{ أولائك هُمُ المؤمنون حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .
أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الكريمة هم المؤمنون إيمانا حقا { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ } عالية ، ومكانة سامية { عِندَ رَبِّهِمْ } ولهم { وَمَغْفِرَةٌ } شاملة لما فرط منهم من ذنوب ، ولهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } في الجنة ، يجعلهم يحيون فيها حياة طيبة
{ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } وقوله { حَقّاً } منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف ، أى : أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً .
والتنوين في قوله { دَرَجَاتٌ } للتعظيم والتهويل أى : لهم درجات رفيعة ، ومنازل عظيمة ، وفى وصف هذه الدرجات بأنها { عِندَ رَبِّهِمْ } مزيد تشريف لهم ، ولطف بهم ، وإيذان بأن ما وعدهم به متيقن الوقوع ، لأنه وعد من كريم لا يخلف وعده - سبحانه - .
وفى وصف الرزق الذي أعده لهم بالكرم ، زيادة في إدخال السرور على قلوبهم ؛ لأن لفظ الكريم يصف به العرب كل شئ حسن في بابه ، بحيث يكون لا قبح فيه ولا شكوى معه .
وبذلك نرى أن أصحاب تلك الصفات الحميدة قد مدحهم الله - تعالى - مدحاً عظيما ، وكأفأهم على إيمانهم الحق بالدرجات العالية ، والمغفرة الشاملة ، والرزق الكريم : { ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم } هذا ، وقد استنبط العلماء من تلك الآيات جملة من الأحكام والآداب منها :
1- حرص الصحابة على سؤال النبى - صلى الله عليه وسلم - عما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم .
فإن قيل : كيف تأتى لأصحابه الذين شهدوا برداً - وهم من هم في عفتهم وزهدهم - أن يختلفوا في شأن الغنائم .
فالجواب ، ، أن بعض الصحابة المشتركين في هذه الغزوة هم الذين حدث بينهم الخلاف في شأنها ؛ لأنهم لم يكن لهم عهد سابق بكيفية تقسيمها ، أما أكثر الصحابة فإنهم لم يلتفتوا إلى هذه الغنائم ، بل تركوا أمرها إلى رسول الله - يضعها كيف يشاء .
وأيضاً فإن هؤلاء الذين حدث بينهم الخلاف في شأن الغنائم ، كان من الدوافع التي دفعتهم إلى هذا الخلاف ، ما فهموه من أن حيازة الغنائم تدل على حسن البلاء ، وشدة القتال في سبيل الله ، فكان كل واحد منهم يحرص على أن يظهر بهذا المظهر المشرف وهم في أول لقاء لهم مع أعدائهم .
وعندما جاوز هذا الحرص حده ، بأن غطى على ما يجب أن يسود بينهم من سماحة وصفاء ، نزل القرآن ليربيهم بتربيته الحكيمة ، وليؤدبهم السامى ، وليخبرهم بحكم الله في شأن هذه الأنفال . . وبعد ان عرفوا حكم الله في شأنها ، قابلوه بالرضا والإِذعان والتسليم .
2- أن القرآن في ترتيبه للحوادث ، لا يلزم سردها على حسب زمن وقوعها ، وإنما يرتبها بأسلوبه الخاص الذي يراعى فيه مقتضى حال المخاطب .
فلقد افتتحت السورة التي معنا بالحديث عن الغنائم التي غنمها المسلمون في بدر - مع أن ذلك كان بعد انتهاء الغزوة - ليشعر المخاطبين من أول الأمر أن النصر في هذه الغزوة كان للمسلمين ، وأن الإِسلام قد صرع الكفر منذ أول معرفكة نازله فيها .
وهذا اللون من الافتتاح هو ما يعبر عنه البلغاء ببراعة الاستهلال .
ولقد أفاض بعض العلماء في شرح هذا المعنى فقال ما ملخصه .
وقد بدأت السورة بموضوع الأنفال واختلافهم في قسمتها وسؤالهم عنها ، فساقت في ذلك أربع آيات ، هن : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول فاتقوا الله } إلى قوله - { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .
وقد عالجت هذه الآيات نفوس المؤمنين ، وعملت على تطهيرها من الاختلاف الذي ينشأ عن حب المال والتطلع إلى المادة ، ولا ريب أن حب المال والتطلع إلى المادة من أكبر أسباب الفشل .
