النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ} (82)

قوله عز وجل : { فلمّا جاء أمرُنا } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه أمر الله تعالى للملائكة . الثاني : أنه وقوع العذاب بهم .

الثالث : أنه القضاء بعذابهم .

{ جعلنا عاليَها سافلَها } قال محمد بن كعب القرظي إن الله تعالى بعث جبريل إلى مؤتفكات{[1385]} قوم لوط فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى إن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وأتبعها بحجارة من سجّيل حتى أهلكها وما حولها ، وكنَّ خمساً : صبغة ومقرة وعمرة ودوما وسدوم وهي القرية العظمى{[1386]} .

وقال قتادة : كانوا في ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام وكان فيها أربعة آلاف ألف .

{ وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل } فيه ثمانية تأويلات : أحدها : أنه فارسي معرب وهو " سنك وكيل " فالسنك : الحجر ، والكيل الطين ، قاله ابن عباس .

الثاني : أنه طين قد طبخ حتى صار كالأرحاء ، ذكره ابن عيسى .

الثالث : أنه الحجارة الصلبة الشديدة ، قاله أبو عبيدة وأنشد قول ابن مقبل :

ورحلة يضربون البيض عن عَرَضٍ *** ضربا تواصى به الأبطال سجّينا

إلا أن النون قلبت لاماً .

الرابع : من سجيل يعني من سماء اسمها سجيل ، قاله ابن زيد .

الخامس : من سجيل من جهنم واسمها سجّين فقلبت النون لاماً .

السادس : أن السجيل من السجل وهو الكتاب وتقديره من مكتوب الحجارة التي كتب الله تعالى أن يعذب بها أو كتب عليها ، وفي التنزيل { كلا إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين . كتاب مرقوم } [ المطففين : 7-9 ] السابع : أنه فِعِّيل من السجل وهو الإرسال ، يقال أسجلته أي أرسلته ، ومنه سمي الدلو سجلاً لإرساله [ في البئر ] فكان السجيل هو المرسل عليهم .

الثامن : أنه مأخوذ من السجل الذي هو العطاء ، يقال سجلت له سجلاً من العطاء ، فكأنه قال سُجلوا البلاء أي أعطوه .

{ منضود } فيه تأويلان :

أحدهما : قد نُضَّد بعضه على بعض ، قاله الربيع .

الثاني : مصفوف ، قاله قتادة .


[1385]:المؤتفكات: هي قرى قوم لوط سميت بذلك لأنها كانت ذات إفك ومنكر.
[1386]:اضطربت أقوال المفسرين في أسماء هذه القرى ففي تفسير القرطبي أنها: سدوم وعامورا ودادوما وضعوة وقتم. وفي نسخ أخرى منه أنها: سدوم وقموارا ورادما وضعوة وذكر غيره خلاف ذلك. لكن الجميع متفقون على إسم سدوم وهي القرية الكبرى، لكن يبعد أن يكون بها أربعة آلاف ألف كما يقول بعض المفسرين. ولعل الصواب أربعة آلاف وكلمة ألف الأخيرة زيادة من القصاص.