إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

{ قَالَ } أي ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديارِ وغيرهم { هذا } إشارةٌ إلى السد ، وقيل : إلى تمكينه من بنائه والفضلُ للمتقدم أي هذا الذي ظهر على يدي وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنُه ما ذكر من المتانة وصعوبةِ المنال { رَحْمَةً } أي أثرُ رحمةٍ عظيمة عبر عنه بها مبالغةً { مّن ربّي } على كافة العباد لاسيما على مجاوريه ، وفيه إيذانٌ بأنه ليس من قبيل الآثارِ الحاصلةِ بمباشرة الخلقِ عادةً بل هو إحسانٌ إلهي محضٌ وإن ظهر بمباشرتي ، والتعرّضُ لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة .

{ فَإِذَا جَاء وَعْدُ ربّي } مصدر بمعنى المفعول وهو يومُ القيامة لا خروجُ يأجوجَ ومأجوجَ كما قيل إذ لا يساعده النظمُ الكريم ، والمراد بمجيئه ما ينتظم مجيئَه ومجيءَ مباديه من خروجهم وخروجِ الدجالِ ونزولِ عيسى عليه الصلاة والسلام ونحوِ ذلك لا دنوُّ وقوعِه فقط كما قيل ، فإن بعضَ الأمور التي ستحكى تقع بعد مجيئِه حتماً { جَعَلَهُ } أي السدَّ المشارَ إليه مع متانته ورصانتِه ، وفيه من الجزالة ما ليس في توجيه الإشارةِ السابقة إلى التمكين المذكور { دَكَّاء } أي أرضاً مستويةً ، وقرئ دكاً أي مدكوكاً مسوَّى بالأرض ، وكلُّ ما انبسط بعد ارتفاعٍ فقد اندك ومنه الجملُ الأدكُّ أي المنبسطُ السنام ، وهذا الجعلُ وقت مجيءِ الوعد بمجيء بعضِ مباديه ، وفيه بيانٌ لعظم قدرتِه عز وجل بعد بيان سعةِ رحمته { وَكَانَ وَعْدُ ربّي } أي وعدُه المعهودُ أو كلُّ ما وعد به فيدخُل فيه ذلك دخولاً أولياً { حَقّاً } ثابتاً لا محالةَ واقعاً البتة ، وهذه الجملةُ تذييلٌ من ذي القرنين لما ذكره من الجملة الشرطيةِ ومقرِّرٌ مؤكدٌ لمضمونها وهو آخرُ ما حُكي من قصته .