ولأهمية هذا الموضوع في حياة المؤمنين بدأت به السورة ، وإن كان اختلافهم في قسمة الأنفال متأخراً في الوجود عن اختلافهم في الخروج إلى بدر ، وقتال الأعداء .
وقد عرفنا من سنة القرآن في ذكر القصص والوقائع أنه لا يعرض لها مرتبة حسب وقوعها ، وذلك لأنه لا يذكرها على أنها تاريخ يعين لها الوقت والمكان ، وإنما يذكرها لما فيها من العبر والمواعظ ، ولما تطلبه من الأحكام والحكم .
وقد بدأت السورة بالحديث عن الأنفال للمسارعة من أول الأمر بنتائج النصر الذي كفله الله للمؤمنين .
وليس من تربية النفوس أن نبدأ الكلام معا بما يدل على الاضطراب والفزع والتردد أمام وسائل العزة والشرف ، متى وجد لهم بجانب هذا التردد ما يدل على مواقف الشرف والكرامة . .
ولا كذلك يكون الأمر إذا بدئت ببيان تثاقلهم في الخروج إلى الغزوة ، وانظر كيف يكون وقع المطلع إذا جاء على هذا الوجه { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ . . } إلخ .
لا ريب أنه مطلع شديد الوقع على النفوس ، يصور علاقة المؤمنين بنبيهم في صورة يأباها إيمانهم به وامتثالهم لأمره . يصورهم في شقاق واختلاف مع قائدهم ورسولهم ويصوره في ثوب الكراهية الشديدة لمعالى الأمور وعز الحياة .
لهذا كله جاء الأسلوب في سرد الوقائع غير مكترث بمخالفة ترتبيها في الوجود الخارجى .
3- استدل جمهور العلماء بقوله - تعالى - { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } على أن الإِيمان يزيد وينقص . . .
ومن المفسرين الذين بسطوا القول في هذه المسألة الإِمام الآلوسى ، فقد قال ما ملخصه :
قوله - تعالى - { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ } أى : القرآن { زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } أى : تصديقا كما هو المتبادر ، فإن تظاهر الأدلة وتعاضد الحجج مما لا ريب في كونه موجبا لذلك .
وهذا أحد أدلة من ذهب إلى أن الإِيمان يقبل الزيادة والنقص ، وهو مذهب الجم الغفير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ، وبه أقول لكثرة الظواهر الدالة على ذلك من الكتاب والسنة من غير معارض لها عقلا .
بل قد احتج عليه بعضهم بالعقل - أيضا - وذلك أنه لو لم تتفاوت حقيقة الإِيمان لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمكين في الفسق والمعاصى ، مساويا لإِيمان الأنبياء والملائكة ، واللازم باطل فكذا الملزوم .
وقال النووى : إن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى يكون في بعض الأحيان أعظم يقينا وإخلاصا منه في بعضها ، فكذا التصديق والمعرفة يتفاضلان بحسب ظهور البراهين وكثرتها .
وذهب الإِمام أبو حنيفة وكثير من المتكلمين إلى أن الإِيمان لا يزيد ولا ينقص ، واختاره إمام الحرمين ، محتجين بأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم والإِذعان ، وذلك لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان فالمصدق إذا اتى أو ارتكب المعاصى فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا ، وإنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة وكثرة .
وذهب جماعة منهم الإِمام الرازى إلى أن الخلاف في زيادة الإِيمان ونقصانه وعدمها لفظى ، وهو فرع تفسير الإِيمان ، فمن فسره بالتصديق قال : إنه لا ينقص ، ومن فسره بالأعمال مع التصديق قال : إنه يزيد وينقص ، وعلى هذا قول البخارى " لقيت اكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار ، فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإِيمان قول وعمل ويزيد وينقص ، وهو المعنى بما روى " عن ابن عمر أنه قال . قلنا يا رسول الله إن الإِيمان يزيد وينقص ، قال ، نعم ، يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخل صاحبه النار " .
ويبدو لنا أن رأى جمهور العلماء في هذه المسألة ، أولى بالقبول ؛ لأنه من الواضح أن إيمان الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ارسخ وأقوى من إيمان آحاد الناس ، ولأنه كلما تكاثرت الأدلة كان الإِيمان أشد رسوخا في النفس وأعمق أثراً في القلب ، فلا تزلزله الشهبات ولا تزعزعه العوارض والفتن .
