اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ هَٰذَا رَحۡمَةٞ مِّن رَّبِّيۖ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّي جَعَلَهُۥ دَكَّآءَۖ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّي حَقّٗا} (98)

ثم قال ذو القرنين : " هَذَا " إشارةٌ إلى السدِّ " رَحْمَةٌ " أي : نعمة من الله ، ورحمة على عباده { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي } أي : القيامة .

وقيل : وقت خروجهم { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } أي : جعل السدَّ مدكوكاً مستوياً ، مع وجه الأرض .

قوله : { جَعَلَهُ دَكَّآءَ } : الظاهر أنَّ " الجَعْلَ " هنا بمعنى " التَّصْيير " فتكون " دكَّاء " مفعولاً ثانياً ، وجوَّز ابن عطيَّة : أن يكون حالاً ، و " جَعَلَ " بمعنى " خَلَقَ " وفيه بعدٌ ؛ لأنه إذ ذاك موجود ، وتقدَّم خلاف القراء في " دكَّاء " في الأعراف .

قوله : { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } الوعْدُ هنا مصدر بمعنى " المَوعُود " أو على بابه .

فصل فيما روي عن يأجوج ومأجوج

روى قتادة{[21337]} ، عن أبي رافعٍ ، عن أبي هريرة ، يرفعه : أنَّ يأجُوج ومأجُوجَ يحفرونه كلَّ يوم ، حتَّى إذا كادوا يرون شُعاعَ الشَّمسِ ، قال الذي عليهم : ارجعوا ؛ فسَتحْفُرونهُ غداً ، فيُعيدهُ الله كما كان ، حتَّى إذا بَلغَتْ مُدَّتهُمْ ، حفروا ؛ حتَّى كادوا يرون شعاع الشَّمسِ ، قال الذي عليهم : ارْجِعُوا ، فسَتحْفرُونَهُ ، إن شاء الله تعالى غداً ، واستثنى ، فيَعُودُونَ إليه ، وهو كهيئته حين تركوهُ ، فيحفرونه ، فيخرجون على النَّاس [ فَيَشْرَبُونَ ]{[21338]} المياهَ ، ويتحَصَّنُ النَّاس في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السَّماءِ ، فتَرجِعُ فيها كهيئةِ الدَّم ، فيقولون : قهرنا أهْلَ الأرْضِ ، وعلونا أهل السَّماء ، فيَبعَثُ الله عليهم نغفاً في أقفائهم ، فَيهلكُونَ ، وإنَّ دوابَّ الأرضِ لتسمنُ وتشكرُ من لحومهم{[21339]} .

