فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

{ أولئك } أي المتصفون بالأوصاف المتقدمة { هم المؤمنون } أي الكاملون الإيمان البالغون فيه إلى أعلى درجاته وأقصى غاياته { حقا } أي حق ذلك حقا أو إيمانا حقا يعني يقينا لا شك في إيمانهم وصدقا لا ريب فيه ، قال ابن عباس : برئوا من الكفر ، وحقا أي خالصا وقيل التقدير حقا لهم درجات ، وهذا إنما يجوز على رأي ضعيف أعني تقديم المصدر المؤكد لمضمون جملة عليها .

وقد استدل بظاهر هذه الآية أبو حنيفة ومن قال بقوله أنه يجوز أن يقول أنا مؤمن حقا ولا يجوز الاستثناء ، وأجيب عنه بأن الاستثناء ليس على طريق الشك بل للتبرك كقوله : وإنا إن شاء الله بكم لاحقون مع العلم القطعي أنه لاحق بهم أو المراد صرف الاستثناء إلى الخاتمة ، والنزاع عند التحقيق لفظي كما تقرر في موطنه ، وإنما حكم سبحانه بكونهم مؤمنين حقا في هذه الآية إذا أتوا بتلك الأوصاف الخمسة كما يفيده لفظة إنما لأنها للحصر .

{ لهم درجات } يعني فضائل ورحمة ، قاله سعيد بن جبير ، وعن مجاهد قال : أعمال رفيعة ، وقال الضحاك : أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ، ولا يرى الأسفل فضل أحد عليه ، ذكر ما أعد لمن كان جامعا بين هذه الأوصاف من الكرامة فقال لهم منازل خير وكرامة وشرف في الجنة كائنة { عند ربهم } وفي كونها عنده سبحانه زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم .

{ ومغفرة } لذنوبهم ، وعن ابن زيد قال : بترك الذنوب { ورزق كريم } دائم مستمر يكرمهم الله به من واسع فضله وفائض جوده ، وعن ابن زيد قال : هو الأعمال الصالحة ، وعن محمد بن كعب القرظي قال : إذا سمعتم الله يقول : { ورزق كريم } فهي الجنة .