ومن أوضح الأدلة على أن الإِيمان يقوى بقوة البرهان إلى درجة الاطمئنان ، ما حكاه الله - تعالى - عن إبراهيم في قوله : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بلى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } فهذه الآية تدل دلالة واضحة على أن مقام الطمأنينة في الإِيمان ، يزيد على ما دونه من الإِيمان المطلق قوة وكمالا . إن إبراهيم - عليه السلام - لا شك أنه كان مؤمنا عندما سأل ربه هذا السؤال ، سأله ذلك لينتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة أعلى : وهى مرتبة عين اليقين . .
هذا ، وشبيه بهذه الآية في الدلالة على قبول الإِيمان للزيادة والنقصان قوله - تعالى : { الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فاخشوهم فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } وقوله - تعالى - : { هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } وقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ } وقوله - تعالى - : { وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الأحزاب قَالُواْ هذا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي وردت في هذا المعنى .
4- في هذه الآيات الكريمة تربية ربانية للمؤمنين ، وتوجيه لهم إلى ما يسعدهم ، وإرشاد لهم إلى أن المؤمن الصادق في إيمانه ، هو الذي يجمع بين سلامة العقيدة ، وسلامة الخلق ، وصلاح العمل ، وأن المؤمن متى جمع بين هذه الصفات ارتفع إلى أعلى الدرجات ، وأحسن بحلاوة الإِيمان في قلبه .
روى الحافظ الطبرانى " عن الحارث بن مالك الأنصارى أنه مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : " كيف أصبحت يا حارث " ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا ، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - " انظر ما تقول فإن لكل شئ حقيقة ، فما حقيقة إيمانك " ؟ فقال الحارث : عزفت عن الدنيا فأسهرت ليلى ، وأظمأت نهارى . وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً ، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأنى أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " يا حارث عرفت فالزم " ثلاثا " .
وعلى نفس القاعدة يجيء التعقيب الأخير :
( أولئك هم المؤمنون حقاً ، لهم درجات عند ربهم ، ومغفرة ، ورزق كريم ) . .
فهذه الصفات إنما يجدها في نفسه وفي عمله المؤمن الحق . فمن لم يجدها جملة لم يجد صفة الإيمان . وهي في الوقت ذاته تواجه الحالة التي تنزلت فيها الآيات . . ومن ثم تواجه الحرص على الشهادة بحسن البلاء ، بأن هؤلاء الذين يجدون هذه الصفات ( لهم درجات عند ربهم ) . . وتواجه ما وقع في ذات البين من سوء أخلاق - كما قال عبادة بن الصامت - بأن الذين يجدون هذه الصفات لهم عند ربهم( مغفرة ) . . وتواجه ما وقع من نزاع على الأنفال بأن الذين يجدون هذه الصفات لهم عند ربهم ( رزق كريم ) . . فتغطي الحالة كلها ، كل ما لابسها من مشاعر ومواقف . وتقرر في الوقت ذاته حقيقة موضوعية ؛ وهي أن هذه صفات المؤمنين ، من فقدها جملة لم يجد حقيقة الإيمان .
( أولئك هم المؤمنون حقاً ) . . .
وقد كانت العصبة المسلمة الأولى تُعلم أن للإيمان حقيقة لا بد أن يجدها الإنسان في نفسه ، وأنه ليس الإيمان دعوى ولا كلمات لسان ، ولا هو بالتمني . . قال الحافظ الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن يزيد السكسكي ، عن سعيد ابن أبي هلال ، عن محمد بن أبي الجهم ، عن الحارث بن مالك الأنصاري ، أنه مر برسول الله [ ص ] فقال له : " كيف أصبحت يا حارث ? " قال : أصبحت مؤمناً حقا . قال : " انظر ما تقول ، فإن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ? " فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري . وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا . وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها . وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها . فقال : " يا حارث . عرفت فالزم " . . ثلاثاً . . . ولقد ذكر هذا الصحابي الذي استحق شهادة رسول الله [ ص ] له بالمعرفة من حال نفسه ، ما يصور مشاعره ويشي بما وراء هذه المشاعر من عمل وحركة . فالذي كأنه ينظر إلى عرش ربه بارزاً ، وينظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل النار يتضاغون فيها ، لا ينتهي إلى مجرد النظر . إنما هو يعيش ويعمل ويتحرك في ظل هذه المشاعر القوية المسيطرة التي تصبغ كل حركة وتؤثر فيها . ذلك إلى جانب ما أسهر ليله وأظمأ نهاره ، وكأنما هو ناظر إلى عرش ربه بارزاً . . . .
