فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ} (82)

{ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا } أي : الوقت المضروب لوقوع العذاب فيه ، أو المراد بالأمر : نفس العذاب { جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا } أي : عالي قرى قوم لوط سافلها ، والمعنى : أنه قلبها على هذه الهيئة ، وهي كون عاليها صار سافلها ، وسافلها صار عاليها ، وذلك لأن جبريل أدخل جناحه تحتها فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء ثم قلبها عليهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } قيل : إنه يقال أمطرنا في العذاب ومطرنا في الرحمة . وقيل : هما لغتان ، يقال : مطرت السماء وأمطرت حكى ذلك الهروي . والسجيل : الطين المتحجر بطبخ أو غيره . وقيل : هو الشديد الصلب من الحجارة . وقيل : السجيل الكثير . وقيل : إن السجيل لفظة غير عربية ، أصله سج وجيل ، وهما بالفارسية حجر وطين عرّبتهما العرب فجعلتهما اسماً واحداً . وقيل : هو من لغة العرب . وذكر الهروي : أن السجيل اسم لسماء الدنيا . قال ابن عطية : وهذا ضعيف يردّه وصفه بمنضود . وقيل : هو بجر معلق في الهواء بين السماء والأرض . وقيل : هي جبال في السماء . وقال الزجاج : هو من التسجيل لهم ، أي ما كتب لهم من العذاب فهو في معنى سجين ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّين . كتاب مَرْقُوم } وقيل : هو من أسجلته : إذا أعطيته ، فكأنه عذاب أعطوه ، ومنه قول الشاعر :

من يساجلني يساجل ماجدا *** يملأ الدلو إلى عقد الكرب

ومعنى : { مَنْضُودٍ } : أنه نضد بعضه فوق بعض . وقيل : بعضه في أثر بعض ، يقال : نضدت المتاع : إذا جعلت بعضه على بعض ، فهو منضود ونضيد .

/خ83