إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

{ أولئك } إشارةٌ إلى من ذُكرت صفاتُهم الحميدةُ من حيث أنهم متصفون بها ، وفيه دلالةٌ على أنهم متمِّيزون بذلك عمن عداهم أكملَ تميزٍ منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدةِ ، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلو رتبتِهم وبُعدِ منزلتِهم في الشرف { هُمُ المؤمنون حَقّاً } لأنهم حققوا إيمانَهم بأن ضمّوا إليه ما فصل من أفاضل الأعمالِ القلبيةِ والقالَبية ، وحقاً صفةٌ لمصدر محذوفٍ ، أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً ، أو مصدرٌ مؤكدٌ للجملة أي حقَّ ذلك حقاً كقولك : هو عبدُ الله حقاً { َلهُمْ درجات } من الكرامة والزلفى وقيل : درجاتٌ عاليةٌ في الجنة ، وهو إما جملةٌ مبتدأةٌ مبنيةٌ على سؤال نشأ من تعداد مناقبهم كأنه قيل : ما لهم بمقابلة هذه الخِصالِ ؟ فقيل : لهم كيت وكيت أو خبرٌ ثانٍ لأولئك ، وقوله تعالى : { عِندَ رَبّهِمْ } إما متعلقٌ بمحذوف وقع صفةً لدرجات مؤكدة لما أفاده التنوينُ من الفخامة الذاتيةِ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنةٌ عنده تعالى أو بما تعلق به الخبرُ أعني لهم من الاستقرار ، وفي إضافة الظرفِ إلى الرب المضافِ إلى ضميرهم مزيدُ تشريفٍ ولطفٍ لهم وإيذانٌ بأن ما وعد لهم متيقَّنُ الثبوتِ والحصولِ مأمونُ الفواتِ { وَمَغْفِرَةٌ } لما فرَط منهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } لا ينقضي أمدُه ولا ينتهي عددُه وهو ما أعد لهم من نعيم الجنة .