ كمَا يَذُوبُ الرّصَاصُ ، حتى إنّ الحَجَرَ والشّجَرَ لَيَقُولُ : يا مُسْلِمُ هَذَا كافِرٌ فاقْتُلْهُ ، فَيُهْلِكُهُمْ اللّهُ ، وَيَرْجِعُ الناسُ إلى بِلادِهِمْ وأوْطانِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجَ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، لا يَأْتُونَ عَلى شَيْءٍ إلاّ أكَلُوهُ ، وَالا يَمُرّونَ عَلى ماءِ إلاّ شَرِبُوهُ ، فيَرّجِعُ النّاسُ إليّ ، فَيَشْكُونَهُمْ ، فأدْعُوا اللّهَ عَلَيْهِمْ فَيُمِيتُهُمْ حتى تَجْوَى الأرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمُ ، فَيَنْزِلُ المَطَرُ ، فَيَجُرّ أجْسادَهُمْ ، فيُلْقِيهِمْ فِي البَحْرِ ، ثُمّ يَنْسِفُ الجِبالَ حتى تَكُونَ الأرْضُ كالأديم ، فَعَهِدَ إليّ رَبّي أنّ ذلكَ إذا كان كذلك ، فَإنّ السّاعَةَ مِنْهُمْ كالحامِلِ المُتِمّ الّتِي لا يَدْرِي أهْلُها مَتى تَفْجَوهُمْ بِوِلادِها ، لَيْلاً أوْ نَهارا » .

حدثني عبيد بن إسماعيل ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن أصبع بن زيد ، عن العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عَفازَة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لما أُسْري برسول الله صلى الله عليه وسلم التقي هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام . فتذاكروا أمر الساعة . فذكر نحو حديث إبراهيم الدورقي عن هشيم ، وزاد فيه : قال العوّام بن حوشب : فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ، قال الله عزّ وجلّ : حتى إذَا فُتِحَتْ يأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقّ فإذَا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا وقال : فإذَا جاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وكانَ وَعْدُ رَبّي حَقّا يقول : وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دكّ هذا الردم ، وخروج هؤلاء القوم على الناس ، وعيثهم فيه ، وغير ذلك من وعده حقا ، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن .