ثم عظمهم بقوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } وفي { أولئك } وفي توسيط الفصل وتعريف الخبر وإيراد { حقاً } من المبالغات ما لا يخفى و{ حقاً } صفة مصدر محذوف أي إيماناً حقاً وهو مصدر مؤكد للجملة قبله ، وقال الفراء : معناه أخبركم بذلك إخباراً حقاً ، وقيل : إنه منوط بما بعده أي حقاً لهم درجات . واعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الرجل المؤمن يجوز له أن يقول أنا مؤمن ، ثم اختلفوا في أنه هل يجوز له أن يضيف إليه حقاً أو لا بل يستثني فيقول إن شاء الله . والأوّل مذهب أصحاب أبي حنيفة لما ورد في الآية ، ولأن الشك في الإيمان لا يجوز لأن التصديق والإقرار كلاهما محقق .
والثاني مذهب أصحاب الشافعي ، وأجابوا عن الآية بأنه لا نزاع في أن الموصوف بالصفات المذكورة مؤمن حقاً إنما النزاع من أن القائل أنا مؤمن هل هو موصوف بتلك الصفات جزماً أم لا . وأما حديث الشك فمبني على أن الإيمان عبارة عن الأركان الثلاثة ، ولا ريب أن كون الإنسان آتياً بالأعمال الصالحة أمر مشكوك فيه ، والشك في أحد أجزاء الماهية يوجب الشك في حصول تلك الماهية ، فإن النزاع لفظي على أنا لا نسلم أن الاستثناء لأجل الشك وإنما هو لزوال العجب أو لعدم القطع بحسن الخاتمة ، أو لنوع من الأدب ففيه تفويض بالأمر إلى علم الله وحكمه كقوله
{ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } [ الفتح : 27 ] وإنه تعالى منزه عن الشك والريب . عن الحسن أن رجلاً سأله أمؤمن أنت ؟ قال : الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن ، وإن كنت تسألني عن قوله { إنما المؤمنون } فوالله لا أدري أمنهم أنا أم لا . وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقاً ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية . وهذا إلزام منه يعني كما لا يقع بأنه من أهل الجنة حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً . ويحكى عن أبي حنيفة أنه قال لقتادة : لم تستثني في إيمانك ؟ فقال : اتباعاً لإبراهيم في قوله { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي } [ الشعراء : 82 ] فقال له : هلا اقتديت به في قوله { أو لم تؤمن قال بلى } [ البقرة : 260 ] قيل : وكان لقتادة أن يقول { ولكن ليطمئن قلبي } [ البقرة : 260 ] وفيه ما فيه . ثم أخبر عن مآل حالهم فقال { هم درجات عند ربهم } أي سعادات روحانية متفاوتة في الصعود والارتفاع ، ولكن استغراق كل واحد في سعادته الخاصة به يمنعه عن التألم من حال من فوقه كما قال سبحانه { ونزعنا ما في صدورهم من غل } ، { ومغفرة } [ الحجر : 47 ] وتجاوز عن سيئاتهم { ورزق كريم } هو نعيم الجنة المقرون بالدوام والتعظيم . والكرم اسم جامع لكل ما يحمد ويستحسن في بابه نقله الواحدي عن أهل اللغة . فالله سبحانه موصوف بأنه كريم لأنه محمود في كل ما يحتاج إليه ، والقرآن كريم لأنه يوجد فيه بيان كل شيء { وقال إني ألقي إليّ كتاب كريم } [ النمل : 29 ] وقال { من كل زوج كريم } [ لقمان : 10 ] وقال { وقل لهما قولاً كريماً } [ الإسراء : 23 ] قال بعض العارفين : المغفرة إزالة الظلمات الحاصلة من الاشتغال بغير الله . والرزق الكريم الأنوار الحاصلة بسبب الاستغراق في معرفته ومحبته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.