وعن النَّواس بن سمعان ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّال ذات غداةٍ ، فخفَّض فيه ورفَّع حتَّى ظننَّاهُ في طائفةِ النَّخل ، فلمَّا رحنا إليه ، عرف ذلك فينا ، فقال : ما شَأنكم ؟ قلنا : يا رسول الله ، ذكرتَ الدَّجالِ الغداةَ ، فخفَّضْتَ ، ورفَّعتَ ؛ حتَّى ظَننَّاهُ في طائفة النَّخلِ ؛ فقال : غير الدَّجالِ أخْوفني عليكم ، إنْ يخرجْ وأنا فيكم ، فأنا حَجيجُهُ دونكم ، وإن يخرج ، ولستُ فيكم ، فكلُّ امرئٍ حَجِيجُ نفسه ، والله خليفتي على كلِّ مسلم ؛ إنَّهُ شابٌّ قططٌ ، عينه طافيةٌ ؛ كأنِّي أشبِّهه بعبد العُزَّى بن قطنٍ ، فمن أدركه منكم ، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنَّه خارجٌ خلَّة بين الشَّام والعراق ، فعاث يميناً ، وعاث شمالاً ؛ يا عباد الله فاثبتوا قلنا : يا رسول الله ، وما لبثهُ في الأرض ؟ قال : أربعون يوماً ؛ يومٌ كسنةٍ ، ويومٌ كشهرٍ ، ويومٌ كجمعةٍ ، وسَائرُ أيَّامه كأيَّامكُمْ ، قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليومُ الذي كسنةٍ ، يكْفِينَا فيه صلاةُ يوم ؟ قال : لا ، اقدرُوا لهُ قدرهُ ، قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعهُ في الأرض ؟ قال : كالغَيْثِ اسْتدْبَرَتهُ الرِّيحُ ، فيأتي على القومِ ، فيَدعُوهُمْ ، فيُؤمِنُونَ به ، ويسْتَجيبُونَ له ، فيَأمُر السَّماءَ ، فتُمْطِرُ ، والأرض فتُنْبِتُ ، وتَروحُ عليهم سارحتهم ، أطول ما كانت ذُرًى ، وأسبغهُ ضُرُوعاً ، وأمدَّهُ خَواصِرَ ، ثمَّ يأتي القوم ، فيَدعُوهُمْ ، فيَردُّونَ عليه قوله ، قال : فيَنْصرِفُ عنهم ، فيُصْبِحُونَ مُمْحلين ، ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم ، ويمرُّ بالخربة ، فيقول لها : أخرجي كنُوزكِ ، فتَتْبَعُهُ كنُوزهَا ؛ كيعَاسيب النَّحلِ ، ثمَّ يدعو رجلاً مُمتلِئاً شباباً ، فيَضْرِبُهُ بالسَّيفِ ، فيَقْطعُه جزلتين رمية الغرض ، ثمَّ يدعوهُ ، فيُقْبلُ ، يتهلَّلُ وجههُ ؛ يضحك ، فبينما هو كذلك ؛ إذْ بعثَ الله عيسى ابن مريم المسيح - عليه السلام - فينزلُ عند المنارةِ البيضاءِ شرقيَّ دمشق ، بين مهرُودتين واضعاً كفَّيه على أجْنحَةِ ملكين ، إذا طأطأ رأسهُ ، قطر ، وإذا رفعه ؛ تحدَّر منه مثل جمان اللؤلؤِ ، فلا يحلُّ للكافر يجدُ ريحَ نفسه إلاَّ مات ، ونفسه ينتهي حيثُ ينتهي طرفه حتَّى يدركه ببابِ لدٍّ ، فيقتلهُ ، ثمَّ يأتي عيسى قومٌ قد عصمهمُ الله منهُ ، فيَمْسحُ عن وجوههم ، ويحدِّثهُمْ بدرجاتهم في الجنَّة ، فبينما هو كذلك إذْ أوحى الله تعالى إلى عيسى : إنِّي قَدْ أخرجتُ عباداً لي لا يدان لأحدٍ بقتالهم ، فحرِّزْ عبادي إلى الطُّور ، ويبعثُ الله يأجُوج ومأجُوجَ ، وهُمْ من كلِّ حدبٍ ينسلون ، فيمُرُّ أوائلهُم على بحيرة " طبَريَّة " فيَشْربُونَ ما فيها ، ويمرُّ آخرهم ، فيقولون : لقد كان بهذه مرَّة ماءٌ ، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأسُ الثَّور لأحدهم خيراً من مائة دينارٍ لأحدكم اليْومَ ، فيرغب نبيُّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيُرسِلُ الله تعالى عليهم النَّغف في رقابهم ، فيُصْبِحُون فَرْسَى كموتِ نفسٍ واحدةٍ ثمَّ يهبطُ نبيُّ الله وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدُونَ في الأرض موضع شبر إلا ملأهُ زَهمهُمْ ونتنهُمْ ، فيَرْغبُ نبيُّ الله عيسى وأصحابهُ إلى الله ، فيُرسِلُ الله عليهم طيراً ؛ كأعناقِ البُخْتِ ، فتَحْملهُمْ ، فتَطْرَحهُمْ حيثُ شَاءَ الله ، ثمَّ يرسلُ الله مطراً ، لا يكنُّ منهُ بيتٌ مَدَرٌ ، ولا وبرٌ ، فيَغْسِلُ الأرض ، حتَّى يَتركهَا كالزَّلقة ، ثمَّ يقال للأرض : أنْبتِي ثَمرتك ، ورُدِّي بَركتَكِ ، فيَومئذٍ : تَأكلُ العِصابةُ الرُّمانَة ، ويَسْتظلُّونَ بِقحْفِهَا ، ويبارك في الرِّسلِ ، حتَّى إنَّ اللقحة من الإبل ، لتكفي الفئامَ من النَّاس ، وبينما هم كذلك ؛ إذْ بعث الله ريحاً طيبة ، فتَأخُذهُمْ تحت آباطهم ، فتَقْبِضُ رُوح كلِّ مؤمنٍ ، وكلِّ مسلمٍ ، ويبقى شِرارُ النَّاس يَتهارَجُونَ فيها تَهارُجَ الحُمُر ، فعليهم تَقومُ السَّاعةُ{[21340]} .


[21337]:ينظر: معالم التنزيل 3/183.
[21338]:في ب: فيستقون.
[21339]:أخرجه أحمد (2/ 510 – 511) وابن ماجه (4080) والترمذي (3151) وابن حبان (1908 – موارد) والحاكم (4/488) وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه مثل هذا. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[21340]:أخرجه مسلم 4/2250 ـ 2252 – 2253 – 2254 - 2255 كتاب الفتن: باب ذكر الدجال (110 – 2937)، (111 – 2937).