إن حقيقة الإيمان يجب أن ينظر إليها بالجد الواجب ؛ فلا تتميع حتى تصبح كلمة يقولها لسان ، ومن ورائها واقع يشهد ظاهرة شهادة بعكس ما يقوله اللسان ! إن التحرج ليس معناه التميع ! والشعور بجدية الحقيقة الإيمانية أوجب ؛ والتحرج في تصورها ألزم . وبخاصة في قلوب العصبة المؤمنة التي تحاول إعادة إنشاء هذا الدين في دنيا الواقع ، التي غلبت عليها الجاهلية ، وصبغتها بصبغتها المنكرة القبيحة !
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } . .
يقول تعالى ذكره : الذين يؤدّون الصلاة المفروضة بحدودها ، وينفقون مما رزقهم الله من الأموال فيما أمرهم الله أن ينفقوها فيه من زكاة وجهاد وحجّ وعمرة ونفقة على من تجب عليهم نفقته ، فيؤدّون حقوقهم . أولَئِكَ يقول : هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال . هُمُ المُؤْمِنُونَ لا الذين يقولون بألسنتهم قد آمنا وقلوبهم منطوية على خلافه نفاقا ، لا يقيمون صلاة ولا يؤدّون زكاة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس : الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاةَ يقول : الصلوات الخمس . وممّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يقول : زكاة أموالهم . أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّا يقول : برئوا من الكفر . ثم وصف الله النفاق وأهله ، فقال : إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ باللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أنْ يُفَرّقُوا بينَ اللّهَ وَرُسُلِهِ . . . إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ حَقّا فجعل الله المؤمن مؤمنا حقّا ، وجعل الكافر كافرا حقّا ، وهو قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّا قال : استحقوا الإيمان بحقّ ، فأحقه الله لهم .
القول في تأويل قوله تعالى : لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : لَهُمْ دَرَجاتٌ لهؤلاء المؤمنين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم درجات ، وهي مراتب رفيعة .
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الدرجات التي ذكر الله أنها لهم عنده ما هي ، فقال بعضهم : هي أعمال رفيعة وفضائل قدّموها في أيام حياتهم . ذكر من قال ذلك .
حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد : لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال : أعمال رفيعة .
وقال آخرون : بل ذلك مراتب في الجنة . ذكر من قال ذلك .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن جبلة ، عن عطية ، عن ابن محيريز : لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال : الدرجات سبعون درجة ، كل درجة حضر الفرس الجواد المضمّر سبعين سنة .
وقوله وَمَغْفرَةٌ يقول : وعفو عن ذنوبهم وتغطية عليها . وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قيل : الجنة . وهو عندي ما أعدّ الله في الجنة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، عن هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة : وَمَغْفِرَةٌ قال : لذنوبهم . وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قال : الجنة .
وقوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } يريد كل المؤمنين{[5221]} ، و { حقاً } مصدر مؤكد كذا نص عليه سيبويه ، وهو المصدر غير المتنقل ، والعامل فيه أحق ذلك حقاً{[5222]} ، وقوله { درجات } ظاهره ، وهو قول الجمهور ، أن المراد مراتب الجنة ومنازلها ودرجتها على قدر أعمالهم ، وحكى الطبري عن مجاهد أنها درجات أعمال الدنيا ، وقوله { ورزق كريم } يريد به مآكل الجنة ومشاربها ، و { كريم } صفة تقتضي رفع المذام كقولك ثوب كريم وحسب كريم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ". يعني جلّ ثناؤه بقوله: "لَهُمْ دَرَجاتٌ": لهؤلاء المؤمنين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم درجات، وهي مراتب رفيعة. ثم اختلف أهل التأويل في هذه الدرجات التي ذكر الله أنها لهم عنده ما هي؛ فقال بعضهم: هي أعمال رفيعة وفضائل قدّموها في أيام حياتهم... وقال آخرون: بل ذلك مراتب في الجنة...
