غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (4)

1

ثم عظمهم بقوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } وفي { أولئك } وفي توسيط الفصل وتعريف الخبر وإيراد { حقاً } من المبالغات ما لا يخفى و{ حقاً } صفة مصدر محذوف أي إيماناً حقاً وهو مصدر مؤكد للجملة قبله ، وقال الفراء : معناه أخبركم بذلك إخباراً حقاً ، وقيل : إنه منوط بما بعده أي حقاً لهم درجات . واعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الرجل المؤمن يجوز له أن يقول أنا مؤمن ، ثم اختلفوا في أنه هل يجوز له أن يضيف إليه حقاً أو لا بل يستثني فيقول إن شاء الله . والأوّل مذهب أصحاب أبي حنيفة لما ورد في الآية ، ولأن الشك في الإيمان لا يجوز لأن التصديق والإقرار كلاهما محقق .

والثاني مذهب أصحاب الشافعي ، وأجابوا عن الآية بأنه لا نزاع في أن الموصوف بالصفات المذكورة مؤمن حقاً إنما النزاع من أن القائل أنا مؤمن هل هو موصوف بتلك الصفات جزماً أم لا . وأما حديث الشك فمبني على أن الإيمان عبارة عن الأركان الثلاثة ، ولا ريب أن كون الإنسان آتياً بالأعمال الصالحة أمر مشكوك فيه ، والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في حصول تلك الماهية ، فإن النزاع لفظي على أنا لا نسلم أن الاستثناء لأجل الشك وإنما هو لزوال العجب أو لعدم القطع بحسن الخاتمة ، أو لنوع من الأدب ففيه تفويض بالأمر إلى علم الله وحكمه كقوله

{ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } [ الفتح : 27 ] وإنه تعالى منزه عن الشك والريب . عن الحسن أن رجلاً سأله أمؤمن أنت ؟ قال : الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله { إنما المؤمنون } فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا . وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية . وهذا إلزام منه يعني كما لا يقع بأنه من أهل الجنة حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً . ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال لقتادة : لم تستثني في إيمانك ؟ فقال : اتباعاً لإبراهيم في قوله { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } [ الشعراء : 82 ] فقال له : هلا اقتديت به في قوله { أو لم تؤمن قال بلى } [ البقرة : 260 ] قيل : وكان لقتادة أن يقول { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] وفيه ما فيه . ثم أخبر عن مآل حالهم فقال { هم درجات عند ربهم } أي سعادات روحانية متفاوتة في الصعود والارتفاع ، ولكن استغراق كل واحد في سعادته الخاصة به يمنعه عن التألم من حال من فوقه كما قال سبحانه { ونزعنا ما في صدورهم من غل } ، { ومغفرة } [ الحجر : 47 ] وتجاوز عن سيئاتهم { ورزق كريم } هو نعيم الجنة المقرون بالدوام والتعظيم . والكرم اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن في بابه نقله الواحدي عن أهل اللغة . فالله سبحانه موصوف بأنه كريم لأنه محمود في كل ما يحتاج إليه ، والقرآن كريم لأنه يوجد فيه بيان كل شيء { وقال إني ألقي إليّ كتاب كريم } [ النمل : 29 ] وقال { من كل زوج كريم } [ لقمان : 10 ] وقال { وقل لهما قولاً كريماً } [ الإسراء : 23 ] قال بعض العارفين : المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله . والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته .