ثم حكى - سبحانه - فى نهاية القصة ما حل بهؤلاء المجرمين من عذاب فقال : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ . مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ } .
أى : " فلما أمرنا " بإهلاك هؤلاء القوم المفسدين { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أى : جعلنا أعلى بيوتهم أسفلها ، بأن قلبناها عليهم ، وهى عقوبة مناسبة لجريمتهم حيث قلبوا فطرتهم ، فأتوا الذكران من العالمين ؛ وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم . . .
وقوله : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } زيادة فى عقوبتهم ولعنهم .
أى : جعلنا أعلى قراهم أسفلها ، وأمطرنا عليها حجارة { مِّن سِجِّيلٍ } أى : من حجر وطين مختلط ، قد تجحر وتصلب { مَّنْضُودٍ } أى : متتابع فى النزول بدون انقطاع موضوع بعد على بعض ، من النضد وهو وضع الأشياء بعضها إلى بعض .
والمشهد الأخير . مشهد الدمار المروع ، اللائق بقوم لوط :
( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ، وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود . مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) . .
فلما جاء موعد تنفيذ الأمر ( جعلنا عاليها سافلها ) . . وهي صورة للتدمير الكامل الذي يقلب كل شيء ويغير المعالم ويمحوها . وهذا القلب وجعل عاليها سافلها أشبه شيء بتلك الفطرة المقلوبة الهابطة المرتكسة من قمة الإنسان إلى درك الحيوان . بل أحط من الحيوان ، فالحيوان واقف ملتزم عند حدود فطرة الحيوان . .
( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) . .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مّنْضُودٍ } .
يقول تعالى ذكره : ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك ، جَعَلْنا عالِيَها يعني عالي قريتهم سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها يقول : وأرسلنا عليها حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ .
واختلف أهل التأويل في معنى سجيل ، فقال بعضهم : هو بالفارسية سِنْك وكل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مِنْ سِجّيلٍ بالفارسية ، أوّلها حجر ، وآخرها طين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ قال : فارسية أعربت سنك وكل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : السجيل : الطين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : مِنْ سِجّيلٍ قالا : من طين .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد ، عن وهب قال : سجيل بالفارسية : سنك وكل .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ أما السجيل فقال ابن عباس : هو بالفارسية : سنك وجل ، سنك : هو الحجر ، وجل هو الطين . يقول : أرسلنا عليهم حجارة من طين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ قال : طين في حجارة .
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ قال : السماء الدنيا . قال : والسماء الدنيا اسمها سجيل ، وهي التي أنزل الله على قوم لوط .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين يقول : السجيل : هو من الحجارة الصلب الشديد ومن الضرب ، ويستشهد على ذلك بقول الشاعر :
*** ضَرْبا تَوَاصَى بهِ الأبْطالُ سِجّيلاً ***
وقال بعضهم : تحوّل اللام نونا . وقال آخر منهم : هو فعيل من قول القائل : أسجلته : أرسلته ، فكأنه من ذلك أي مرسلة عليهم . وقال آخر منهم : بل هو من «سجلت له سجلاً » من العطاء ، فكأنه قيل : منحوا ذلك البلاء فأعطوه ، وقالوا أسجله : أهمله . وقال بعضهم : هو من السّجِلّ ، لأنه كان فيها علم كالكتاب . وقال آخر منهم : بل هو طين يطبخ الاَجرّ ، وينشد بيت الفضل بن عباس :
مَنْ يُساجِلْنِي يُساجِلْ ماجِدا *** يَمْلأُ الدّلْوَ إلى عَقْدِ الكَرَبْ
فهذا من سَجَلْت له سَجْلاً : أعطيته .
والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون ، وهو أنها من طين ، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع ، وذلك قوله : لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للْمُسْرِفِينَ . وقد رُوى عن سعيد بن جبير أنه كان يقول : هي فارسية ونبطية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : فارسية ونبطية سج ايل .
فذهب سعيد بن جبير في ذلك إلى أن اسم الطين بفارسية جل لا ايل ، وأن ذلك لو كان بالفارسية لكان سجِلّ لاِ سجّيل ، لأن الحجر بالفارسية يدعى سِجَ والطين جِلْ ، فلا وجه لكون الياء فيها وهي فارسية . وقد بيّنا الصواب من القول عندنا في أول الكتاب بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد ذُكر عن الحسن البصري أنه قال : كان أصل الحجارة طينا فشددت .
وأما قوله : مَنْضُودٍ فإن قتادة وعكرمة يقولان فيه ما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : مَنْضُودٍ يقول : مصفوفة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَنْضُودٍ يقول : مصفوفة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله مَنْضُودٍ قال : نضد بعضه على بعض .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر الهذليّ بن عبد الله : أما قوله : مَنْضُودٍ فإنها في السماء منضودة : معدّة ، وهي من عدّة الله التي أعدّ للظلمة .
وقال بعضهم : منضود : يتبع بعضه بعضا عليهم ، قال : فذلك نَضْدُهُ .
والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس ، وذلك أن قوله : مَنْضُودٍ من نعت «سجيل » ، لا من نعت الحجارة ، وإنما أمطر القوم حجارة من طين ، صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلى بعض ، فيصير حجارة ، ولم يمطروا الطين فيكون موصوفا بأنه تتابع على القوم بمجيئه ، وإنما كان جائزا أن يكون على ما تأوّله هذا المتأوّل لو كان التنزيل بالنصب متضودة فيكون من نعت الحجارة حينئذ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.