وقوله "وَمَغْفرَةٌ "يقول: وعفو عن ذنوبهم وتغطية عليها. "وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "قيل: الجنة. وهو عندي ما أعدّ الله في الجنة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا} أي حققوا حقاً وصدقوا صدقاً. ويقال حق لهم ذلك حقاً. قوله: {لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ} على حسب ما أَهَّلَهُمْ له من الرُّتَبِ؛ فَبِسَابقِ قِسْمَتِه لهم استوجبوها، ثم بصادقِ خِدْمَتِهِم -حين وفَّقَهم لها- بلغوها. ولهم مغفرةٌ في المآل، والسَّتْرُ في الحال لأكابرهم، فالمغفرة الستر، والحق سبحانه يستر مثالِبَ العاصين ولا يفضحهم لئلا يحجبوا عن مأمول أفضالهم، ويستر مناقِبَ العارفين عليهم لئلا يُعْجَبُوا بأعمالهم وأحوالهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{حَقّاً} صفة للمصدر المحذوف، أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي {أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون} كقولك: هو عبد الله حقاً، أي حق ذلك حقاً... {درجات} شرف وكرامة وعلو منزلة {وَمَغْفِرَةٌ} وتجاوز لسيئاتهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} نعيم الجنة. يعني لهم منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم، وهذا معنى الثواب.
اعلم أن الصفات المذكورة قسمان:
الثلاثة الأول: هي الصفات القلبية والأحوال الروحانية، وهي الخوف والإخلاص والتوكل.
والاثنتان الأخيرتان: هما الأعمال الظاهرة والأخلاق. ولا شك أن لهذه الأعمال والأخلاق تأثيرات في تصفية القلب، وفي تنويره بالمعارف الإلهية. ولا شك أن المؤثر كلما كان أقوى كانت الآثار أقوى وبالضد، فلما كانت هذه الأخلاق والأعمال لها درجات ومراتب. كانت المعارف أيضا لها درجات ومراتب، وذلك هو المراد من قوله: {لهم درجات عند ربهم} والثواب الحاصل في الجنة أيضا مقدر بمقدار هذه الأحوال. فثبت أن مراتب السعادات الروحانية قبل الموت وبعد الموت، ومراتب السعادات الحاصلة في الجنة كثيرة ومختلفة، فلهذا المعنى قال: {لهم درجات عند ربهم}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما حققوا إيمانهم بأفعال القلوب والجوارح والأموال، فاستوفوا بذلك جميع شعب الدين، عظم سبحانه شأنهم بقوله: {أولئك} أي العالو الهمم {هم} أي خاصة {المؤمنون} وأكد مضمون الجملة بقوله: {حقاً}. ولما كانت صفاتهم الخمس المذكورة المشتملة على الأخلاق والأعمال لها تأثيرات في تصفية القلوب وتنويرها بالمعارف الإلهية، وكلما كان المؤثر أقوى كانت التأثيرات أعلى، فلما كانت هي درجات كان جزاؤها كذلك، فلهذا قال سبحانه تعالى في جواب من كأنه قال: فما جزاؤهم على ذلك؟ {لهم درجات} ولما كثرها بجمع السلامة بما دل عليه سياق الامتنان، عظمها بقوله: {عند ربهم} أي بتسليمهم لأمره. ولما كان قدر الله عظيماً، وكان الإنسان عن بلوغ ما يجب عليه من ذلك ضعيفاً حقيراً، وكان بأدنى شيء من أعماله يستفزه الإعجاب، أشار سبحانه إلى أنه لا يسعه إلا العفو ولو بذل فوق الجهد فقال: {ومغفرة} أي لذنوبهم إن رجعوا عن المنازعة في الأنفال وغيرها، {ورزق كريم} أي لا ضيق فيه ولا كدر بوجه ما من منازعة ولا غيرها، فهو يغنيهم عن هذه الأنفال، ويملأ أيديهم من الأموال من غنائم فارس والروم وغير ذلك، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فما لا يحيط به الوصف،...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{أولئك هم المؤمنون حقا} أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات كلها هم دون سواهم ممن لم يتصف بها المؤمنون إيمانا حقا أو حق الإيمان الذي لا نقص فيه، أو حق ذلك حقا أو حققته حقا، ذلك بأن الإيمان حق الإيمان وهو ما أعقب التصديق الإذعاني فيه أثره من أعمال القلوب والجوارح وبذل المال في سبيله عز وجل. وقد جمعت الصفات التي وصفوا بها كل ذلك بحيث تتبعها سائر شعب الإيمان...
