الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ} (82)

فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } عذابنا { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } وذلك أن جبريل ( عليه السلام ) أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات سدوم وعامورا ودادوما وصبوا ، فرفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب ، ثم جعل عاليها سافلها .

روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل ( عليه السلام ) : إن الله تبارك وتعالى سمّاك بأسماء ففسّرها لي ، قال الله في وصفك { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [ التكوير : 20-21 ] فأخبرْني عن قوّتك ، قال : يا محمد رفعت قرى قوم لوط من تخوم الأرض على جناحي في الهواء حتى سمعت ملائكة سماء الدنيا أصواتهم وأصوات الديكة ثم قلبتها ظهراً لبطن ، قال : فأخبرني عن قوله { مُّطَاعٍ } قال : إن رضوان خازن الجنان ، ومالكاً خازن النيران متى كلفتهما فتح أبواب الجنة والنار فتحاهما لي ، قال : فأخبرْني عن قوله { أَمِينٍ } قال : إن الله عزّ وجلّ أنزل من السماء مائة وأربعة كتب على أنبيائه لم يأتمن عليها غيري " .

{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا } أي على شذاذها وسافليها ، وقال أبو عبيدة : مَطَر في الرحمة ، وأمطر في العذاب { حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } قال مجاهد : أولها حجر وآخرها طين ، وقال ابن عباس ووهب وسعيد بن جبير ( سنك ) : و( كل ) حجارة وطين ، قتادة وعكرمة : السجّيل : الطين دليله قوله تعالى

{ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] قال الحسن : كان أصل الحجارة طيناً فشدّدت .

وروى عكرمة أيضاً أنه قال : هو حجر معلق في الهواء بين الأرض والسماء منه أنزل الحجارة ، وقيل : هو جبال في السماء وهي التي أشار الله إليها فقال :

{ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] وقال أهل المعاني : السجّيل والسجّين واحد ، وهو الشديد من الحجر والضرب . قال ابن مقبل :

ورجلة يضربون البيض عن عرض *** ضرباً تواصت به الأبطال سجينا

والعرب تعاقب بين اللام والنون ، قالوا : لأنّها كلها ذلقة من مخرج واحد ونظيره في الكلام هلّت العين وهنّت إذا أصيبت وبكت ، وقيل : هو فعيل من قول العرب أسجلته إذا أرسلته فكأنها مرسلة عليهم ، وقيل : من سجلت لهم سجلا إذا أعطيتهم كأنهم أُعطوا ذلك البلاء والعذاب ، قال الفضل بن عباس :

من يُساجلْني يساجلْ ماجداً *** يملأ الدلو إلى عقد الكرب

{ مَّنْضُودٍ } قال ابن عباس : متتابع ، قتادة : بعضها فوق بعض ، الربيع : قد نضد بعضه على بعض ، عكرمة : مصفوف ، أبو بكر الهذلي : معدّ وهي من عدة ( الله ) التي أُعدت للظلمة .