ثم بين تعالى جزاء هؤلاء المؤمنين الكملة فقال: {لهم درجات عند ربهم} الدرجات منازل الرفعة ومراقي الكرامة وكونها عند الرب تعالى وذكره مضافا إلى ضميرهم تنبيه إلى عظم قدر هذه الدرجات وتكريم لأهلها، فإن الله تعالى فضل بعض الناس ورفعهم على بعض درجة أو درجات في الدنيا وفي الآخرة وعند الرب عز وجل وهذا الأخير وإن كان يكون في الآخرة فإن وصفه بكونه عند الرب وبإضافة اسم الرب إلى أصحاب الدرجات يدل على مزيد رفعة واختصاص.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة مؤكدة لمضمون جملة: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله} [الأنفال: 2] إلى آخرها ولذلك فصلت. وعُرف المسند إليه بالإشارة لوقوعه عقب صفات لتدل الإشارة على أنهم أحرياء بالحكم المسند إلى اسم الإشارة من أجل تلك الصفات، فكان المخبرَ عنهم قد تميزوا للسامع بتلك الصفات فصاروا بحيث يشار إليهم. وفي هذه الجملة قصر آخر يشبه القصر الذي قوله: {إنما المؤمنون} [الأنفال: 2] حيث قصر الإيمان مرة أخرى على أصحاب تلك الصفات ولكنه قرن هنا بما فيه بيان المقصور وهو أنهم المؤمنون الأحقاء بوصف الإيمان. والحق أصله مصدر حَق بمعنى ثبت واستعمل استعمال الأسماء للشيء الثابت الذي لا شك فيه قال تعالى: {وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً} [النساء: 122]. ويطلق كثيراً، على الكامل في نوعه، الذي لا سترة في تحقق ماهية نوعه فيه، كما يقول أحد لابنه البار به: أنت ابني حَقاً، وليس يريد أن غيره من أبنائه ليسوا لرشدة ولكنه يريد أنت بنوتك واضحة آثارها، ويطلق الحق على الصواب والحكمة فاسم الحق يجمع معنى كمال النوع. ولكل صيغة قصر: منطوق ومفهوم، فمنطوقها هنا أن الذين جَمعوا ما دلت عليه تلك الصلات هم مؤمنون حقاً، ومفهومها أن من انتفى عنه أحدُ مدلولات تلك الصلات لم يكن مؤمناً كاملاً، وليس المقصود أن من ثبتت له إحداها كان مؤمناً كاملاً، إذا لم يتصف ببقية خصال المؤمنين الكاملين، فمعنى أولئك هم المؤمنون حقا: أن من كان على خلاف ذلك ليس بمؤمن حقا أي كاملاً. وهذا تأويل للكلام دعا إليه الجمع بين عديد الأدلة الواردة في الكتاب والسنة القولية والفعلية من ثبوت وصف الإيمان لكل من أيقن بأن الله منفرد بالإلهية وأن محمداً رسول الله إلى الناس كافة، فتلك الأدلة بلغت مبلغ التواتر المعنوي المحصّل للعلم الضروري بأن الإخلال بالواجبات الدينية لا يسلب صفة الإيمان والإسلام عن صاحبه...
.وانتصب {حقاً} على أنه مفعول مطلق صفة لمصدر محذوف دل عليه {المؤمنون} أي إيماناً حقاً، أو على أنه موكدٌ لمضمون جملة {أولئك هم المؤمنون} أي ثبوت الإيمان لهم حق لا شبهة فيه، وهو تحقيق لمعنى القصر بما هو عليه من معنى المبالغة، وليس تأكيداً لرفع المجاز عن القصر حتى يصير بالتأكيد قصراً حقيقياً، بل التأكيد بمعنى المبالغة اعتماداً على القرائن، والأحسن أن يكون منصوباً على الحال من ضمير {هم} فيكون المصدر مؤولاً باسم الفاعل كما هو الشأن في وقوع المصدر حالاً مثل {أو تأتيهم الساعة بغتة} [يوسف: 107]، أي محققين إيمانهم بجلائل أعمالهم،...
(وجملة: {لهم درجات} خبر ثان عن اسم الإشارة. واللام للاستحقاق، أي درجات مستحقة لهم، وذلك استعارة للشرف والكرامة عند الله، لأن الدرجات حقيقتها ما يتخذ من بناء أو أعواد لإمكان تخطي الصاعد إلى مكان مرتفع مُنقطع عن الأرض، كما تقدم عند قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجةٌ} في سورة [البقرة: 228]، وفي غير موضع، وتستعار الدرجة لعناية العظيم ببعض من يصطفيهم فتشبه العناية بالدرجة تشبيه معقول بمحسوس، لأن الدنو من العُلْو عُرفاً يكون بالصعود إليه في الدرجات، فشبه ذلك الدنو بدرجات وقوله: {عند ربهم} قرينة المجاز. ويجوز أن تستعار الدرجة هنا لمكان جلوس المرتفع كدرجة المنبر كما في قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجةٌ} [البقرة: 228] والقرينة هي. وقد دل قوله: {عند ربهم} على الكرامة والشرف عند الله تعالى في الدنيا بتوجيه عنايته في الدنيا، وفي الآخرة بالنعيم العظيم. وتنوين {درجات} للتعظيم لأنها مراتب متفاوتة. والرزق اسم لما يُرزقُ أي يعطى للانتفاع به، ووصفه بكريم بمعنى النفيس فهو وصف حقيقي للرزق، وفعله كرُمَ بضم العينَ، والكرم في كل شيء الصفات المحمودية في صنفه أو نوعه كما في قوله تعالى: {إني ألْقيَ إلي كتابٌ كريمٌ} في سورة [النمل: 29]، ومنه إطلاق الكرم على السخاء والجود، والوصفُ منه كريم، وتصح إرادته هنا على أن وصف الرزق به مجازٌ عقلي، أي كريم رازقه، فإن الكريم يرزق بوفرة وبغير حساب.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ولقد حكم الله تعالى للمؤمنين الذين وجلت قلوبهم عند ذكر الله، والذين يزداد إيمانهم إذا تليت آيات الله تعالى، والذين بعد إحكام العمل، لا يتوكلون إلا على الله، حكم الله تعالى لهم بما كتب فقال:
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}.
حكم الله تعالى لهم بأنهم المؤمنون حقا، أي إيمانا حقا صادقا، ثابتان وفي النص الكريم ما يدل على القصر، أي أنهم وحدهم دون غيرهم المقصور عليهم وصف الإيمان، أي لا مؤمن على وجه الكمال غيرهم، وهذه شهادة من الله تعالى بانفرادهم بكمال الإيمان، وكفى بالله شهيدا.
وقد وصفهم الله تعالى بثلاثة أوصاف هي صفات الكمال للمؤمنين:
أولها – أن لهم عند الله درجات، والدرجات لا تذكر إلا للدرجات العليا، ومعنى {لهم درجات}، أن السبق عند الله، وأنهم علوا على الناس بهذه الدرجات فهو بيان للتشريف كما نقول – ولكلام الله المنزلة – لفلان مكانة عندي فأي درجة أعلى من درجات عند الله.
الوصف الثاني – أن لهم مغفرة أي غفار الذنوب وقابل التوب يغفر لهم وذلك تقريب من الله تعالى لهم، فإنه تعالى يتجاوز عن سيئاتهم إذا تابوا وأنابوا، وتلك منزلة مقربة، وتثبيت؟أنهم قريبون منه تبارك وتعالى.
والثالثة – رزق كريم، والرزق عطاء الله تعالى، وهو رزقان: مادي ومعنوي، فأما المادي: فهو عطاء الله في الدنيا، بحيث يغنيه عن الناس لا يجعل حاجته عند أحد، بل تكون حاجته عند الله، والمال نعمة لمن أحسن تحصيله، فلم ينله إلا من حلال، ولم ينفقه إلا في حلال، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ورد أنه قال: (نعم المال الصالح للمرء الصالح) (1).
والمعنوي: هو رضا الله تعالى وتغمده برحمته في الآخرة، بالنعيم المقيم وإبعاده عن العذاب الأليم، فهذا رزق، ومن الرزق المحامد، وأن يقول أهل التقى فيه الخير، ولا يقولون إلا خيرا، ومن الرزق الكريم ألا يوفق لعمل السوء، ولا يوفق إلا للخير.
ووصف الرزق بالكريم يفيد أنه لا يكسب إلا بشريف الأعمال، ولا يتدلى في طلبه إلى حيث الأشرار، والمعنى أنه يرزق من خير، ولا ينفق إلا في خير، ولا يكتسب إلا من مكان كريم، والله يرزقه من حيث لا يحتسب.